موّل قواته والتف على العقوبات.. تقرير: نظام الأسد كسب مليارات الدولارات من الأمم المتحدة
Yekiti Media
لم تكن المساعدة الروسية والإيرانية وحتى من ميليشيا “حزب الله” السبب الوحيد في بقاء نظام بشار الأسد على رأس السلطة بعد 7 سنوات من الحرب.
حيث أسهمت مساعدات الأمم المتحدة في دعمه، بطريقة غير مباشرة، بنحو 30 مليار دولار، دفع منها رواتب رجاله وحتى مستلزمات أجهزة المخابرات، وفق ما نشرته مجلة Foreign Affairs الأميركية وترجم عنها موقع “عربي بوست “.
و استخدم نظام الأسد أموال المتبرعين للالتفاف حول العقوبات الغربية ودعم جهود الحرب التي تشنها قواته ضد المعارضة السورية، ويأتي جزءٌ كبير من هذه التمويلات، التي انحرف غرضها، من الحكومات الغربية نفسها التي فرضت العقوبات.
وبحسب المجلة الأمريكية، تعود جذور مشكلات الأمم المتحدة في سوريا إلى السنوات المبكرة من الثورة السورية، في ربيع 2012، عندما بدأ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حشد جهود الدول والمؤسسات لتوفير المساعدات لسوريا، أصرَّت حكومة الأسد على تنفيذ جميع أنشطة المكتب في دمشق.
واستند النظام في دعوته تلك، إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 46/182، والذي ينص على “ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية عبر موافقة الدولة المُتضرِّرة”، وأن “للدولة المُتضرِّرة دوراً رئيسياً في بدء وتنظيم وتنسيق وتنفيذ المساعدات الإنسانية داخل أراضيها”.
ويحتاج مكتب الأمم المتحدة إلى إيصال أموال المساعدات؛ لذا وافق على شروط الأسد. وسرعان ما تدفَّقَت بعض أموال المساعدات الإنسانية بقيمة 216 مليون دولار إلى البلاد، وتضاعف هذا الرقم حتى وصل إلى 3 مليارات دولار سنوياً في الأعوام اللاحقة.
الهلال الأحمر بوابة عبور
تسبَّبَ تمركز عمليات مكتب الأمم المتحدة بدمشق في إثارة سلسلة متتالية من المشكلات للمنظمة الدولية، وسمح لنظام الأسد بالسيطرة على جهود الإغاثة. إذ اشترطت وزارة الخارجية بحكومة الأسد على جميع وكالات الإغاثة توقيع اتفاقٍ مع الشريك الحكومي الرسمي، منظمة الهلال الأحمر العربي السوري، وحظرت إجراء أي زياراتٍ ميدانية أو تنفيذ أي برامج دون الحصول على موافقة الهلال الأحمر.
وارتبط “الهلال الأحمر” بنظام الأسد وقتاً طويلاً، وتلاشى أي مؤشر على استقلال هذه المؤسسة بعد 2011، عندما جمَّدَت الحكومة انتخابات الهلال الأحمر إلى أجَلٍ غير مسمى، وتخلَّصت من أعضاء الإدارة المستقلين، وفصلت طاقم العمل المؤهل.
واخترقت مخابرات الأسد، الذين يقدمون أنفسهم باعتبارهم مُتطوِّعين، صفوف المنظمة أيضاً، وفقاً لمُتطوِّعين سابقين بـ”الهلال الأحمر” تحدَّثت معهم الصحيفة، وبعد هذه التغيُّرات، باتت سياسة “الهلال الأحمر” غير الرسمية الجديدة هي تقديم مساعدات الأمم المتحدة وفقاً لمعايير الموالاة والانحياز إلى النظام. ويتعرَّض طاقم العمل والمُتطوِّعون الذين يخرقون هذه القواعد للسجن والتعذيب وحتى القتل.
كما دَعَّم النظام موقفه أيضاً عبر إصدار تأشيرات سفر انتقائية لطاقم عمل المساعدات الإنسانية الدولي، ليمنح أفضلية للأفراد من دول حليفة مثل السودان.
وأحكم قبضته على توزيع المساعدات والإمدادات الطبية، التي تحجبها ليس فقط عن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مثل إدلب؛ بل أيضاً عن مناطق مثل الغوطة الشرقية، التي كانت تخضع للحصار سابقاً، لكنها الآن تحت سيطرة القوات الحكومية.
تجنب سيطرة النظام على المساعدات
ولتجنُّب سيطرة النظام، فضَّلَت بعض منظمات المساعدات الدولية العمل عبر الحدود التركية أو الأردنية، للتعاون مع شركاء سوريين من أجل الوصول إلى ملايين المدنيين اليائسين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وتبيَّنت مدى فاعلية هذا النهج، خلال أزمة انتشار مرض شلل الأطفال في 2013. التزمت منظمة الصحة العالمية، الموجودة في دمشق، الصمت شهوراً، في حين نفى النظام وجود أي وباء.
