نظرية “الفوضى الخلّاقة” والاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط
نجم الدين كياض
الكثير من السياسيين والمحلّلين ذهب باتجاه. أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، في العقود الأخيرة من سياستها، اعتمدت على “الفوضى الخلّاقة” في كثيرٍ من المناطق في العالم.
من خلال مراجعة عامة لكلّ الأحداث والتطورات التي شهدها المسرح الدولي. ومنذ إنشاء الأمم المتحدة والنظام الدولي الحالي وتحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. حيث لم تبقَ أية أزمة مهما كانت محدودة ضمن حدود الجغرافية التي نشأت فيها.، بل أثّرت هذه الأزمات بأشكال متفاوتة على النظام والتوازن الدوليين. بهذا الشكل لا يمكن إيجاد عالم مستقر وضابط للفوضى.
وهنا تكمن الإشكالية في الاعتماد على نظرية “الفوضى الخلّاقة” ووجدت هذا المصطلح طريقها
لحدوث عملية التغيير في النظام الدولي والإقليمي الشرق الاوسطي كما يقال. تعني المصطلح ” الفوضى الخلاقة” (بالإنكليزية:creative chaos) هو مصطلح سياسي-عقدي يقصد به تكون حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة ،يقوم بها أشخاص معينة بدون الكشف عن هويتهم ؛ وتهدف من وراء ذلك خلق حالة من الفوضى لإحداث تغيير في البنية الفكرية والسياسية والمجتمعية وتعديل الأمور لصالحهم، أو تشكيل حالة إنسانية أكثر استقراراً بعد مرحلة الفوضى المتعمّدة من جهة معروفة لأجل مساعدة الاخرين في الاعتماد على أنفسهم. وهذا ما دفع بالولايات المتحدة الامريكية إلى تغيير استراتيجيتها حيال العالم والشرق الاوسط تحديداً بعد هجمات, 11سبتمبر 2001 الذي هزّ أركان العالم والقوى العظمى وما نتج عنها تداعياته على النظام العالمي عموماً والشرق الاوسط خصوصاً.
ففي أعقاب وسياق النظام العالمي الجديد عزمت الولايات المتحدة الامريكية على إقامة شرق أوسط جديد وهذا ما أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية “كوندوليزا رايس” بحديث مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 11نيسان عام 2005 عن نية الولايات المتحدة الأمريكية نشر الديمقراطية بالعالم العربي وتشكيل ما يعرف ب( الشرق الأوسط الجديد) وكل ذلك عبر نشر “الفوضى الخلّاقة” في الشرق الأوسط، على الرغم من وجود هذا المصطلح في كثير من أدبيات الماسونية والغربية إلا أن لم يطفُ هذا المصطلح على السطح إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق و سقوط نظام صدام حسين عام 2003 في عهد الرئيس جورج دبليو بوش. بعد تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أعقاب غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990.
كانت البداية لحرب طويلة الأمد في الشرق الأوسط. أعلن الرئيس جورج بوش الأبن نفسه بأنه ذاهب إلى العراق ليجعل منه واحة الديمقراطية بالشرق الأوسط. ونموذجاً ستحتذي به الشرق الأوسط والأنظمة العربية. بعد نشر حالة “الفوضى الخلّاقة” وهي إنها حالة سياسية لخلق أزمات بنيوية سياسية لحدوث تغيير في البنية الفكرية والسياسية في المجتمعات. متعمدة ذلك بقصد الوصول إلى الغاية السياسية التي خطّط لها. يتوقّع أن تكون بعض الفوضى بناء نظم وقوانين جديدة للمجتمعات التي أحدث فيها دماراً وخراباً . أي بناء إدارة جديدة وأكثر انفتاحاً على العالم.
إنّ افتعال الأزمات والعمل على إدارتها بالتدريج والبلوغ لمصالح وأهداف محددة سلفاً. إنها تفكيك للمنظومة السابقة. لتقويضها جزئياً أو كلياً وإعادة تشكيلها مجدداً بما يخدم تلك المصالح المرسوم لها، وبناءً على هذا التصور فإنّ منظومة “الفوضى الخلّاقة” إنما تقوم وترتكز على مجموعة دعامات أساسية،
الأولى: تأجيج الصراعات الطائفية بين المكونات العرقية والدينية.
