آراء

نظام الأسد بين التدمير والتزوير

جمال قارصلي

عندما أتابع ما يحصل في سوريا تحضيرا لما يسمى بالإنتخابات الرئاسية, تنتابني موجات من الحزن الشديد تجعل القلب يعتصر والدموع تسيل على الحال التي وصلت إليه سوريا شعبا ووطننا. هذه المسرحية التي يسميها النظام بالإنتخابات ستكون الثاني من نوعها بعد عقود طويلة من “الاستفتاءات” والتي سيشارك فيها مرشحان شكليان إلى جانب المرشح “الأسدي الأبدي” للتنافس على كرسي الرئاسة المحجوز مسبقا.

من الواضح بأن مسرحية الإنتخابات يتم وضع سيناريوهاتها وإخراجها من أشخاص لديهم القدر الكافي من الإستهتار والإستخفاف والإحتقار لعقول البشر، وهم يحاولون إلباس ثوب الشرعية لهذه الإنتخابات الصورية الشكل والمضمون. ولكي يُطفوا على الانتخابات شيئا من الشرعية, يختارون منافسين مفصلين على مقاس ما يريدون. هؤلاء المنافسون الشكليون يقع عليهم دور الكومبارس في المسرحية الإنتخابية, ويجب أن لا يكونوا جادين في المنافسة على كرسي الرئاسة وليس لديهم برنامج انتخابي طموح, وأن يكون لديهم الاستعداد الكامل بأن يصبحوا شهود زور وخائنين لأمانة الشعب التي يدّعون بأنهم يقومون بتأديتها, وإلا لن يحصلوا على موافقة كل أجهزة المخابرات السورية على ترشيحهم.

حسب تجربتي في الحملات الإنتخابية التي قمت بها في ألمانيا كنائب ألماني سابق ومؤسس حزب فاكت الألماني (FAKT), أحببت أن أقدم للقاريء بعض الأسباب التي تجعل الإنتخابات الرئاسية السورية في 26 أيار/مايو 2021 الجاري غير شرعية ولا يمكن اعطائها صفة الانتخابات:

1 – بشار أسد يحكم سوريا منذ عام 2000, حيث تم تعديل الدستور السوري على مقاساته خلال دقائق قليلة وتم تخفيض سن المرشحين للرئاسة من 40 عاما إلى 34 عاما وذلك وما يتناسب وسنه آنذاك.

في عهد والده وكذلك في الدورات الأولى لرئاسته كان لا يحق لأحد أن ينافسهم على كرسي الرئاسة أو يتجرأ أن يرشح نفسه على هذا المنصب، فلذا كانت المسرحية الانتخابية تسمى بالاستفتاء. في هذه الاستفتاءات كانت نسبة المصوتين ب(نعم) قد تتجاوز نسبة ال(100%) لولا العيب والخجل, بالرغم من المشاركة الإنتخابية التي لا تتجاوز ال(10%) من الذين يحق لهم الانتخاب. المشاركة الانتخابية كانت تتجاوز عدد الذين يحق لهم التصويت لأنه في سوريا حتى الأموات يدلون بأصواتهم ب(تعم) في كل الانتخابت المزورة.

2 – الدستور الحالي من عام 2012 ينص على أنه لا يحق لرئيس الجمهورية أن يكون رئيسا أكثر من دورتين ولكنه وبنفس الوقت (يَجُبّ) ما قبله, أي يبدأ عد الدورات الرئاسية منذ الانتخابات السابقة أي في عام (2014) وهذا ما يشير على أنه سيكون لسوريا دستورا جديدا على مقاييس بشار أو من هو من نسله في عام (2028) لكي يَجُبّ هذا الدستور ما قبله ويبدأ عد الدورات الرئاسية منذ دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ.

3 – المناطق التي سيتم فيها الإنتخابات تعيش فيها أقل من (35%) من الشعب السوري, حيث أغلبيته نزحت إلى مناطق خارج سيطرة النظام أو تم تهجيرها إلى خارج سوريا, إضافة إلى فقدان البيئة الآمنة والحيادية والمراقبة دولية.

