مهنة السياسة ، السهلة
قهرمان مرعان آغا
كل المهن تنتهي بصاحبها الى التقاعد إلا ممارسة السياسة والعمل الحزبي ، ومعظم المهن تتطلب تحصيل علمي عام أو تخصصي و خبرة فنية وعملية ، كلٌ في مجال اختصاصه ، ويُصنَّف العاملين في أي حقل من حقول الحياة حسب مدى ودرجة إتقانهم لتلك المهنة ، وخاصة عندما تندرج تلك المهن في إطار الوظيفة سواء كانت عامة او خاصة ، وهناك عمر إفتراضي لبلوغ العاملين سن التقاعد والاحالة على المعاش كما هو متعارف في أنظمة العمل والضمان الإجتماعي ، لذا نرى أن رؤساء أغلب النُظم الإستبدادية ، لا يتركون مناصبهم إلا بالموت ، سواء كان موتاً طبيعياً أم قتلاً على يد معارضيه ، حيث يتراءى لمعظم الناس في الظاهر بأن هذا الشخص متمسك بالسلطة حتى الرمق الأخير والانظار دائماً تتجه إليه وحده دون غيره عندما يظهر شخصه للجمهور ، الذي بدوره يخفي إمتعاضه أو يعلنه حسب فهمه وإدراكه للحالة التي يمارسها ذاك الشخص الممتهن للحكم ، وتتكرر حالات التلقي والتفاعل مع حدث الظهور و الصورة المتكررة في الاعلام الموجَّه ،حتى تصبح اعتيادية ، غير ملفِته ، ويقل الإهتمام مع مرور الزمن ، الى حدود اللامبالاة ، دون قراءة الحالة الكليّة لهذه الظاهرة في حياتنا نحن أبناء الشمس في هذا الشرق الأليف . فالإستبداد الكامن في النفس البشرية الفردانية ، بجوانبها الشريرة ، تتعاظم ، بتعاظم وتلاقي أشبهاها ، حيث تلعب كل منها ادوار مختلفة ، اغلبه ضامر ومستتر بقناع صُنعي ، لحماية النواة الصلبة المنشئة لشهوة التسلط والهيمنة . وبالتالي ايجاد موضع ( مزراب) في سراديبها ، للولوج الى دواخلها العَفِنة . وهي تتمظهر بثوب العِفة والطهارة . حيث تكتمل اللوحة والمظهر العام ، ولكن لا يتراءى للمشاهد سوى شخص المُستبِد ، بهيئته وصَلَفه وغروره .والهالة التي وُضِعتْ حوله .
ما ينطبق على حكم الدول والأنظمة ينطبق على الأحزاب والتيارات والكتل الاجتماعية والثقافية ، مع فارق الهيمنة ومداها وعمقها وتأثيراتها ، فإذا حاولنا قراءة تلك الظاهرة . بالمرايا المسطحة ، وليست المحدَّبة أو المقعَّرة ، ليبدو لنا الخلفية الحقيقية لتلك الصور المجسَّدة بشخصية ذاك القائد أو الرئيس أو الفوهرر … ، سمه ، ما شئت .
دائماً يختار مَنْ في الصدارة ، مساعديه من المقرَّبين إليه اجتماعياً ومن يرتاح لهُ نفسهُ في خلواته، العائلة والقبيلة، ومن الرفاق والرفيقات..؟ الذين يقبلون الهيمنةسريعاً ، سواء كان استعدادهم فطرياَ أم مكتسباً ، لسهولة الإنقياد ، والتفرد في القرار ، حيث يشكل هؤلاء الجسم الأكبر من المحاطين به دائماً ، ويشكل البعض من هؤلاء ، البطانة الفاسدة لذاك المسؤول ،وتتوسع البطانة ، كلما أنضم إليهم فاسدين جدد حتى تصبح جيشاً ، سواء من الدائرة الضيقة أو من هوامشها أو من خارجها ، حيث تتشابك المصالح كخيوط العنكبوت ، وتتعدد مراكز القوة في هيكلية الهرم ، بحيث يمارس الجميع مهام ديمومة سلطة الفرد المقدَّس ، كل من موقعه ، مادامت مصالحه متوافقة مع ذلك النهج .
