هاتريك إيراني في العراق
دوران ملكي
ظهور معالم خارطة الطريق الأمريكية بعد سقوط نظام صدام حسين وتحديد موعد 2013 كنهايةٍ للدكتاتوريات في الشرق الأوسط على لسان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول آنذاك دفع بالأنظمة المستهدفة إلى البحث عن آليات ردعٍ للتوجُّه الأمريكي فقد لجأ النظامان الايراني والسوري إلى احتواء بقايا القاعدة والبعث العراقي وتوظيفهم لمواجهة القوات الأمريكية مستفيدةً من التواصل الجغرافي مع العراق بحدودٍ طويلةٍ وذلك عبر سلسلةٍ من التفجيرات الانتحارية في أوساط المدنيين لتحقيق غرضين أساسيين
الأول :إحداث صراعٍ طائفيٍ عميقٍ بين السنَّة والشيعة لتأمين الالتفاف الجماهيري الشيعي حول الحوزات الدينية بضربها عن طريق القاعدة لإحياء ثاراتٍ قديمةٍ بين السنَّة والشيعة وتحويل المناطق السنِّية إلى حاضنةٍ للإرهاب لتدمَّر بضربه وتشويه الإسلام السنِّي عالمياً والقضاء على الميول الوطنية للشعب العراقي ليتمَّ تقسيم المجتمع على أساسٍ طائفيٍ
ثانياً:إرباك الإدارة الأمريكية في الداخل الأمريكي بسبب تزايد أعداد الضحايا في صفوف القوات الأمريكية ووقف التحوِّل الديمقراطي الذي كانت تسير عليه الحكومات العراقية في ظلِّ الوجود الأمريكي حتى لايتحوَّل إلى أنموذجٍ يُحتَذى به
انسحبت القوات الأمريكية تاركةً العراق الفتي عرضة للتدخلات الخارجية وخاصةً الإيرانية منها فحدث صراع قوي بين الفئات الوطنية والطائفية في انتخابات2008 لتتدخَّل إيران لصالح دمج الكتل الشيعية المتصارعة وإحداث الكتلة الأكبر مستفيدةً من الثغرات في الدستور العراقي لتؤدِّي إلى تشكيل الحكومة الطائفية الأولى التي تأتمر بأوامر الحرس الثوري الإيراني ضاربةً عرض الحاًئط بالدستور العراقي وما تمَّ الاتفاق عليه نتج عنها تجميد العديد من المواد الدستورية والتراجع عن المبادىء الديمقراطية ووقف العمل بقانون النفط والغاز وتفسيراته والمادة 140لتموت بالتقادم وبروز معالم سلطة شيعية مطلقة تدخلت في شؤون وزارة الدفاع اذ قامت بتسريح وتجميد العديد من الضباط الكرد والسنَّة من قيادة الجيش مما زاد من تعقيد الأمور بين الإقليم والمركز حتى وصلت إلى قطع رواتب موظفي كُردستان وتقليل نسبة كُردستان من الاقتصاد الوطني من 17بالمًئةالى 12 مما دفع بإقليم كُردستان إلى إجراء الاستفتاء على الانفصال
ظهور ثورات الربيع العربي في العديد من الدول العربية والتجاء النظام السوري والإيراني إلى الإرهاب في كسر شوكة الثورة السورية تولَّد عن ذلك العديد من الفصاًئل الإرهابية بسماتٍ مختلفةٍ وتُوِّجت في النهاية بإعلان الدولة الإسلامية في سوريا والعراق (داعش) وعاصمتها الموصل إثر انسحاب الجيش العراقي منها تاركاً خلفه أسلحةً ثقيلةً ساعدت التنظيم في تمدُّده شرقاً حتى الحدود الإيرانية وغرباً وشمالاً حتى الحدود التركية على حساب المناطق الكُردية والعربية السنية دون المساس بالمناطق الشيعية نتج على أثره حلفين عالميين
الأول ؛الحلف العالمي لمواجهة الإرهاب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوربية كقوةٍ جويةٍ لمساندة البيشمركة الكُردية كقواتٍ أرضيةٍ وامتدَّ الدعم فيما بعد إلى قوات سوريا الديمقراطية في تطهير شرق الفرات من التنظيم الإرهابي
الثاني ويضمُّ روسيا وإيران وبقايا الجيش السوري المتصدِّع وقوات حزب الله اللبناني والميلشيات العراقية والافغانية الشيعية وفيما بعد الحشد الشعبي العراقي التي تشكلت بناءً على توجيهات المراجع الشيعية العراقية
باندحار التنظيم الإرهابي تحت ضربات قوات التحالف والفصائل الموالية لها استولت الفصاًئل الشيعية على كامل المناطق السنية في العراق والجيش السوري وحزب الله على المناطق السنية في سوريا وبذلك أنجزت إيران ما كانت تصبو إليه وهو وصولها إلى البحر الأبيض المتوسط براً بسيطرة حلفائها على محافظات( ديالا وصلاح الدين والموصل وديرالزور)
حاولت الإدارة الأمريكية الجديدة تصحيح الخطأ الذي ارتكبته الإدارة السابقة والعودة إلى العراق إلا أنَّ ضياع الاستراتيجية السياسية الأمريكية بسبب وجود شرخٍ كبيرٍ بين الرئيس ومستشاريه السياسيين والعسكريين من جهةٍ والتجاء الرئيس الجديد إلى الأسلوب المنفعي البحت على حساب المبادئ الثابتة من جهةٍ أخرى حالَ دون ذلك
ساعدت الإدارة الامريكية بكامل طاقتها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتخليها عن حلفائها الحقيقيين في حربي الخليج الثانية والحرب على الإرهاب والسماح له بغزو كُردستان بمساعدة القوات الإيرانية ومليشيات الحشد الشعبي واحتلال مدينة كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها بعد أن سلَّمها الجيش العراقي إلى التنظيم الإرهابي دون مقاومةٍ وتعرَّض سكَّانها إلى الإبادة الكاملة كما تمَّ الضغط من قبل الولايات المتحدة على قوات البيشمركة للانسحاب الى حدود2003.
حاولاتٌ يائسةٌ لجعل رئيس الوزراء العراقي بطلاً في نظر العراقيين بتحرير العراق من الإرهاب والوقوف بوجه إرادة شعب كُردستان في تقرير مصيره كردِّ فعلٍ طبيعيٍ على إجراءات الحكومات العراقية ضدَّ الكُرد ومعاقبتهم بالحصار براً وجواً على مرأى ومسمع الإدارة الأمريكية وكذلك دفعت بدول الخليج إلى فتح علاقات دبلوماسية معه لإبعاده عن التأثير الإيراني إلا أنها باءت بالفشل وانتصرت إيران والحشد الشعبي وجنت ثمار مادفعه الغرب في مواجهة الإرهاب ودون أن تجد الادارة الامريكية موطئ قدم في العراق
زاد النفوذ الإيراني في العراق بسبب تزايد قوة الحشد الشعبي وتفوُّقه على الجيش العراقي عدداً وعتاداً
لتُحدث الرعب في الأوساط السنية وتدخل في صراعاتٍ مع قوات البيشمركة وتحوَّلت الآن إلى قوةٍ سياسيةٍ احرزت النجاحات على حساب القوى الوطنية العراقية أحدثت شرخاً عميقاً في الأوساط السنية لتجعل من كياناتها كياناتٍ صغيرةٍ متعدِّدةٍ في صراعٍ داًئمٍ ويكون ولاؤها وتبعيتها للحرس الثوري الإيراني بالحديد والوعيد أحياناً كما استطاعت بسبب الفراغ الذي أحدثته القوات الأمريكية واتخاذ موقف الحياد من الصراع الدائر في كركوك من خرق الجبهة الكُردستانية القوية وإحداث شرخٍ عميقٍ أيضاً فيها لا تزول آثاره بسهولةٍ في الوسط الكُردي
في النتيجة تجلَّى التمدُّد الإيراني في أعلى صوره في انتخابات 2018 إذ استطاعت أن تضع رئيساً للبرلمان موالياً لها لكي يلبِّي رغباتها في قرار انتخاب رئيس الجمهورية من البرلمان دون الرجوع إلى الكتل الكُردية أو الكتلة الأكبر مخالفاً العقد الاجتماعي الساًئد مما سمح في تولِّي رئيس موالي لها ليكلف رئيس وزراء يحمل معه استقالته إن لم يلبِّ رغباتها وبذلك تُسجِّل هاتريك في الملعب العراقي.
جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media