الثانية: تفكيك المجتمعات وحدوث تغير ديمغرافي بين مكوناتها الأصلية وإسكان المهجرين فيها . بهدف تسهيل التغيير وبناء نظم وفق معايير تمّ وضعها لتحقيق الهدف المنشود.
الثالثة: تأجيج العصبيات الحزبية والصراعات العنصرية بين مكونات المجتمع الأساسية.
رابعاً: جعل الاقتصاد الوطني أكثر هشاشةً وضرب كل مكامن الثقة في العملة الوطنية وزعزعة الوضع الاقتصادي والمالي والعمل على بثّ الشكّ في المؤسسات المصرفية الائتمانية. ودعم وتشجيع المعاملات المالية في السوق السوداء،
خامساً: حدوث الخلل الكامل في النظام الأمني وتشتيت عمليات التنسيق فيما بين المؤسسات الوطنية للدولة.
سادساً: العمل باستخدام الآلة الإعلامية أو السلطة الرابعة أو ما يسمى ب”القوة الناعمة” وللترويج بالوعود التبشيرية التي تحملها المنظومة الجديدة.
هذه باختصار شديد هي الدعامات الكبرى لمنظومة “الفوضى الخلّاقة” والتي تمّ تضمينها في مشاريع الإدارة الأمريكية. لإصلاح الشرق الأوسط وبلدان شمال أفريقية منذ بداية القرن الحالي، في العراق بعد سقوط نظام البعث فيه عمدت الولايات المتحدة الأمريكية ،على كل الاوتار؛ في دعم التيارات المتحالفة معها، هذا ما أدّى الى تأجيج النزعات الطائفية والعشائرية وإحياء التشنجات العرقية؛ بعدما تمّ الإطباق على الدولة المركزية وتقويض مؤسساتها. وفي سياق ذلك اشتعلت آليات “القوة الناعمة ” لجذب المجتمع من خلال استخدام مصطلحات تخدم الشارع ومصالحها ؛ في بلدان الربيع العربي اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية نفس النهج في دعم التيارات السياسية المعتدلة. وهذه الطريقة في التعامل مع الأحداث. أدّى بالوضع الداخلي إلى الصراع بين المتناقضين والمتصارعين . ونفخ التقاطب بين الأقباط والمسلمين في مصر.
لا يختلف المشهد كثيراً في سوريا واليمن والسودان وليبيا،, إذ بصرف النظر عن خلفيات ما جرى ويجري، فإنّ المستخلصات الأولية تشير بأنّ آلة “الفوضى الخلّاقة” تعمل عملها ولاتزال تعمل هنا وهناك لتعميم القتل ونشر الدمار وتقويض كل الروابط المنسوجة مع الدولة والوطن والمجتمع.
كل هذا باعتقاد أصحاب وأنصار “الفوضى الخلّاقة” بأنّ خلق حالة الفوضى وعدم الاستقرار، حتماً سوف تؤدّي إلى بناء نظام سياسي جديد، يوفّر الأمن والازدهار والحرية للمجتمعات التي سادت فيها الفوضى الهدّامة.
وهناك من ذهب الى أبعد من ذلك بأنّ الكون خلق من الفوضى، وأنّ الرب اختار الفوضى ليخلق الكون هذا عند “ديڤ فلمنك”بكنيسة المجتمع المسيحي.
حيث تمّ تطوير نظرية “الفوضى الخلّاقة” أحد أهم المحاضرين في وزارة الدفاع الامريكية وهو البروفسور “توماس بارنيت” فقد قسّم العالم إلى من هم دول القلب ( أمريكا وحلفائها) . وصنّف العالم الآخر تحت مسمى ب”دول الفجوة” أو “الثقب” حيث شبّهها بثقب الأوزون وهذا ظهر بعد أحداث 11 سبتمبر2001. يذهب “بارنيت” إلى دول الثقب هذه هي الدول المصابة بالحكم الاستبدادي والأمراض والفقر المنتشر والقتل الجماعي والنزاعات المزمنة. وهذه الدول تصبح بمثابة مزارع لتفريخ الجيل القادم من الإرهابيين. ويلخص بارنيت إلى أنّ تلك الفوضى البناءة ستصل الى الدرجة التي تصبح فيها من الضروري تدخل قوة خارجية يقصد بها الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على الوضع وإعادة بنائه من الداخل.
