ناغورني قره باغ أفرغت من سكّانه وينتظر بعثة أممية نهاية الأسبوع
Yekiti Media
يستمرّ نزوح الأرمن الجماعي من ناغورني قره باغ الجمعة، غداة الإعلان عن حلّ جمهورية (آرتساخ) المُعلنة من جانب واحد، وعلى الرغم من دعوات أذربيجان لهم للبقاء.
وأعلنت الأمم المتحدة الجمعة أن بعثة لتقييم الحاجات الإنسانية ستصل إلى المنطقة في نهاية هذا الأسبوع، هي الأولى من نوعها منذ نحو ثلاثة عقود.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة ستيفان دوجاريك إن “حكومة أذربيجان والأمم المتحدة اتفقتا على (إرسال) بعثة إلى المنطقة. البعثة ستصل نهاية هذا الأسبوع”.
وأضاف “لم نتمكن من دخول هذه المنطقة منذ نحو ثلاثين عاماً” بسبب “الوضع الجيوسياسي المُعقد (…) لذا من الأهمية بمكان أن نتمكن من الدخول”.
وأتى الإعلان عن البعثة مع نزوح عشرات آلاف السكان الأرمن من الإقليم.
وخلال فرارهم على الطريق الجبلي الوحيد الذي يربط الإقليم بأرمينيا، قُتل ما لا يقل عن 170 شخصاً في انفجار مستودع للوقود الاثنين، وفقاً لحصيلة جديدة نشرتها الشرطة التابعة للقوات الانفصالية الجمعة.
وقالت إنّه “تمّ العثور حتى الآن على رفات 170 شخصاً… وتمّ تسليمها إلى الطب الشرعي”. وسيتم إرسالها إلى أرمينيا لتحديد هويات أصحابها.
في سياراتهم المملوءة بالمؤن القليلة، المتبقية بعد أشهر من حصار باكو، توقف العديد من السائقين في هذه المحطة الواقعة على مشارف “العاصمة” ستيباناكيرت، وهي واحدة من المحطات القليلة التي ما زالت في الخدمة.
وأدى الحادث أيضاً إلى إصابة 349 شخصاً، مُعظمهم يُعانون من حروق خطيرة.
تلقى الناجي الجريح سامفيل هامباردسيوميان رعاية في بلدة غوريس الحدودية الأرمنية وهو يستريح في خيمة للصليب الأحمر. وقال الرجل الذي أصيب بحروق في وجهه ولُفت يداه بضمادات إنه كان يسير نحو المحطة لجلب البنزين عندما حدث الانفجار وألقاه على الأرض.
وأضاف الرجل البالغ 61 عاماً وهو أب لتسعة أطفال لوكالة فرانس برس “كان تسعة أشخاص أمامي في الطابور. لو لم يكونوا هناك لاحترقت تماماً… لا أحد يعرف بالضبط ما حدث، يقول البعض إن شخصاً ما أشعل النار، ويقول آخرون إن قنبلة يدوية أُلقيت”.
في المجموع، أُفيد عن مقتل حوالى 600 شخص في أعقاب الهجوم العسكري الخاطف الذي شنّته باكو وأدى إلى استسلام الانفصاليين في 20 أيلول/سبتمبر. وأدى القتال نفسه إلى مقتل نحو 200 جندي من كلّ جانب.
تذكارات وكتب محترقة
أصدرت سلطات ناغورني قره باغ الانفصالية الخميس مرسوماً يأمر بحلّ “جميع المؤسسات … في الأول من كانون الثاني/يناير 2024″، مؤكدة أن الجمهورية المعلنة من جانب واحد قبل أكثر من 30 عاماً، “ستزول من الوجود”.
بدوره، أعلن الكرملين الجمعة أنّ روسيا ستقرّر مع أذربيجان مستقبل مهمّة حفظ السلام في هذه المنطقة الانفصالية التي نشرت فيها قوات منذ العام 2020.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف للصحافيين “بما أنّ المهمّة موجودة الآن على الأراضي الأذربيجانية، فإنّ هذه النقطة ستكون موضوع مناقشات مع الجانب الأذربيجاني”.
