نظرة في الجوانب الإنسانية لشخصية البارزاني
الحلقة الخامسة والأخيرة
محمد زكي أوسي
لعلّ من أهم جوانب إنسانية البارزاني حبّه اللامحدود لشعبه المظلوم والمغلوب على أمره, لذلك فإنّ رسائله إلى العالم وإلى مسؤولي الأنظمة العراقية المتعاقبة في فترات اللاسلم واللاحرب تعكس:
1- تألمه لمعاناة شعبه وسعيه لإنهائها وإزالتها.
2- اهتمامه بمشاكل وقضايا شعبه، كبيرها وصغيرها، على السواء وسعيه لحلها تحقيقاً لهدفه الذي يتمثّل في تحقيق آمال وحق شعبه في الحياة الحرة الكريمة.
3- شعوره الصادق الدائم بأنه يرزح تحت وطأة هم كبير وأنّ أولى واجباته مقاومة ما يتعرّض له شعبه من ويلات, وكان جوابه عندما طلب منه مسؤول حكومي كبير الترفع عن النظر في المشاكل الصغيرة, (كم يرزح من أبناء شعبي في غياهب السجون, كم يحرق من منتوجنا الزراعي, أناشد كلّ رجل شريف, كلّ إنسان يساعد إنساناً آخر وقت الضيق أن يمدّ يده إلى معونتنا, لقد فُرض على شعبنا السير في درب الألم وهو يريد العيش الكريم) بهذه العبارات كان البارزاني يواجه كلّ مَن يقابلونه ويطلبون الوقوف على آرائه.
– إنّ حب البارزاني لشعبه تكّوّن لديه منذ بداية حياته, صنعته الصعاب والآلام والبطش والسجون, عاش هذه الظروف منذ طفولته, يقول المناضل السياسي الفذ (عزيز محمد) أمين عام الحزب الشيوعي العراقي (1964-1993)م: (لقد ولد عند حدود القرنين و وسط الظلم المركّب الذي كان يحيق بأهله وشعبه, حتى وكأنه ولد ليكون ضد الظلم ومن ثم ثائراً عليه, ترعرع في أجواء الرفض للواقع المأساوي المرّ الذي كان يعيشه الشعب الكُردي وبقي ساخطاً على هذا الواقع ورافضاً له حتى آخر أيام حياته التي كانت سلسلة متتالية من الحروب والنفي من أجل قضية شعبه العادلة والشريفة).
إنّ حب البارزاني الصادق لشعبه دفعه دائماً إلى قبول الهدن والسلام لينقذ هذا الشعب من الويلات, كان دائماً ميّالاً إلى السلام ويقف ضد القتل وسفك الدماء, ويميل إلى العفو والتسامح والوئام, يقول سكرتير مجلس السلم العالمي (روميش شاندرا) في تصريحه لجريدة التآخي (عدد 19- آب – 1970م) : (أتمنّى أن التقي البارزاني وأصافحه لأنه نصير للسلم في العالم).
رغم احترام البارزاني واستجابته لرغبة الحكومات العراقية المتعاقبة للتفاوض, إلا أنه لم يكن يثق بها, لأنها في رأيه حكومات دكتاتورية, وكان يؤمن بأنّ الحقوق القومية الكُردية وتوحيد العراق لن يتحقّق إلا بوجود حكومة ديمقراطية, يقول نجله مسعود البارزاني: عندما كنا نحتفل ببيان 11-3-1970م, قال الوالد: (لا تفرحوا كثيراً هذه المعاهدة مكتوبة على الورق وقد يأتي غداً ضابط أرعن ويمزّقها). وعلى هذا الأساس رفض دائماً حل قوات البيشمركة لأنها الضمان الوحيد للدفاع عن حقوق الكُرد, يقول: (إنّ الذين يريدون حل البيشمركة قبل تحقيق الكُرد لأهدافهم, ينظرون إلى المسألة بطريقة مقلوبة, كالذي يضع العربة قبل الحصان).
ومن معالم إنسانيته تواضعه ورفضه أن يُمتدح وتُسبغ عليه الألقاب الأسطورية أو يشاد بقدراته ويبالغ في تمجيده, إنّ الشعب في نظره هو الأساس وصانع الانتصارات, يقول: (إنني لست جسم الثورة, الشعب هو جسم الثورة ودعائمها, فدماؤه هي التي تسفك فوق الجبال, أنا لا استطيع فعل شيء دون الشعب الكُردي الذي ينتصر بأبنائه, لست أريد القول بإني فعلت كذا وعملت كذا, لكن أستطيع القول بأني حائز على ثقة الشعب الكُردي).
ومن معالم إنسانيته خدمته لشعبه وقضيته العادلة, ومن هنا إيمانه بالتنظيم والعمل الحزبي بشرط أن يكون وسيلة لخدمة جماهير الشعب لأنّ مصلحتها فوق كلّ شيء, فالقضية الكُردية ليست قضية شخص أو حزب, إنما هي قضية شعب, ودليل ذلك حيوية وازدهار الحركة القومية الكُردية والنشاط المنقطع النظير للحزب الديمقراطي الكُردستاني بحضور البارزاني, بينما يصيبها الشلل لدى غيابه عن المسرح السياسي, كما حصل في المدة بين عامي (1947 – 1958)م خلال وجوده خارج الوطن.
ومن معالم إنسانيته الإشادة ببطولات شعب كُردستان وصبره وتضحياته وإرادته الفولاذية التي لا تلين, وصفها قائلاً في الكونفراس المشترك لمسؤولي الحزب وقادة البيشمركة الذي عقده في 15- نسيان – 1967م : ( افتخر كثيراً بأبناء شعبنا الذين تحمّلوا الصعاب والآلام الجسام خلال هذه الفترة الطويلة من اندلاع ثورتنا, الذين تحمّلوا الحر والبرد والاعتقال والموت والتعذيب, تلك الرجولة والصمود والشجاعة مفخرة لنا جميعاً وموضع اعتزاز لتاريخ شعبنا, تلك البطولات المشرفة التي أبلاها الكُرد في الثورة رغم قلة إمكاناتهم, وكلّ ذلك الغدر والقهر والظلم الذي أصابه وهو يقاوم ويدافع عن نفسه, لا نجده في أي مكان ولدى أي شعب إلا في كُردستان).
إن حُبَّ البارزاني واعتزازه بأبناء شعبه