في المقابل، أثبتت منظمات الإغاثة السورية غير الحكومية عودة مرض شلل الأطفال إلى سوريا، ودشَّنَت حملة تطعيم ناجحة على نطاقٍ واسع.
وباتت تبعات تقديم المنظمات غير الحكومية مساعدات إنسانية فعَّالة خارج سيطرة الأسد واضحة في أبريل/نيسان 2014، عندما طُرِدَت منظمة “ميرسي كوربس” من دمشق.
منح الأسد نفوذاً هائلاً
وفي يوليو/تموز 2014، بعد أن وافقت روسيا على سحب الفيتو، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رسمياً القرار رقم 2165، الذي يسمح بتقديم المساعدات عبر الحدود، في إشارة إلى منح المساعدات الإنسانية أولويةً فوق سيادة الدولة.
لكن منظمات الأمم المتحدة، غير الراغبة في إفساد علاقتها مع الأسد، استمرت في منح الأفضلية لأنشطتها المتمركزة في دمشق، مانحةً النظام نفوذاً هائلاً.
وكمثالٍ عن تأثيرات هذا النفوذ، بدأت منظمة الصحة العالمية في 2014 نشر خريطة الأسد المُفضَّلة عن سوريا، تلك التي تشمل جزءاً كبيراً من تركيا.
الأهم من هذا، نقَّحَ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق شؤون المساعدات الإنسانية خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2016، عبر استخدام لغة مفضلة لدى النظام: إذ استخدم كلمة “صراع” بدلاً من “أزمة”، ومصطلح “مواقع مُدرَجة في قرارات ذات صلة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” بدلاً من “مناطق محاصرة من قبل القوات الحكومية”. وكذلك حذف مكتب الأمم المتحدة برنامج إزالة الألغام؛ لأنه كان سيضطر إلى العمل عبر الحدود خارج سيطرة الأسد.
التنسيق بين المنظمات ومخابرات الأسد
في بداية الحرب، أدرك النظام أن حجم المجهود المطلوب أكبر من قدرة الهلال الأحمر. ونتيجة لهذا، أسَّسَ نظام الأسد في 2013 اللجنة العليا للإغاثة، وهي منظمةٌ أوكلت إليها مهمة التنسيق بين طلبات الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية والوزارات الحكومية والفروع المختلفة التابعة لأجهزة المخابرات.
ويُشتَرَط الحصول على موافقة اللجنة العليا للإغاثة لإيصال أي مساعدات عبر “الهلال الأحمر”، ما سَمَحَ للنظام بتحديد من سيتلقَّى المساعدات وأين ومتى.
من يشرف على المساعدات؟
وكان خطاب صادر عن اللجنة العليا للإغاثة في 2016 لتسهيل والموافقة على إيصال “الهلال الأحمر” مساعداتٍ إنسانية من دمشق، وحصل كاتب التقرير عليه من مصدرٍ داخل مجتمع منظمات المساعدات السورية، مُوقَّعاً من قبل وزير صحة النظام وضباط من القوات الجوية وأجهزة المخابرات الحربية، ما يشير إلى دور هذه الأجهزة، المشكوك فيه لوقتٍ طويل، في توجيه جهود الإغاثة.
وتخضع وزارة الصحة ورؤساء القوات الجوية والمخابرات الحربية لعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا! وتم تحويل هذه الأموال لدفع رواتب مسؤولي النظام وبالإضافة إلى التحكُّم في أموال المساعدات، تنهب حكومة الأسد جزءاً كبيراً من أموال المساعدات لتمويل جهود الحرب ودفع رواتب المسؤولين.
وتبدأ عملية النهب بفرض ضرائب على جميع طواقم عمال الإغاثة، التي تتراوح ما بين 5% للموظفين المحليين الأقل أجراً و20% للموظفين الدوليين.
الشركاء الوهميين وأسماء الأسد
وتشترط خارجية النظام الخاضعة للعقوبات الأميركية على المنظمات التي تعتمد على شركاء محليين لتنفيذ برامجها -وهو ما تفعله عادةً منظمات الأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية- اختيار شركائها من بين قائمة “المنظمات المحلية غير الحكومية”.
ويعد هذا المصطلح كنايةً عن الكيانات التي يسيطر عليها النظام مثل منظمة أمانة سوريا، التي أسَّستها وترأستها أسماء الأسد، والشركات الوهمية المتنكرة في هيئة مؤسسات خيرية مثل شركة البستان التي يمتلكها رامي مخلوف، ابن خال الأسد.
ويخضع كلٌّ من أسماء الأسد ورامي مخلوف لعقوباتٍ دولية، بالإضافة إلى وزير الخارجية وليد المعلم.