و ما أوهام القدسية التي تحاط ببعض الاشخاص من القادة ، ليست سوى ايهام وتخدير للناس والجمهور بخطورة التغيير في سلوكهم ، او التفكير بمشاركة تبجيل مَثيل آخر او بديل للمُلهِم الضَرورة ، فهم يُحصِّنون أنفسَهم بمتاريس وقلاع خلف طوتَمهم ، فما دام سطوة صورته تملئ الأمكنة ، ووهج نيران معبَدهِ تَبلُغ الآفاق ، فإنهم باقون ، ومن بعيد وبأدوات غير نظيفة يكتمون الأنفاس و يغيبون العقول ، والخطورة تكمن ، عندما يغيَّب الموت هؤلاء البشر أرباع الآلهة ( تماثيل الجاهلية الأولى) حيث ستبدء جوقة القيادة المستدامة بتسعير لهيب نيران كرامات القائد الخالد ونهجه وسيرته ، للإنتعاش والتكيف من جديد ، لإعادة أنتاج الاستبداد بإسم الأموات ، وستبدء فصول الولاء بين الفرقاء للنيل من الآخر ، كل بطريقته البدائية ، وهم لا يعلمون ، بأنهم يغيَّبون أنفسهم قبل تغييب الآخرين وهم على قيد الحياة .
في تاريخنا الكوردستاني القريب والمعاصر سِيَرْ خالدة لقادة عظام ، لم يتسيَّدوا على مجتمعاتهم بالإكراه والتسلط ، بل بالصدق والإخلاص والتفاني والتواضع ، و مناصرة الحق وتحقيق العدالة ونكران الذات ، دون استبداد اوغَلبَة ، بل استحقوا الألقاب بجدارة ، وكان بروز و تألق شخصياتهم ،في الحرب والسياسة ، ناتج فعلي لكفاحهم ، وبطولاتهم الخارقة في زمن ، كان غاصبي كوردستان والاستعمار العالمي ، يحصنون تخوم التقسيم بمزيد من الاوتاد والاسلاك والالغام ، وكانت مصالح الدول الكبرى تتقاطع مع مصالح غاصبي كوردستان في إضطهاد الشعب الكوردي والنيل من وجوده ، لم يساهم في ذلك زيف أو تهويل أو تبجيل أو كذب و نفاق ، ولم يَزل الشعب الكوردستاني يستذكر تلك الأمجاد بمزيد من الفخر والإعتزاز .
مع فارق الزمن وثورة الاتصالات والمعلومات ، والإعلام الموجه ، لم تَستطعْ الإيدولوجيا ولا شخوصها أنْ تَفرضْ بالعنف والإكراه صورة زعيم حزب ، ولا سيرة حرب انتهت بإنتصار روح الشهداء في مسيرة ربع قرن على صلافة الأحياء ، وهم يندفعون باتجاه الموت ، ابتغاء حرية واستقلال كوردستان ، في الوقت الذي يُفرض وبقوة الأمر الواقع بإتجاه ما هو خارج الفطرة البشرية بالتماهي مع شعوب واقوام وأنظمة حكم لَفَظَتْهم هم وقادتهم قبل غيرهم ، في غابر الايام ، وهم يلعبون رقصة الموت في ساحتهم البديلة .
وعلى ذكر السِيَّرْ ، بينَ ناوبردان 1970 وهولير 2015 ،، خمسة واربعون عاماً ، يتهافت أمناء الشِقاق ، يميناً ويساراً في مسعىً متناقض ، وفي ضوء حساسية مبطنة للحياد الجديد ….؟ لقد ضجت الساحة الصغيرة بجفرافيتها ، الكبيرة بأبناها ، إنها انتظرت كثيراً قبل شرارة الثورة ولم تزل تنتظر روح الشهداء لإنقاذها .