4 – الشيء الملفت للنظر بأنه لا يوجد برنامج إنتخابي لا لبشار أسد ولا للمشرحين الشكليين اللذان سمحت لهما سلطات بشار أن يقوما بدور شاهد زور في هذه العملية الانتخابية. هذان المرشحان لو كانا جادان في ترشيحهما ومنافستهما لبشار أسد لكان لديهما معلومات بمئات الآلاف وربما الملايين من الوثائق الرسمية والمعتمدة من المحاكم والمنظمات الولية, إضاقة إلى وثائق عشرات المجازر الكيماوية التي قام بها النظام والمعلومات المؤكدة عن الدمار والتطهير العرقي والتعذيب والتصفيات الجسدية وكذلك وثائق قانون قيصر التي تثبت إجرام وفساد بشار أسد ونظامه وعدم شرعيته.

5 – كل الدول الغربية ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن رفضت نتائج الإنتخابات الرئاسية السورية مسبقا لأن هذه الانتخابات لا تتم في ظروف آمنة ولا يستطيع المهجرين السوريين المشاركة بها, وهذا ما ينص عليه قرار مجلس الأمن 2254 من عام 2015, حتى أن الحكومة الألمانية منعت إجراء عملية الانتخاب في السفارة السورية في برلين قبل 24 ساعة من بدء عملية التصويت وكذلك تركيا والسعودية وقطر منعت إجراء مسرحية الانتخاب على أراضيها.

6 – من الواضح بأنه لا يوجد أي شيء من التساوي في حقوق المرشحان (المحظوظان), اللذان تم انتقائهما بشكل دقيق ومدروس, من الدعاية الإنتخابية والتمويل الكافي والمساحات المخصصة لهما في الإعلانات الإنتخابية وفي وسائل الإعلام الحكومية. هذه الإمكانيات كلها مسخرة فقط من أجل الحملة الإنتخابية لبشار أسد. الإستفتاء الأخير الذي قام به حافظ أسد في عام 1999 كلّف المواطن السوري آنذاك أكثر من 18 مليار ليرة سورية, بالرغم من عدم وجود مرشح آخر ينافسه.

من يراقب الحملة الإنتخابية يلاحظ بأن المرشحين الشكليين يتحاشان المناظرات الإعلامية, لأنها ستكون كالمناظرة بين العبد وسيده وهذا شيء فيه الكثير من الإحراج وخاصة إن تم طرح عليهما سؤالا مثل: من هو مرشحك لرئاسة الجمهورية ؟ وهما يعلمان بأنه إن لم يخرج الجواب كطلقة نارية وكما هو مطلوب وملقن ومدروس: مرشحي هوسيادة الرئيس بشار الأسد, لن يذهب هذان المرشحان إلى بيتهما بعد ذلك بل إلى السجن أو ما يسميه السوريون إلى (بيت خالتهما) ولن يرى أي منهما النور بعد ذلك اليوم وسيكون مصيرهما مثل مصير مئات الآلاف القابعين في معتقلات النظام ومنهم من معتقل هناك وبدون سبب منذ عشرات السنين.

هذه هي ديموقراطية الديكتاتوريين اللذين لا يتقنون حتى إخراج مسرحياتها والذين ينطبق عليهم المثل القائل: شر البلية ما يضحك, لإن ما يحصل في سورية الآن تعجز عن وصفه كل مفردات اللغة العربية والتي هي أكبر لغة في العالم. أنا متأكد بأنه سيأتي اليوم الذي يجد فيه علماء اللغة كلمات ومفردات ومصطلحات جديدة نستطيع من خلالها أن نوصف ما نحن عليه الآن من حال, لأن كلمات مثل كارثة أومهزلة أو مأساة لا يمكنها أن تعطينا الوصف الدقيق لذلك. ما نعيشه الآن هي مأساة فوق مأساة ومهزلة فوق مهزلة ورغم كل ذلك فإنه هنالك من لا يخجل ويستخف بعقول المواطنين ويريد أن يضيف على مهازلنا مهزلة إنتخابية جديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى