نحو المؤتمر العام لحزبنا الديمقراطي الكوردستاني – سوريا (الجزء التاسع)
شاهين أحمد
نلفت عناية المتابعين الأكارم بأن هذا الجزء خصصناه لإثارة موضوع في غاية الأهمية ويتعلق بـ العلاقات السياسية والتحرك الدبلوماسي ومعاناة من يتم تكليفهم بهذا الجانب لجهة كيفية التوفيق بين متطلبات السياسة ومحددات الأيديولوجيا وموروثنا الحزبي الكوردي السوري وكيفية الخروج من سيستيم الغرف المغلقة إلى فضاء العلاقات السياسية وسط هذا الكم من المعلومات التي تضخها الإمبراطوريات الإعلامية في ظل غياب شبه كلي للمبادئ وسيطرة كاملة للغة المصالح ، والمطلوب توفيره من مقومات ومساحات كافية لنجاح المكلفين بهذه المهمة للدفاع عن قضية شعبنا العادلة ، وبالتالي المطلوب من مندوبي مؤتمرنا تفهم أهمية المساحة التي يجب أن تُمنح لمن سوف يتم تكليفهم بهذا الحقل في المرحلة القادمة .
بدون شك أن حركتنا التحررية الكوردية في سوريا وخاصة في السنوات الأخيرة بعد انطلاق ماسميت بثورات الربيع في المنطقة ، تواجه ظروف جديدة ومختلفة لجهة علاقاتها المحلية والإقليمية والدولية، وتفرض عليها أحيانا خطاب سياسي قد لاينسجم تماماً من الناحية الشكلية مع خطابها الكلاسيكي خلال مسيرتها التاريخية طوال أكثر من نصف قرن، لأن هذه الظروف تخلق أحياناً نوعاً من الاختلاف أو حتى الخلاف داخل مؤسساتها بسبب التباينات الأيديولوجية. ولا يشكل هذا التباين مؤشراً سلبيا بالضرورة، لكن تكراره في أكثر من موقف ومحطة، وبين أكثر من شخص يعني بالضرورة التوقف عند هذه الظاهرة ، وبالتالي إعادة النظر في الضوابط النظرية، وكذلك القيم والمحددات الأيديولوجية ، والمعايير المعتمدة ، لتحديد المساحات ورسم المسارات التي تتوافق مع توجهات القيادة السياسية المكلفة بالتحرك، كي لايختلط الأمر بين الأيديولوجيا والسياسة، وبين الفكر والسلوك . ونذكر مثلاً الأمة الكوردية ، كوردستان ، حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه، عدالة القضية الكوردية، الأعداء ، الاحتلال وعدم الاعتماد على الأنظمة الغاصبة أوحتى التعامل معهم ، الخصوم، الاصدقاء، الحلفاء …إلخ ،هي مفردات أيديولوجية. أما السياسة فهي ترسانة متحولة من المفاهيم والنظريات والتصورات التي يعالجها السياسي في مختبراته ، ومن ثم يقوم بتنظيمها وفق مقتضيات المشروع للوصول إلى مجموعة من الأساليب والطرق والخيارات واتخاذ جملة من الإجراءات الضرورية لاتخاذ القرارات المناسبة من أجل تحقيق ماذكر من مفردات في الحقل الأيديولوجي . إذاً السياسة هي جملة إجراءات وسلوكيات وظيفية متغيرة وسط عالم يتزاحم فيها المعارف والأفكار والقيم والأحكام والمصالح واللاعبين، والسياسي الناجح يقوم بإنتقاء مايحتاجه من الترسانة المذكورة وتنظيمها في سياقات منطقية متماسكة ، ويختار نمط سلوكي بناءً على وعي ومعرفة ودراية ، ويربط دائماً بين المعرفة والهدف . وهنا يمكن للسياسي الواقعي أن يقوم بإعادة جدولة مفردات الحقل الأيديولوجي بما تتناسب مع الواقع والظروف والإمكانات ، ومن خلال برنامج عملي – واقعي مجدول زمنياً وقابل للتنفيذ مع مراعاة مستويات الوعي المجتمعي والحاضنة الحاملة للمشروع وسبل الانتقال من الخاص إلى العام وكيفية تأمين المصالح الخاصة للأفراد في إطار المشروع العام . ويعمل السياسي دائماً على تهيئة الأجواء الملائمة لترغيب شرائح واسعة وفعاليات وازنة في الانضمام للجماعة التي تؤمن بالحقل الأيديولوجي الذي يشكل غاية العمل السياسي. وبدون شك أن فشل المنظومة السياسية في تأمين رغبات تلك الشرائح قد يؤدي إلى خلق حالة من الشك والترهل والنفور ، والأخطر هو لجوء المنظومة السياسية إلى اعتماد إجراءات من شأنها انزلاقها نحو مستنقع الاستبداد، ويجب ألا تتغاضى عن الحقوق الفردية كي لا تخسر حاضنتها وتفشل في أهدافها. والمنظومة السياسية في مساحة ما قد تكون بمثابة شركة مساهمة ، تعمل جاهدة على إلغاء التناقضات وتوحيد جهود وإمكانات المساهمين في إطارها وبالتالي تأمين وخدمة مصالح المساهمين وحواضنهم. وقد يستغرب القارىء الكريم أوالسياسي المبتدىء من هذه الحقيقة ،لأن الشعار الذي يرفعه السياسي قد يكون كاذباً ومناقضاً للممارسة في الكثير من الأحيان . والأمثلة كثيرة في هذا الجانب وخاصة في منطقتنا، حيث نجد أن غالبية الأنظمة التي رفعت شعار الحرية والديمقراطية مارست الاستبداد والشمولية . ويجب أن يعلم السياسي جيداً بأن دوره هو العمل على توفير المستلزمات وخلق المناخات واستغلال الظروف، وتقدير اللحظة التي يمكن فيها إعادة صياغة شروط جديدة لتحقيق ماهو إيديولوجي ، وأن حقول السياسية هي ساحة صراع الأيديولوجيات, ونجاحها مرتبط بمدى نجاح المنظومة السياسية التي تعمل على تحقيق وتنفيذ محدداتها، ويتوقف كل ذلك على مدى قدرة تلك المنظومة على إعادة تنظيم الأفكار لإنتاج وتكليف نمط معين ومناسب من السياسيين القادرين على تحقيق الغايات والأهداف المثبتة والمحددة مسبقاً . وبالتالي فإن المنظومات السياسية الكوردية مطالبة اليوم بإدراك أهمية ماذكر أعلاه من خلال إعادة النظر في المفردات الأيديولوجية وجدولتها دون المساس بالجوهر، ومن ثم وضع الخطط والبرامج اللازمة لتحقيق تلك المحددات وترك مساحة كافية من الحرية للأفراد المكلفين بالعمل وفق النمط الذي يتناسب مع كل موقع ومرحلة . لأن تقييد حركة الفرد أو الفريق السياسي المكلف بتحقيق كل أو جزء من تلك المحددات يعني حتمية فشل المكلفين بتلك المهمة . بإختصار يجب أن يتم محاسبة المكلفين بالعمل في هذا الحقل على أساس النتائج وبشكل دوري ، وضمن مدد زمنية محددة . وإعطاء الحرية للسياسيين المكلفين بالتحرك ، لايعني أبداً الخروج عن حدود الأهداف المعروفة، ولكنها ضرورية لإعطاء السياسي مساحة كافية للتحرك وفق النمط الذي يراه مناسباً لتحقيق الغاية وبالطريقة التي يريدها. وكما ذكرنا أعلاه بأن تصميم الأيديولوجيا وفق مقاييس ومفردات المراحل التي خلت هو نوع من السذاجة والخرافة ، لأن هناك تعابير ومصطلحات عفى عليها الزمن ، لذلك علينا أن نختار تعابيرنا ومصطلحاتنا بوعي ودراسة، وأن لانقيد أنفسنا بمفردات كلاسيكية ، كل مايهمنا في الموضوع هو الوصول إلى الهدف . وهنا من الأهمية بمكان عدم تجاهل حقيقة أن ماينتجه ويحققه السياسي خلال نشاطه وبالتعاون مع منظومته السياسية ومشاركتها يقاس أولاً وأخيراً بماورد في الحقل الأيديولوجي من مقاييس وأفكار وأهداف، وذلك من خلال القياس على مدى مصداقية الأفكار التي تسلح بها السياسي وكذلك درجة التزامه بالقيم التي تحدد وترسم مساحة تحركه، ومدى مطابقة النتائج للمعايير المحددة في المرجعية الفكرية التي تمنع خروج المنظومة السياسية عن مسارها. بمعنى آخر أن العلاقة بين الأيديولوجيا والسياسة هي علاقة عضوية ولكنها غير مرئية في غالبية المساحة التي يتحرك فيها السياسي المقتدر والمسارات التي يسلكها. والإيديولوجيا التي نحن بصددها اليوم، والتي تلخص جملة من القيم والمبادئ والأهداف التي تمت الإشارة إلى بعضها، وعلى الأداة ( إطاراً كان أم حزباً أو فرداً ) تنفيذها على أرض الواقع يجب أن تكون محدداتها واقعية تناسب المرحلة الزمنية ، وتتناسب تماماً مع الإمكانات والظروف الذاتية والموضوعية، وأن نتجنب الأوهام في مضامينها ، كي لاتنتج لاحقاً ردات فعل سلبية وسط الحاضنة الشعبية . وفي حالتنا الكوردية السورية ، ونظراً لانتقالنا من نظام الغرف المغلقة إلى فضاءات سبق ذكرها يستوجب إعطاء مساحة كافية للمناورة والتحرك السياسي ، ومنح المرونة اللازمة للسياسيين ، وعدم مطالبتهم بالعودة في كل صغيرة وكبيرة إلى الموافقات اللازمة من خلال الاجتماعات الروتينية، ولايعني ذلك بأي شكل من الاشكال تجاوز المؤسسات وضوابط العمل ، كون الحركة تمتلك المرجعيات المختلفة التي تعمل وترسم وتحدد العلاقة بين المصالح والأهداف . ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى نقطة هامة في هذا الجانب وهي المتعلقة بالموروث الحزبي الذي مازال تأثيره وفعله ملحوظاً لجهة وضع قيود على حركة العاملين في حقول العلاقات السياسية وبالتالي التقليل من مساحة الحركة كون بلدنا كان ومازال يحكمه العسكرمنذ أكثر من ستة عقود وبالتالي كانت الحياة السياسية شبه مغيبة وخاصة مايتعلق منها بموضوع العلاقات السياسية مع الخارج لأن إقامة أية علاقة مع جهة خارجية كانت تفسر بأنها موجهة ضد سيادة البلد!. وبالتالي شرعنة ملاحقة واعتقال كل من كان يحاول الخروج من الغرف المغلقة . ومع مرور الزمن تحولت تلك القيود إلى نوع من التقليد المتوارث وأية محاولة للخروج من تلك القوقعة بحد ذاتها تتطلب جملة مقومات لا تتوفر بسهولة في واقعنا نتيجة سيطرة ثقافة المجتمع الأهلي الخليط من العشائرية والقبلية وضعف المجتمع المدني وثقافته وبالتالي غياب المجتمع الوطني وثقافته وتأثير ذلك على الوعي المجتمعي ونخبه الثقافية والسياسية وإفرازات تلك البيئة وتأثيراتها على العاملين فيها وعلى مختلف الصعد . لكن بعد أن وصلت موجات ماسميت بثورات الربيع في المنطقة وهجرة نسبة كبيرة من أفراد الشعب وخاصة الشباب إلى مختلف القارات وخاصة القارة الأوربية حيث توفرمساحات كافية من حرية الرأي والتعبير، والتزود بالعلوم المختلفة وتعلم لغات عدة إضافة لوجود الشبكة الالكترونية ووسائل التواصل المختلفة التي تتيح بمجملها إمكانات مقبولة ومسارات متنوعة للتحرك إلى حد كبير لتغيير الذهنيات وإنجاز تحول كبير في هذا الجانب. بدون شك هناك تحديات تتعلق بتلك الذهنية التي مازالت تتحكم بعمل أحزاب الحركة التحررية الكوردية التي مازالت تدار في جانب كبير من عملها بنفس الطريقة والعقلية والثقافة والقوالب التي كانت سائدة أيام الحرب الباردة والغرف المغلقة . لكن بنفس الوقت هناك إمكانات موازية لعمل ماهو مختلف. والغرض من إثارة هذا الموضوع وفي هذا التوقيت بدون شك لأسباب مختلفة منها تتعلق بمؤتمر حزبنا ، ومحاولة دفع المهتمين من أبناء شعبنا الكوردي وخاصة الشريحة الشابة التي نعلق عليها الآمال في بناء مستقبل مختلف لمجتمعاتنا، هؤلاء الذين دفعتهم ظروف الحرب القذرة إلى ترك الوطن والاستقرار في المهاجر منذ أكثر من عقد كامل، وباتت تلك الشريحة اليوم أمام تحديات كثيرة بضرورة تشكيل مراكز تأطير وتنظيم الطاقات ” لوبيات ” في تلك البلدان وبما تسمح بها قوانين تلك البلدان والانخراط في صفوف الأحزاب الوطنية ومنابرها الفكرية والعلمية والسياسية في بلدان المهجر والعمل الجاد على الاندماج في تلك المجتمعات ومن ثم محاولة توضيح وشرح ما يتعرض له شعبنا من مظالم بكل هدوء ومسؤولية ،وبشكل علمي وواقعي ، مع مراعاة البيئة والتعقيدات التي تحيط بنا وبهم وبالطريقة التي تفهما مراكز القرار في تلك المجتمعات .
يتبع …