نقل الأموال إلى جيوب النظام
في مايو/أيار 2017، أضافت وزارة الخزانة الأميركية شركة “البستان” إلى قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات. لكن عدم اشتراط الأمم المتحدة على المنظمات الشريكة لها الإفصاح عن الشركات التي تتعاقد معها من الباطن جَعَلَ منظماتٍ محلية غير حكومية، مثل “أمانة سوريا”، قادرةً على التعاقد من الباطن مع شركة “البستان” وغيرها من الكيانات المشابهة، ومَكَّنَها من نقل أموال الأمم المتحدة إلى أفراد داخل النظام.
وتطلَّبَت عمليات الإغاثة تأمين كميات ضخمة من السلع والخدمات لطواقم العمل الدولية، ما وِفَّرَ مصدراً آخر للنظام كي يتربَّح من خلاله. ويجب على منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية شراء الهواتف المحمولة من شركة “سيريتل”، المملوكة أيضاً لمخلوف.
وبالمثل، يجبر النظام الأمم المتحدة على تسكين طاقم عملها الدولي، المُكوَّن من 150 فرداً، في فندق “فورسيزونز” دمشق، الذي يشترك في ملكيته وزير السياحة الخاضع لعقوبات دولية وسامر فوز، رجل الأعمال المتحالف مع النظام والمسؤول عن السيطرة على ممتلكات النازحين بموجب قانون المصادرة السوري الجديد رقم 10.
اللعب بأسعار الصرف
وتربَّحَ النظام من منظمات الإغاثة عبر اللعب بأسعار الصرف أيضاً؛ إذ يجب على هذه المؤسسات دفع أموال البرمجة ورواتب الموظفين المحليين والسلع والخدمات المحلية، مثل الأدوية، إلى البنك المركزي بالدولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي، الذي ينخفض عن سعر السوق السوداء بنحو 20 إلى 25%.
وتحصد الحكومة الفارق بين سعري الصرف الرسمي وغير الرسمي.
ويفيد تقديرٌ مُتحفِّظ، يعتمد على بيانات خدمات التتبُّع المالي التابعة لمكتب الأمم المتحدة، بأن هذا التلاعب يُولِّد إيراداتٍ للنظام لا تقل عن مليار دولار.
دعم وزارة الدفاع
ويتجسَّد استغلال نظام الأسد كيانات الأمم المتحدة من أجل تجاوز العقوبات، في استخدام منظمة الأمم المتحدة أموال المانحين لشراء إمدادات نقل الدم، نيابةً عن وزارة الدفاع بحكومة الأسد، التي تتحكَّم في بنك الدم القومي.
بهذه الطريقة، تدعم منظمة الصحة العالمية الوزارة نفسها التي تقصف المدنيين وتهاجم المستشفيات وتمنع المساعدات الضرورية لإنقاذ حياة المدنيين عن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
بينما يلقي نظام الأسد باللائمة على العقوبات، لا على استهدافه البنية التحتية المدنية والمستشفيات، كسببٍ في الأزمة الصحية العامة في سوريا.
أولوية التمويل
وتنعكس سيطرة النظام على منظمات الأمم المتحدة في الكيفية التي تُقرِّر بها هذه المنظمات أولوية التمويل. ففي 2012 و2013، ذهب جميع تمويل الأمم المتحدة، البالغ 1.2 مليار دولار، مباشرةً إلى دمشق.
وفي 2014، لم يذهب سوى 6.5 مليون دولار من إجمالي 1.2 مليار دولار إلى المنظمات الدولية العاملة على الحدود مع تركيا، في حين ذهب أكثر من مليار دولار إلى دمشق.
واستمر التمويل على هذا المنوال في 2015 عندما تلقَّت المنظمات غير الحكومية السورية العاملة على الحدود أقل من 1% من إجمالي ميزانية مساعدات الأمم المتحدة المُخصَّصة لسوريا.
2 % من المساعدات وصلت
وتشير أفضل التقديرات إلى أن 2% إلى 18% فقط من مساعدات الأمم المتحدة وصلت بالفعل إلى سوريين يحتاجون المساعدة. الأكثر من هذا أن هذه المساعدات نادراً ما تذهب إلى أولئك الأكثر احتياجاً: وهم السوريون الذين يعانون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والخاضعة للحصار غالباً.
وعزَّزَت هذه المساعدات من نفوذ الأسد بدلاً من مساعدة المدنيين الذين يواجهون الخطر. ويكمن التناقض والسخرية المثيرة للحزن، في أن القوى التي تقف وراء فرض عقوبات ضد النظام، وهي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، هي أيضاً أكبر مُمَوِّل للمساعدات الإنسانية التي قوَّضَت هذه العقوبات.
وطالب التقرير بأن تعيد منظمات الأمم المتحدة النظر في اتفاقهم مع نظام الأسد، ومراجعة ما إذا كان وجودهم في دمشق يتسبَّب في أضرارٍ أكثر من منافع.
مشيرا أنه في حال ظلَّت هذه المنظمات في دمشق، فسيُمنَعون من مساعدة المدنيين في إدلب في حين يواصل النظام وحلفاؤه تنفيذ حملتهم الدموية لاستعادة المحافظة.