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية استثمار حالة “الفوضى الخلّاقة” تاريخياً في عدة أماكن من العالم خاصة شمال إفريقيا والشرق الاوسط.
إنّ مصطلح “الفوضى الخلّاقة” قريب ومشابه لمصطلح “الهدم البنّاء”(creative Destruction) في علم الاقتصاد. عرّفه عالم الاقتصاد جوزيف شومبيترو. هي عملية ثورة صناعية في البنية الاقتصادية من الداخل. أي تدمير البنية القديمة مع خلق بنية جديدة أكثر انفتاحاً.
مع نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين. انطلقت فكرة الفوضى من المجتمع السياسي الأمريكي المعروف بالمحافظين الجدد. وهم فريق من الأكاديميين والسياسيين. استطاع التغلل في كل مرافق القرار الأساسية لصنع القرار الأمريكي. في ظل إدارة الرئيسين جورج بوش الاب والابن ،حيث أسموهم صقور البنتاغون. وأكّدو على إعادة صياغة المفاهيم التي ترتكز عليها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية.
.يعتبر “مايكل ايدن” أحد أهم أقطاب ومفكري صناعة القرار الأمريكي والذي ارتبط اسمه ب” الفوضى الخلّاقة” وهو من المناصرين لهذه النظرية في جانبه العملي. وهو من قام بإعداد مشروع التغيير الجذري والكامل في الشرق الأوسط. وهذا ما أكّدته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا في شباط عام 2005 يجب الاعتماد على نظرية “الفوضى الخلّاقة” كما أكّدت تصريحها لصحيفة واشنطن بوست لتطبيق هذه النظرية. من خلالها يمكن إعادة بناء عالم مستقر وآمن .
. اعتبر المفكر والفيلسوف الايطالي نيكولا برناردو دي ميكافيلي في كتابه “الأمير”( أن النظام ينشأ من الفوضى). وهو من أسّس لقاعدة ” الغاية تبرّر الوسيلة”
. كما ناقش عالم الاقتصاد النمساوي ” جوزيف شومبيتر” في كتابه ” الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية” الصادر عام 1942. إذ اعتبر حسب المفهوم الرأسمالي. أنّ إزاحة القديم هي التي تفرز الجديد المتطور. حيث قال( ليس القديم بالراسمالية هو الذي يفرز الجديد بل إن إزاحته هي التي تقوم بذلك).
إنّ تغيير وتفكيك بعض النظم التي تعتبر مستقرة. والقائمة على القمع وتستخدم كل امكانات الدولة لخدمة سلطتها القائمة. لابدّ من حدوث التغيير فيها. إما عن طريق تدخل القوة الناعمة في نشر الأفكار والمفاهيم التي تقوّض الاستقرار فيها. بالاعتماد على تطوير الأفكار وإيجاد الوسيل الناقل من خلال رموز وأدوات. وهذا ما ذهب إليه ” توماس بارنيت” إلى أبعد من ذلك وهو أحد أهم المحاضرين في الوزارة الأمريكية. في ضوء نظرية “الفوضى الخلّاقة” بأنّ العلاقة الدبلوماسية مع الشرق الأوسط والدول العربية لم تعد مجدية. إنّ الأنظمة العربية لم تعد تهدّد آمن أمريكا بل الخوف من داخل هذه الدول. ويخلص بارنيت ” بأنّ من الضروري تدخل قوة خارجية للسيطرة على الوضع وإعادة بنائه من الداخل” ويؤكّد بأنّ الولايات المتحدة( هي الدولة الوحيدة والقادرة و التي باستطاعتها القيام بذلك).
ملخص نظرية ” الفوضى الخلّاقة ” باختصار شديد هو إثارة الاضطرابات الداخلية وخلق أزمات في مفاصل الدولة والمجتمع. وتكليف جهة معينة لإدارة الأزمات إلى حين إيجاد بيئة مهيئة لحدوث عملية التغيير. في البنية السياسية للدولة وفق ما تفتضيه مصالح الدول الكبرى والنظام العالمي الجديد.
