من الصحافة العالمية

“ناشونال إنتريست”: يمكن لأمريكا حماية السوريين بأساليب غير تقليدية

Yekiti Media
 

في 26 سبتمبر/ أيلول، أقرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، “قانون قيصر”، لحماية المدنيين السوريين، وتم الاحتفاء بهذا القانون من قبل وسائل الإعلام الغربية ومن قبل القوات المعارضة للأسد، زاعمين أن إقراره “يضيق الخناق على الأسد” ويحاسب “جزار سوريا” على جرائم الحرب التي قام بها.

هدف المشروع التشريعي بحسب ما جاء في تقرير لمجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، أمس الثلاثاء، هو السعي لتحسين جهود الولايات المتحدة تجاه حماية المدنيين في سوريا.

ورأى التقرير، أنه لو كانت واشنطن تسعى لتطبيق قانون قيصر جدياً لمساعدة المدنيين السوريين ولتبقى فاعلة في تحقيق استقرار سوريا وعملية إعادة الإعمار، فإن عليها أن تسعى لما يتجاوز تشريعات الكونغرس، وأن تستخدم وسائل غير تقليدية لحماية المدنيين، مركزة على جيوب نفوذها التي تحافظ عليها حالياً.

قانون قيصر، الذي تم النقاش حوله ودراسته لأكثر من عام، سمي على اسم المصور السوري الذي نقل الدلائل المصورة لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب ضد المدنيين في سجون الأسد.

ووفق تقرير المجلة الأمريكية، فإن التركيز الأولي للتشريع ينصب على “وقف المذابح واسعة النطاق بحق الشعب السوري”، من خلال فرض العقوبات على نظام الأسد، والبنك المركزي، والمرتبطين بالجرائم ضد المدنيين.

وهذه الخطوات، ستساعد العقوبات الأمريكية على تأكيد وفرض القوانين الدولية الموجودة التي ينتهكها نظام الأسد، قوانين مثل المسؤوليات الموصوفة بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة واتفاق الأسلحة الكيميائية.

واتجاه التشريع واضح، من خلال فرض الولايات المتحدة عقوبات ضد من يدعم القدرات العسكرية للنظام، بما فيهم روسيا، وإيران.

وتؤكد “ناشونال إنتريست” في سياق متصل، أن عزم واشنطن على فرض عقوبات ضد التجارة التكنولوجية والتبادل الاستخباراتي لا يكاد يذكر، خاصة مع تعاقد موسكو مع النظام في 24 سبتمبر/ أيلول لتقديم أنظمة الدفاع الصاروخية S-300 للأسد.

خطوات استباقية..

يتخذ قانون قيصر على العديد من الجبهات خطوات استباقية: داعماً لمفاوضات التسوية السياسية لإنهاء الحرب، ومحاسبة الأسد في المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب، وواضعاً حماية المدنيين كمسؤولية رئيسية لكل من الحكومة المستضيفة وكل الأطراف المعنية. ولكن، الأحكام الأخرى التي يتضمنها التشريع وتوقيت إقرارها يثير التساؤل حول دوافع واشنطن.

علاوة على ذلك، فإن قانون قيصر قد تضاءل كثيراً عن نسخته الأصلية، حيث دعا التشريع في نسخته الأولى لتقييم الفعالية المحتملة لمنطقة حظر جوي، ولمنطقة آمنة، ووممر إنساني يدار من قبل الولايات المتحدة، ولدعم متزايد للقوات الحليفة.

الآن لا يقوم الجانب العملي الأساسي للتشريع سوى بتقييم “الفعالية المحتملة، والمخاطر، والمتطلبات العملياتية والوسائل العسكرية وغير العسكرية لزيادة حماية المدنيين داخل سوريا، خاصة المدنيين في المناطق المحاصرة، والعالقين عند الحدود، أو النازحين داخلياً”.

