موجة نزوح جديدة شمال سورية.. قذائف تحاصر المدنيين واستجابة غائبة
يواجه النازحون في مناطق شمال سورية واقعاً إنسانيًا مؤلمًا في ظل موجة نزوح جديدة تشهدها المنطقة، على وقع قصف النظام السوري المدن والبلدات، حيث أجبرت تهديدات النظام وقصفه المستمر للمدن والبلدات في ريفي حلب وإدلب السكان على النزوح، وتحمل عبء ترك المنازل بحثاً عن مأوى جديد. وتسمع أصوات القذائف في كل المناطق، لتسلط الضوء على المأساة الإنسانية التي يعيشها السكان الذين تحولوا إلى أرقام في تقارير الجهات الإنسانية، في الوقت الذي تدنت فيه درجات الحرارة إلى الصفر المئوي. والعديد من النازحين أعربوا عن مخاوفهم من غياب الحماية وتدهور الظروف المعيشية التي تعكس عمق المأساة الإنسانية التي يعيشونها نتيجة استهداف المخيمات ونقص الدعم الإنساني.
ويقف منذر الشماع، المقيم في مخيمات بابسقا، متخوفًا أمام خيمته من استهداف الطيران الحربي للمنطقة، التي تعرضت يوم الأربعاء لقصف من قبل إحدى الطائرات الحربية الروسية، وفق ما أوضح لـ”العربي الجديد”، الأمر الذي تسبب بحالة من الذعر والخوف للنازحين في المخيمات، لا سيما مع تكرر الاستهداف. وتضم المخيمات الكثير من النازحين الذين يعيشون ظروفًا صعبة مع حلول الشتاء، وفق الشماع، الذي قال: “أي قصف على المخيم قد يوقع مئات القتلى والجرحى. ليس هناك ما نحتمي به. المخيمات ليس فيها جدران أو تحصينات أو بنى تحتية يمكن أن تحمينا من القذائف على أقل تقدير. ليس هناك سوى الخيام والمساكن المؤقتة التي يمكن لعود من الثقاب أن يشعل النيران فيها، فكيف إن سقطت عليها القذائف”.
وتحمل النازحة عليا الريان، المقيمة في مخيمات ترمانين، عبء البحث عن مأوى في حال فقدته في المخيم، وفق حديثها لـ”العربي الجديد”. هي نازحة من مدينة دارة عزة التي تبعد عنها كيلومترات قليلة، والتي تتعرض لقصف شبه يومي من قبل قوات النظام السوري والمليشيات الموالية له. وأشارت إلى أنها لجأت للعيش في مخيم مع أسرتها في مخيم عشوائي شمال إدلب يفتقر لأبسط مقومات الحياة. تعاني هي وأفراد أسرتها البرد والخوف من الأيام القادمة وما قد تحمله لهم. وتقول إنها تواجه كغيرها من العوائل النازحة انعدام الخدمات الطبية في المخيمات ونقص الغذاء والدواء، ولكنها مضطرة للتأقلم ريثما تتمكن من العودة إلى بيتها.
وتحلم الريان أن تعود إلى بيتها في مدينة دارة عزة، وذلك عقب توقف العمليات العسكرية في المنطقة. وقالت: “لست مرتاحة البال هنا، أعيش الخوف مع أولادي وبناتي، الخوف من نزوح جديد، الخوف من القصف، الخوف من غارات الطيران الحربي والقذائف. أرجو أن أعود إلى مدينتي وبيتي، وذلك بعد توقف القصف. الحياة في المخيم صعبة، وما يزيدها صعوبة هو عيش حياة التهديد في المخيم”.
بدوره، أوضح محمود الخليل النازح من ريف حلب الغربي، والذي وصل مساء الأربعاء إلى مخيم بالقرب من مدينة سرمدا، يقيم فيه أقارب له، أن الوضع صعب. وأضاف لـ”العربي الجديد”: “أجبرتنا القذائف على النزوح. القصف لم يكن كما في الأيام العادية، كان مكثفاً، هكذا ينتقم منا النظام، هذا ما عشناه طوال سنوات، يقصف المدن ويدمر البيوت، ليس هناك جديد. أرجو ألا يطول نزوحنا، وأن تبتعد قوات النظام عن المدن حتى لا تكرر قصفها”.
وأوضح أحد الموجودين في مدينة الأتارب لـ”العربي الجديد” أنه “لا يوجد مكان مخصص لذهاب الناس إليه. من لديه صديق أو قريب ذهب إليه، في مكان أكثر أمنًا. ليس هناك مستقبل للأتارب، المدينة خالية بنسبة 70% من السكان، وبعد المجزرة التي ارتُكبت الخميس يمكن لسكان المدينة أن ينزحوا جميعًا. واجهوا الكثير من المصاعب في التنقل وفي نقل الناس. هناك فرق تطوعية بدأت في مساعدة نقل الناس. إلى الآن لم يحصل النازحون على أي مساعدات، ولا توجد أي جهة تقدم الدعم لسكان مدينة الأتارب أو ريف حلب الغربي بشكل عام”.
ووفق بيان صادر عن “فريق منسقو استجابة سورية” مساء الخميس، فقد سجل الفريق خلال الـ36 ساعة التي سبقت إصدار البيان، أكثر من 126 هجومًا من قبل النظام السوري، إضافة إلى أكثر من 85 غارة جوية للطيران الحربي الروسي، و”تسببت تلك الاستهدافات في سقوط أكثر من 20 ضحية من المدنيين، بينهم أربعة أطفال وثلاث نساء، إضافة إلى إصابة 45 آخرين، بينهم سبع نساء و18 طفلًا، كما تسببت هذه الهجمات الموسعة، التي تعد الأكبر منذ ست سنوات، في نزوح أكثر من 10,894 عائلة (58,207 نسمة)”.
ودان الفريق عمليات التصعيد الأخيرة وحثّ جميع الجهات المعنية بالشأن السوري للعمل على إيقافها، مؤكدًا أن المنطقة لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من موجات النزوح. ودعا إلى وقف الاستهداف المتعمد للمدنيين في المنطقة من قبل قوات النظام وروسيا، والذي يستهدف مضاعفة عمليات التهجير القسري الحاصلة في المنطقة، مطالبًا جميع المنظمات والهيئات الإنسانية بالعمل بشكل فوري لبدء عمليات الاستجابة الإنسانية للنازحين الفارين من كل المناطق نتيجة الأعمال العدائية.
العربي الجديد