نار سورية .. توقدها فريناز في إيران
صبري حاجي
المعادلة الميدانية في سورية بدأت تتغير لصالح المعارضة على حساب النظام ,شمالاً في إدلب وجسر الشغور ,توقعات ترجح تمددها باتجاه الساحل حيث العنفوان والغليان اللذان كسرا ظهر البعير في أرياف اللاذقية التي تعيش تحت أدنى مستويات الفقر المريب والتجويع من جراء الحصار المتعمد والبراميل المتفجرة التي تنزل عليهم من السماء ,جنوباً فرض الثوار خناقاً على النظام بعد محاولة فاشلة منه بمشاركة حزب الله في استرجاع المواقع التي يسيطرون عليها , ارغمه على اخلاء منشآته الحيوية حول مدينة درعا ,ففي حلب, العاصمة التجارية وثاني اكبر المدن مني النظام بخسائر فادحة والطاحونة لا زالت تدور بهمة عالية ونشاط غير مسبوق وثمة احتمال قوي تكمن في اخراج النظام قواته منها وتجميعها في العاصمة دمشق ,حيث محل الاقامة للأسد ومعقل الاساس لنظامه حفاظاً على أمنها واستقرارها وهدوئها النسبي طوال عمر الثورة ,من سمتها ,تقيم فيها خليط فسيفسائي من كافة مكونات المجتمع السوري على اختلاف مذاهبها واثنياتها ,قد لا تكون هي الاخرى مدينة آمنة لعناصر النظام وقادته خصوصاً من الطائفة العلوية التي تحكمها وتتحكم بها بالقوة والعنجهية ,ففي الفترة الاخيرة تناقلت بعض وكالات الانباء كلاماً حول حركة نزوح غير عادية لعوائل المسؤولين في النظام الى مدينة طرطوس الساحلية .
يبدوا ان ايران غير قادر على الاستمرار في دعم النظام مادياً لأن العقوبات الدولية المفروضة عليها كسحتها من الداخل خاصة وهي تعلم بان النظام غير قادر على تأهيل نفسه باعتبار انهما نسقا معاً الحل العسكري ,ولم تتوقع ان تضطر يوماً الى مواجهة استحقاقات اي حل سياسي يتطلب تنازلاً من جانبهما ,حيث ولدت لديها قناعة بان المعارضة المسلحة السورية قد ماتت بسبب عدم اهتمام امريكا بها بل وتهميشها ,وانزل هي بها من هزائم ,والاوضاع الاقليمية وخاصة العربية لا تسمح بتهيئتها من جديد لتخوض كل هذه المعارك الضارية في جبهات مختلفة واماكن متفرقة في البلاد ,فإن ما يحصل في سورية الآن هي خطة موازية ومكملة لما يحصل في اليمن ونتيجة طبيعية خلقتها عاصفة الحزم لوقف تمدد الايراني في تصديرها للثورة الخمينية ,مؤشرات توحي بان الظروف قد تبدلت لتتبلور لمرحلة جديدة مختلفة عن المرحلة التي سبقتها والقوى الاقليمية لن تتردد من استثمارها في قوات المعارضة السورية ,وان واشنطن قد رفعت الفيتو الجزئي عن تسليح نوعي لبعض المعارضين ,لحمل النظام على القبول بالحل السياسي وارغامه الجلوس على المائدة المستديرة مع المعارضة واصرار السعودية وقطر وتركيا على ضرب النظام بالتوازي مع العمليات التي تشنها امريكا على داعش ,وايجاد مخرج للأزمة السورية ,فهذه كلها ضغوطات تدفع النظام لمراجعة حساباته ,وبالتزامن مع كل هذه التطورات وجد رئيس الإئتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة في واشنطن لاقناع الادارة الامريكية بالموافقة على اعلان الشمال منطقة آمنة, لم يكن هذا التغيير الميداني ليحصل إلا عبر تفاهمات جادة واجندات مهمة تصب في صالح دول الحزم ,ورداً على تجاوز الأسد كل خطوط الحمر وانتهاكاته المتكررة والفاضحة لحقوق الانسان والبيئة معاً ,فضلاً عن تدنيسه لكرامة وشرف السوريين .
كان لزاماً على ايران تقديم تنازلات بحمل الاسد على القبول بمفاوضات جدية وحقيقية للانتقال السلمي للسلطة في سورية بالحوار ,فريناز خسرواني كانت الضحية الاولى ,انتحرت لتحمي شرفها واهلها من محاولة اغتصاب ضابط في الحرس الثوري الايراني لها في فندق تارا بمدينة مهاباد ,ورغم ما لهذه الحادثة من وقع على النفوس والقلوب ,كانت فرصة لتعلن نشطاء الكورد شرارة الانتفاضة ,التي سرعان ما انتشرت لتشمل اغلب مناطق شرقي كوردستان ,الضحايا بالعشرات قوات الأمن تدخلت بعنف ضد المنتفضين ,الامور بدأت تخرج عن السيطرة ,اضطر النظام الايراني الى فرض حالة الطوارئ وحظر للتجوال ,مستقدماً تعزيزات أمنية كبيرة ,في المقابل اعلنت احزاب وحركات سياسية كوردية في بيان لها عن دعمها ومساندتها للانتفاضة المشتعلة مطعماً بنداءات تدعوا الشعب بشكل اقوى للانضمام الى الحملة ,ربما تكون بداية لرياح عاصفة تمضي بعزيمة على تغيير وجه الاقليم بتغيير المعادلة الآنية ووقف نهائي لتمدد ايران وطموحاتها التاريخية وتدخلها الغير مبرر في شؤون الغير ,والكف عن تشكيل ميليشيات ودعمها لتنفيذ مخططاتها التوسعية ,وفك الارتباط بينها وبين النظام في سورية ,وافشال مشروع الهلال الشيعي الذي تعد له .
الكل يعلم بان دول الخليج تعاني من التدخل المستمر لإيران بشكل يهدد أمنها ومصالحها الاستراتيجية ,المملكة العربية السعودية بمقدورها تأمين الدعم اللازم للانتفاضة الشعبية العارمة في ايران ,كما انها فرصة تاريخية ثمينة لها على الأقل لاضعاف اسوأ نظام واكثرها دعماً للاصولية المتشددة بامكانها ان تنشط في آية لحظة خلايا شيعية نائمة على اراضها ,نظام قائم على العنف والترهيب ,وصل الى اعلى مراحل العداء ,فمثل هذه الانظمة لا تنهار إلا من الداخل ,ولطالما المعارضة تفتقد الى دعم دولي خارجي فلا يمكن ان تتغير ايران ولا يمكن ان تنتصر المعارضة يوماً ,وسيزيد خطر نظام الملالي على الجوار الاقليمي ,لكن العقدة المعقدة هي القضية الكوردية في معادلة المشهد الايراني التي تتخوف منها تركيا ,لان اي انتصار للقضية الكوردية في ايران سيؤدي الى انتصار الكورد في تركيا التي تربطها علاقات أمنية واسترتيجية واقتصادية قوية مع المملكة ,وقد لا ترضى تركيا بأي دعم سعودي للكورد وانتفاضتهم ضد اكبر عدوا لها ولمنطقة الخليج برمته ,كذلك فإن النظام في ايران يملك من الأوراق ما يمكنها ان تلجم قوى خارجية عند اللزوم إن تحركت باتجاه الدعم لقوى المعارضة في داخل اراضيها .