تغير النبرة هذا يعكس فهماً لتراجع نفوذ الولايات المتحدة في سوريا، واعترافاً قاسياً بأن الوقائع على الأرض تصب في صالح النظام. ولكن، هذا الواقع لا ينفي الالتزام المستمر بحماية المدنيين في سوريا.

لم الإجراءات غير التقليدية؟

عادة، تعد حماية المدنيين من المسؤوليات الأولية للحكومة. وحينما تكون الدولة غير قادرة أو غير راغبة بالحماية، يمكن أن يقدم لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تفويض بالسلطة والمسؤولية عن الحماية ضمن قدراتها ومناطق توزيعها.

منذ القبول الجماعي لوثيقة نتائج القمة العالمية لعام 2005، تمت دعوة المجتمع الدولي لاتخاذ فعل جماعي من خلال مجلس أمن الأمم المتحدة في المواقف التي تكون فيها الدولة المضيفة “فاشلة بشكل واضح” بحماية مدنييها.

 

ولكن بعد تطبيق مستمر لحماية المدنيين، ولمسؤولية الحماية، وإعادة الإعمار ما بعد الصراع في حالات مثل كوسوفو، دارفور، وليبيا، فقدت الأعراف الدولية المتخذة قابليتها للاستمرار.

لقد فشل 12 طلب تصويت في مجلس أمن الأمم المتحدة يحاول إدانة العنف في سوريا والدعوة لحماية المدنيين. وعلاوة على ذلك، فقد ظهر استخدام أحادي الجانب للقوة ومعارك بالوكالة نشرتها واشنطن وطهران وموسكو وأنقرة ضمن حدود سوريا.

كل تلك الأطراف في الحالة السورية تثير تساؤل: من هو المسؤول عن حماية المدنيين حينما تكون الطريقتان التقليديتان لحمايتهم إما غير كافيتين أو غائبتين؟.

بالنسبة للولايات المتحدة، التي لوجودها في سوريا أثر مباشر على المدنيين (خاصة المستقرون منهم بشكل مباشر أو غير مباشر في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة)، فقد وقع عليها قدر من المسؤولية لحماية من يبحث عن الأمن.

إن كان الهدف النهائي من قانون قيصر هو حماية المدنيين حقاً، فعلى الولايات المتحدة، على الرغم من غياب إمكانية فرض حلول عبر مجلس أمن الأمم المتحدة، أن تلعب دوراً فاعلاً في حماية المدنيين في سوريا.

استراتيجية بديلة

للقيام بهذا، على الولايات المتحدة السعي لتحقيق استراتيجية بديلة غير تقليدية لحماية المدنيين. وهذا يتضمن المسؤولية الأخلاقية غير الملزمة للأطراف الثانوية (الدول، المنظمات الدولية، والمجتمع المدني المحلي) لتصميم وتطبيق نشاطات حماية المدنيين.

يجب أن تكون هذه النشاطات في المناطق التي (أولاً) تعجز فيها حكومة النظام أو لا ترغب بحماية مدنييها، أو (ثانياً) التي تعجز فيها الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي على تنفيذ نشاطات حماية المدنيين المعتادة طبقاً لمسؤولية الحماية التي يوصي بها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس أمن الأمم المتحدة (مثل قرار 2254).

وعلى حماية المدنيين غير التقليدية أن تتضمن:

– توفير الحماية الفعلية لمئات آلاف النازحين داخلياً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو الخارجة عن نطاق وصول الأمم المتحدة (هذا يفترض أن الأمم المتحدة لا يسمح لها بالعمل إلا ضمن المناطق التي تسيطر عليها حكومة النظام).

– توظيف طواقم عسكرية ومدنية إضافية، أو الاستفادة من الشراكات مع الحلفاء الحاكمين المحليين المختارين الذين تتوافر لديهم الرغبة، والمجتع المدني المحلي، والأطراف غير الحكومية. يجب القيام بهذا حينما تندلع أزمة ما لتقديم الحماية، وللرقابة على انتهاكات حقوق الإنسان ولإنشاء بيئة لتقدم المساعدات الإغاثية.

