هارد لاك لامريكا.. ومبروك لايران
أنس الشيخ مظهر
لطالما انتقد الرئيس الامريكي الحالي ترامب سياسات سلفه (اوباما) الخاطئة متهما اياه بتسليم العراق الى ايران على اثر قراره ( الخاطيء) انذاك بسحب القوات الامريكية من العراق عام 2011 . لكن ما يشهده العراق حاليا في عهد ترامب يعتبر نكسة جديدة للسياسة الامريكية تفوق نكستها اثناء ادارة اوباما , نتيجة السياسات الخاطئة لهذه الادارة واعتمادها على ساسة ومبعوثين ليسوا بمستوى الحدث تسببوا بتسليم العراق بما فيه الى الجارة ايران .
لا تخفي ايران اهمية الساحة العراقية بالنسبة لها , وتعتبره عمقها الستراتيجي في المنطقة سياسيا واقتصاديا , حيث عملت من خلال هذه الرؤية على مد شبكة تحالفات وعلاقات معقدة مع جميع المكونات والشرائح العراقية حتى مع تلك التي كانت تعاديها سابقا , في ظل سياسة هادئة وواعية ترجمها على ارض الواقع قادة وساسة ميدانيين ايرانيين تفانوا في الدفاع عن مصالح بلادهم سواء اتفقنا معهم ام اختلفنا , مقابل ساسة امريكان ومبعوثين فاشلين , مهوسيين بالزيارات (الطائرة) واجتماعات المكاتب .
وفي خضم التوتر المتصاعد بين الدولتين ( امريكا وايران) اتت الانتخابات العراقية لتضيف الى عوامل الصراع بينهما عاملا اخر , فحاول كل طرف كسب المزيد من النقاط على حساب الاخر في كيفية تشكيل الحكومة والشخوص اللذين سيتولون المناصب السيادية المؤثرة في الدولة . وبعد انقضاء اشهر على تلك الانتخابات ها هي ملامح الحكومة العراقية الجديدة تتوضح لتفصح عن انتصار ايراني جديد على حساب الدور الامريكي المنحسر .
وبعد ان كانت ايران تعتمد على المرشح لمنصب رئاسة الوزراء ( الذي هو حصة المكون الشيعي المقرب لايران) , ها هي تسيطر على جميع المناصب السيادية بدعمها لاشخاص مقربين منها في المكونين الاخرين السني والكوردي . فلاول مرة يفوز بمنصب رئاسة البرلمان ( الذي هو من حصة المكون السني) سياسي سني عربي بمباركة من اطراف سياسية شيعية حليفة لايران , ترجمها في اول تصريح له باعلانه وقوف العراق ضد العقوبات الامريكية على ايران , بينما في الدورات السابقة كان رئيس البرلمان يرشح بدعم من القوى السنية وتوافق مع قوى شيعية وكوردية ثم تحاول ايران كسبه لصفها … نجحت مع بعضهم وفشلت مع اخرين . اما بالنسبة لرئاسة الجمهورية فلا تزال ايران تضغط على الاطراف الكوردستانية لايصال شخصية مقربة لها الى سدة رئاسة الجمهورية ( الذي هو من حصة المكون الكوردي) , ليس فقط من خلال الضغط على الاحزاب الكوردستانية وانما الضغط هذه المرة من داخل الحزب الواحد لضم شخصية هي الاقرب لها وارجاعه الى صفوف هذا الحزب ومن ثم ترشيحه لمنصب الرئاسة .
ان خطا السياسة الامريكية في ظل ادارة ترامب هي انها تعاملت مع الوضع العراقي بعكس ما هو معروف عن سياساتها في مناطق صراع اخرى , فالمعروف عن السياسة الامريكية بشكل عام انها تبني تحالفات متعددة مع فرقاء سياسيين , وتمسك كل حبال التناقضات بيد واحدة لاستخدامها حسب الحاجة , بينما اخطات في العراق باهمالها لجميع حلفائها المحتملين ورهانها على شخصية ضعيفة مثل حيدر العبادي الذي يفتقر لاي عمق سياسي او شعبي , فكان ان نجحت ايران وحلفائها في العراق بتحييده وابعاده عن المنافسة على منصب رئاسة الوزراء بعد احداث البصرة , لتفقد امريكا ورقتها الوحيدة التي كانت تراهن عليها . وهكذا فنحن الان في العراق اماما المشهد السياسي التالي : –
رئاسة وزراء تتراسها احزاب عراقية متحالفة مع ايران .
رئاسة برلمان انبثقت يمباركة احزاب عراقية متحالفة مع ايران .
برلمان تسيطر عليه اغلبية متحالفة مع ايران .
مؤسسة عسكرية وامنية تسيطر عليها مليشيات تعتبر اذرع لايران في المنطقة .
رئاسة جمهورية تؤكد المؤشرات على انها ستكون مقربة من ايران .
واعتمادا على هذه الخريطة فان مجال المناورة الامريكية يبدو معدوما الا في مرشح منصب رئاسة الوزراء والذي يمكن لها ان تحاول بان يكون من الساسة (الاقل) معارضة للسياسة الامريكية وليس كما في السابق عندما كان يترشح وفق شروط امريكية .
على امريكا مواجهة واقع سياسي جديد في العراق لم تشهدها منذ عام 2003 , لا يمكن لها ان تغييره بممارسة سياسة العصا او سياسة الكاوبوي لارجاعه الى بيت الطاعة الامريكي . واذا ما ارادت ادارة ترامب اعادة التوازن لمصالحها مقابل المصالح الايرانية فان عليها اعادة نظر شاملة لسياساتها الخاطئة في العراق , وتغيير معظم الساسة والمبعوثين الامريكان في العراق , ثم ترميم جسور العلاقة التي تهدمت بينها وبين حلفاءها السابقين خاصة اقليم كوردستان التي كادت ان تضحي به من اجل حليفها المهزوم حيدر العبادي بعد عملية الاستفتاء التي اجراها اقليم كوردستان .