في أيام قليلة، غادر 93 ألف شخص أي أكثر من ثلاثة أرباع سكان الإقليم البالغ عددهم 120 ألفاً منازلهم، وفقاً لآخر إحصاء نشرته يريفان.
والجمعة، طلب الصليب الأحمر ما يزيد على 20 مليون يورو لتلبية الحاجات المتنامية مع النزوح.
وقام الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، بالتعاون خصوصاً مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بتفعيل خططه للحالات الطارئة واستنفر مئات الموظفين والمتطوعين.
وقالت المديرة الإقليمية للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في أوروبا بريجيت بيشوف ايبيسن إن “الوضع على الأرض كارثي. نرى عائلات يُعاني أطفالها ضُعفاً شديداً إلى درجة يُغشى عليهم بين أذرع ذويهم. هذه الظروف تتطلب دعماً نفسياً فورياً وكبيراً”.
وتسود خشية من الانتقام بين سكان المنطقة ذات الغالبية المسيحية، والتي انفصلت عن أذربيجان ذات الغالبية المسلمة بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، وخاضت على مدى أكثر من ثلاثة عقود مواجهات مع باكو، لا سيما خلال حربين بين العامي 1988 و1994 وفي خريف العام 2020.
وتحدث لاجئون التقتهم فرانس برس في غوريس عن “وحشية” هذه الحرب الأكثر تدميراً بكثير من سابقاتها.
وقال معظم الأشخاص في هذه المنطقة التي يتمتّع فيها جميع الرجال بخبرة عسكرية وقتالية، إنّهم أحرقوا زيّهم الرسمي ووثائقهم العسكرية وغيرها.
تعايش مُستحيل
اتهم رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان أذربيجان بتنفيذ “تطهير عرقي”، معتبراً أنه لن يكون هناك أرمن في الجيب “في الأيام المقبلة”.
غير أنّ باكو رفضت هذا الاتهام، مؤكدة أن “السكّان الأرمن يغادرون قره باغ بمحض إرادتهم”، فيما دعتهم إلى “عدم مغادرة منازلهم” وإلى أن “يكونوا جزءاً من مجتمع متعدّد الأعراق”.
وقال الباحث في معهد العلوم السياسية في فرنسا بيرم بالجي إنّ “لا أحد يؤمن بإمكان التعايش بين الطائفتين. لا الأرمن ولا الأذربيجانيون مستعدّون لهذا الخيار”.
وأضاف أنّ الأرمن “غادروا بإرادتهم. أجد أنّ الأمر أكثر إثارة للقلق” ممّا لو تمّ طردهم، مقدّراً أنّ “5 إلى 10 آلاف نسمة فقط ربما سيبقون” هناك.
وقالت يريفان إنّ مخاوف السكان تأججها سلسلة من “الاعتقالات غير القانونية” للمدنيين الفارّين، على الرغم من التزام سلطات باكو السماح للانفصاليين الذين سلّموا أسلحتهم بالمغادرة.
وأعلن جهاز الأمن الأذربيجاني الجمعة أنه اعتقل قائداً كبيراً في ناغورني قره باغ للاشتباه في تورطه في أنشطة “إرهابية”. وقال إن الموقوف الذي عرف عنه على أنه دافيت مانوكيان رقّي إلى رتبة ميجور جنرال في الجيش الأرميني قبل أن يصبح النائب الأول لقائد القوة الانفصالية.
في أرمينيا التي يتدفق إليها اللاجئون، يتنامى شعورٌ بالغضب.
وأعلن معارضو باشينيان المتهم بالوقوف متفرجاً أمام هجوم باكو الخاطف، تنظيم مسيرة السبت.
وتلقي يريفان باللوم على روسيا، الحليف التقليدي الذي لم يتدخل في حين يفترض به أن يضمن الاحترام الكامل لوقف إطلاق النار المبرم عام 2020.
المصدر: AFP