– تسهيل وصول المساعدات القرينة المستمرة والإغاثات ونشاطات توفير الاستقرار وإعادة الإعمار للمناطق المتضررة في النهاية.

لا سوابق دولية

لا توجد سوابق للحماية غير التقليدية للمدنيين دولياً، لذا يستند تطبيقها على دراسة دقيقة وواعية، تسعى لتحديد من هم الشركاء الصالحون لتسهيل تطبيق حماية وتنظيم النشاطات وتطبيقها، مع الأخذ بعين الاعتبار لموقف الولايات المتحدة في الصراع الواسع. بحسب تقرير “ناشونال إنتريست”.

في الوقت ذاته، حماية المدنيين غير التقليدية في الحالة السورية لا يجب أن يتم تطبيقها عن طريق تدخل أمريكي أحادي الجانب الذي يمكن تطبيقه في الحالات المستقبلية للصراع، ولكن من خلال دعم حماية المدنيين في الحالات التي تتجاهل فيها “الدولة المضيفة”، أو حلفائها الكبار لواجبهم الأساسي لحماية كل المدنيين.

يجب البدء بحماية المدنيين غير التقليدية فوراً، لا الانتظار حتى يسترجع نظام الأسد سوريا كلها وإعلان نهاية الحرب رسمياً. فبعد تلك المرحلة ستعتبر نشاطات الولايات المتحدة على الأرض غير قانونية وفقاً للقانون الدولي.

تقوم أيضاً كل من تركيا وروسيا بقيادة عملياتهما ثنائية الجانب لحماية المدنيين التي تقرن مع إحلال الاستقرار وإعادة الإعمار ضمن سوريا، ولكن يركز الاثنان أكثر على حماية المدنيين ضمن نطاقات تحالفاتهم عوضاً عن حماية المدنيين العامة. بالنسبة لحماية المدنيين التي تقوم بها روسيا، فهي لا توفر الحماية سوى لمن يعيش تحت كنف سيطرة النظام ومن يسعى للتصالح معه.

بالنسبة لحماية المدنيين التي تطبقها تركيا، فالحماية توفر للمدنيين القاطنين في مناطق نفوذ تركيا في الشمال، ولكن الحماية غير متوفرة للمدنيين السوريين الأكراد الذين نزحوا خلال العمليات العسكرية التركية، وبإمكان واشنطن أن تقوم بملء فراغ حماية هؤلاء الأفراد المعرضين لخطر غير المشمولين بنطاقات الحماية السابقة، وأن تنشئ سابقة لحماية المدنيين على مستوىً معياري.

دور أمريكا

ووفق تقرير المجلة الأمريكية، فإنه قبل مناقشة كيفية قيام الولايات المتحدة بحماية السوريين، على واشنطن أن تقيم بشكل دقيق الحدود التي بإمكانها العمل ضمنها لحماية المدنيين، وتحديد أي مدنيين بإمكانها فعلاً أن تحمي وأي منهم بإمكانها فقط أن تحامي عنهم من خلال إطارات عمل متشاركة مع دول عدة؟.

للإجابة عما سبق، يجب أن يتم تقييم اعتباريين جغرافيين: التواجد العسكري الأمريكي في الشمال الشرقي لسوريا، وقواتها الثانية في التنف، على الحدود الأردنية مع سوريا.

أولاً، تحافظ الولايات المتحدة على تواجد عسكري على الأرض في الشمال الشرقي وعلى نفوذ عملياتي من خلال شركائها (قوات سوريا الديمقراطية)، ويضم الشمال الشرقي حالياً مئات آلاف السوريين النازحين الذين فروا خلال توسع تنظيم داعش والحروب التي تلتها ضده، ما دفعهم إلى الفرار شمالاً تجاه المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في سوريا.