كما يعتبر المستشرق اليهودي “برنارد لويس” أول من أطلق “الفوضى الخلّاقة “في الشرق الأوسط والعالم العربي؛ حيث رأى بأنّ الديمقراطية ضرورية لمواجهة الإرهاب الإسلامي الراديكالي. وذهب إلى أبعد من ذلك بأنّ العالم العربي والإسلامي تحكمه أنظمة استبدادية طاغية وفاسدة. وهذه الأنظمة هي من تسبّبت في خلق الإرهاب المنظم والتي اعتمدت عليها في محاربة سياسة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية ومصالحهم. وذهب برنارد لويس إلى أبعد من ذلك. بأنّ التقسيم الحالي غير مناسب لقدرة هذه الدول في تصدير الإرهاب وهي دول تمتلك ثروات كبيرة تهيئه لذلك. لهذا يجب تقسيم المقسم على أساس عرقي وديني. وقد رجح العراق كبداية لتنفيذ مشروع نشر الديمقراطية. ويعد برنارد لويس المصدر الأساسي الأيديولوجي للسياسة الأمريكية في العالم العربي والشرق الأوسط.
اليوم نرى ذلك الأمر بشكل واضح جداً في العراق وسوريا واليمن وليبيا، والأدلة والآثار الهائلة تتحدث بشكل جليّ عن نفسها. وبالتالي يمكن القول إن نظرية “الفوضى الخلّاقة” التي تبنّتها رايس فشلت فشلاً ذريعاً بأنّ الفوضى ستتحوّل إلى قوة خلاقة. آدم سميث مؤلف الكتاب الاقتصادي الأول والأشهر باسم «ثروة الأمم» كان دوماً يقول إن الأسواق تتدخل فيها (اليد الخفية) لإصلاح أوضاعها، ورايس كانت لديها قناعة شبيهة بذلك.
الواضح من الأحداث أنّ الفوضى تبقى فوضى، ولا تملك قوة منبثقة من خلالها تتحوّل بموجبها إلى وجود إبداعي وخلاق، تماماً كما حصل في حالات مصر والجزائر وتونس؛ جميعها اشتركت في وجود جيش وطني مستنير واعٍ يحمي الشعب ويحافظ على الدستور ويرعى مصالح دولة القانون ويحترم الحياة المدنية، وهو عكس ما حصل في سوريا والعراق بحيث طغت فكرة حماية الطائفة والعائلة الحاكمة على مصلحة البلد، وفي اليمن وليبيا سيطرت فكرة حماية العشائر على مصلحة الوطن.
اذاً نستطيع القول وفق ما ادرجناه سابقاً بأن “الفوضى الخلاقة” أوجدت طريقها إلى المنطقة والشرق الأوسط. وكان بدايتها عند دخول القوات الأمريكية إلى العراق أعقاب حرب الخليج. عندما نجد أن المجتمع في أقصى درجات الفوضى المتمثلة في العنف المذهبي والديني والعرقي والطائفي. هذا يؤكّد بأنّ المجتمع في “حالة الفوضى الخلّاقة”. هنا يأتي دور العقلاء من القادة السياسيين لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها من جديد. لقطع الطريق أمام حالة إطالة الفوضى. لأن إطالتها قد يخلق مجتمعاً أكثر انفكاكاً وأكثر انتشاراً للفساد عندها قد يصعب بنائه.
في سوريا أوجدت “الفوضى الخلّاقة” طريقها في تدمير البنية التحتية للمجتمع السوري من خلال استخدام آلة النظام الاجرامية في قتل وتهجير نصف سكان سوريا. وتدمير بنية الاقتصاد السوري وتفكيك بنيته الاجتماعية من خلال تشحين النعرات الطائفية والعرقية والدينية. كما أصبحت سوريا واحة لكافة التيارات الإرهابية والمتطرفة. والملف السوري الذي أصبح من أكثر الملفات المعقدة ويصعب حلها في الأفق القريب.
هناك الكثير من الحالات ينتاب إلى ذهن القارئ والمتتبع لكل التطورات و الأحدث في المنطقة والعالم. بأنّ توسيع رقعة الأزمة و”الفوضى الخلّاقة” في المنطقة والشرق الأوسط. وصولاً إلى أوربا عبر الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة اللاجئين في دول الاتحاد الأوربي والحرب في غزة، بأنها تعقّد المشهد السياسي وتوسّع دائرة الصراعات الداخلية والعرقية والدينية. إذاً نحن أمام انهيار لأنظمة الشرق الاوسط على أسس هدم القديم ولا نعرف كم ستطول إذاً نحن أمام أزمة كارثية طويلة على العالم العربي والشرق الأوسط . كما وستنعكس نتائجها سلباً على كافة مجتمعات العالم. ولا يستثنى منها أحد مهما كانت قدرته لإدارة الأزمات حتى لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة نظرية “الفوضى الخلّاقة”. وهنا قد يدرك الساسة الكبار نتائجها الكارثية متأخراً. ما انتجتها “الفوضى الخلّاقة” من تشققات وتصدعات في المجتمعات قد يصعب السيطرة عليها. و يسبب هذه الفوضى أزمات عالمية طويلة لعشرات أو ربما لمئات السنين لكثير من المناطق في العالم. وتستنزف كل الطاقات البشرية أو قد تعيد الكثير من المجتمعات إلى حالة بدائية في العيش وحالة الفقر. وانتشار الجريمة المنظمة وانتشار المخدرات وإبعاد الأجيال القادمة عن العلم والمعرفة. لننتظر الايام والسنوات القادمة ستفرز الكثير من التوقعات الراسخة. بانّ الاعتماد على الفوضى في إيجاد وبناء البديل الجديد كانت نظرية خاطئة وفاشلة.
والأكثرية ستؤول إلى الرأي القائل بأنّ استخدام ” القوة الناعمة” في إيجاد البديل الجديد هي الأفضل للحفاظ على تماسك المجتمع ومؤسسات الدولة. والعمل على بنائه من الداخل بالاعتماد على الكفاءات السياسية والثقافية المتقدمة وفعاليات المجتمع المدني. ودعم الإعلام الحر في نشر الأفكار والمفاهيم والقيم التي ترسّخ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والإنسانية في الشرق الاوسط ونبذ العنف بكل أشكاله.
“القوة الناعمة”(بالإنكليزية: soft power) صاغه جوزيف ناي من جامعة هارفارد في كتابه الصادر هام1990 بعنوان << مقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية>> لوصف القدرة على الجذب والضم دون إكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، وقام بتطوير المفهوم في كتابه الصادر عام 2004 بعنوان 《 القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية》يستخدم هذا المصطلح حالياً على نطاق واسع في الشؤون الدولية من قبل المحللين والسياسيين.
بعد فشل الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان. والتي كانت تكلفتها باهظة اقتصادياً وعسكرياً . وأصبح هناك توجه باستخدام “القوة الناعمة” أي يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن، واستخدام الإعلام كوسيلة لجذب الآخرين مما تريد دون استخدام القوة الخشنة منها العسكرية. مما يؤدّي بالآخرين الى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباع مصادره والتأثير به بحيث يصبح ما نريده هو نفسه ما يريده.
بحسب ناي فإنّ “القوة الناعمة” هي القدرة على الحصول على ما نريد عن طريق جذب الآخرين واستخدام وسائل أكثر مرونة من خلال دعم البنية التحتية وتماسكهم الاجتماعي . كما يمكنك التواصل معهم ومحاولة إقناعهم بالحجة والدليل والقدرة على الجاذبية التي تقود غالباً إلى القبول مما تريد كما هم يريدون.
أخيراً يصل القارئ والمتتبع من هذا البحث إلى استنتاج الأفضلية “للقوة الناعمة” بدلاً من نشر “الفوضى الخلاّقة” بأنّ لكل ما يجري من الحروب في المنطقة والعالم. لو يتمّ إنفاق ما يتمّ إنفاقه على الحروب والتي تقدّر بالمليارات من الدولارات الأمريكية. على التعليم والمعرفة في الدول المتخلفة والفقيرة في العالم العربي والإسلامي ودول إفريقيا. من خلال بناء مراكز التأهيل والتوعية في بناء الأسرة والمجتمع ومحاربة الفقر. ومحاولة تقويض الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي التي تصدّر الإرهاب المنظم. من الداخل باستخدام “القوة الناعمة” من خلال دعم التيارات السياسية المعتدلة في بناء المؤسسات الاقتصادية لجذب العمالة وكل الطاقات والكفاءات العلمية. القادرة على إحداث تغيير في بنية التفكير المجتمعي في بناء الإنسان. كان الأفضل حتى لو طال الأمد بذلك لحدوث التغيير المنشود من خلال انتخابات ديمقراطية وبإشراف دولي . للوصول إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على العدل والمساواة. وبناء نظام عالمي وشرق أوسط جديد أكثر آمناً واستقراراً دون حروب ويتمّ توزيع الثروات بشكلٍٍ عادل.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “321”