تستطيع الولايات المتحدة الوصول لهؤلاء السكان وبإمكانها أن تنظم لهم بسهولة مساعدات إغاثية، ومساعدات لإعادة إعمار، ووضع برامج لبناء قدراتهم لدعم المجتمع المدني في تلك الأماكن. وتلعب الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية” بشكل خاص دوراً حاسماً في تقديم الدعم للمدنيين السوريين، ضمن مجال وصول عملياتها.

ستستمر الولايات المتحدة على الأرجح في المستقبل القريب بتقديم التدريب والتسليح لـ”سوريا الديمقراطية”، حتى يتم تأسيس أرضية دبلوماسية قوية تجاه كل من هزيمة “تنظيم داعش” في شرقي سوريا، وإزالة الميليشيات المرتبطة بإيران في سوريا، والتسوية السياسية.

تقدم “سوريا الديمقراطية”، ربما، الخيار الأفضل لإنشاء ظروف أمنية أفضل لقرابة 190.000 نازح مستقرين في مخيمات غير رسمية في الشمال الشرقي لسوريا، أو لحوالي 350.000 سوري العائدين من الرقة ودير الزور.

هناك تحديات..

ولكن التحدي يكمن في أن التعاون الأمريكي مع “قوات سوريا الديمقراطية” سيسبب صدعاً في العلاقات مع تركيا، التي وطدت وجودها في الشمال بعد اتفاق إدلب للحد من نفوذ “وحدات حماية الشعب” التي تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية.

ثانياً، تحافظ الولايات المتحدة مع الجماعات المعارضة السورية على قاعدة مشتركة في التنف في جنوب شرقي سوريا، التي تبعد عدة كيلومترات شمالاً من مخيم الركبان غير الرسمي على حدود الأردن. في حين لا توفر الولايات المتحدة الأمن للنازحين في المخيم، إلا أنها استخدمت شراكاتها مع ميليشيات أخرى لضمان أمن المخيم والمدنيين فيه.

ما يزال الركبان موضوعاً حساساً بالنسبة للأردنيين الذين يعتبرون المخيم كتهديد أمني بعد موجة من الهجمات، تسبب أسوأها مقتل قوات أمن أردنية في 2016.

مع ضمه لخمسين ألف سوري سببت مسؤولية مخيم الركبان معضلة فيما يتعلق بتوفير الحماية للنازحين العالقين فيه، والتي تقع على كل من الأردن والأمم المتحدة (حينما يسمح لها بالوصول إليه) ووحدات المعارضة السورية في المنطقة، والولايات المتحدة بشكل غير مباشر. ولكن تجري الآن مفاوضات أردنية روسية لإعادة نقل السوريين حسبما تفيد التقارير، دون التوصل لأي اتفاق معلن بعد.

في حين لا تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية المباشرة لحماية الركبان، إلا أنه من الواجب عليها أن تلعب دوراً حاسماً في توفير كل من الممر الآمن والخيارات السليمة لأجل التسوية الطوعية خارج المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، لمن يخشى انتقام النظام.

غياب الحماية العامة للمدنيين في سوريا تمثل مصدر قلق حقيقي لأمن وأمان هوية البلاد ما بعد الحرب. يؤكد قانون قيصر على التزام الولايات المتحدة بحماية المدنيين في سوريا على الورق، ولكن لا يجب استخدامه كتبرير للتدخل الأوسع في سوريا.

في حين أنه ربما يتم العمل على تنفيذ إجراءات حماية المدنيين وعلى توفير السلام الذي يلوح في الأفق، إلا أن أي الأطراف الدولية لا تتخذ من حماية المدنيين هدفاً بحد ذاته. على الولايات المتحدة أن تقود مسؤولية هذه الجبهة وأن تساعد على رعاية سوريا آمنة وشاملة عبر المساعدة المباشرة للمناطق التي تحافظ فيها على النفوذ، وعبر التعاون مع الأطراف الأخرى في المناطق الأخرى.

السورية نت/ناشونال إنتريست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى