هجرة السوريين إلى أوربا (النظريات المفسّرِة، الإندماج المستقبلي)
اعداد: جوان فداء الدين حمو
ماجستير في العلاقات الدولية- عضو جمعية الاقتصاديين الكُرد- سوريا
شهدت سوريا منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية فيها في بدايات شهر آذار من عام 2011 مروراً بتسلح جميع الاطراف وانتشار الإرهاب إلى صيف هذا العام 2015 موجات هجرة جماعية إلى الدول الغربية (ألمانيا، والنمسا، والدول الاسكندنافية)، وقد كان أكبر هجرة صيف 2015 نتيجة ما آلت إليه الأوضاع السورية دون وجود أفق لحل الأزمة السورية.
وقد تميزت هذه الهجرة بأنَّها ذات اشكال عديدة: (هجرة نظامية بموجب قانون الكفالة، وهجرة غير نظامية والتي تسمى بالهجرة غير الشرعية، وهجرة على شكل لم شمل أسري(
-أولاً: النظريات المفسّرِة لظاهرة هجرة السوريين إلى أوربا:
في هذا الصدد توجد عدة نظريات مفسرة لهجرة السوريين إلى أوربا نذكر من أهمها ما يلي:
1– النظرية التقليدية:
تركز هذه النظرية الاقتصادية على أنَّ هجرة السوريين إلى أوربا سيمنح اللاجئ إمكانية الحصول على فرص عمل حقيقية وزيادة متوقعة وفعلية في الدخل الحقيقي، وذلك مقارنة مع انعدام فرص العمل في سوريا وتدني مستوى الدخل الحقيقي، فهناك رغبة جامحة لديه في الهجرة نحو الدولة الأفضل ذات الأجر الأفضل والتحسن في مستوى المعيشة.
2-نظرية الطلب البنيوي في الدول المتقدمة:
يرى الاقتصادي دوجلاس مسي (Massey, 2003) أن سوق العمل في الدول المتقدمة يخلق مطلباً بنيوياً للعمال المهاجرين غير المهرة لمليء الوظائف غير المرغوبة التي لا يقبل عليها العمال الأصليين في الدولة المستهدفة للهجرة غير الشرعية بغض النظر عن حجم الأجور. كما يرى دوجلاس أن اقتصاد ما بعد الصناعة وسع الفجوة بين في الدخول بين وظائف أصحاب الياقات البيضاء والتي تتطلب مستويات عالية من التعليم (رأس المال الاجتماعي) التي يتأهل لها عادة العمال الأصليين والمهاجرين الشرعيين وبين الوظائف الدنيا الغير مرغوبة ولا تتطلب تعليما. وتتضمن هذه الوظائف الدنيا حصاد المحاصيل الزراعية والبناء والتشييد وتنظيف المساكن وأعمال الخدمة في الفنادق والمطاعم حيث تستقطب هذه الوظائف العديد من المهاجرين غير الشرعيين.
وبالتالي جل ما نرى في أوربا أنَّ هناك توسع في العمليات الصناعية والخدمية يوماً بعد يوم وبالتالي فأن حكومات الدول الأوربية على استعداد لامتصاص العمالة المهاجرة لدمجهم والاستفادة من قوة عملهم في هذه السوق. وبالتالي نرى أنَّ الكثير من اللاجئين ومنهم السوريين يعملون في هذه القطاعات (البناء والتشييد، والمقاهي والمطاعم والفنادق، عمال مصانع، …) الخ.
3-نظرية الفقر:
الكل باتَ يعرف أنَّ الأوضاع المعيشية السورية آلت إلى الفقر، فهناك أكثر من عشرة ملايين سوري يرزخون تحت خط الفقر، وحوالي سبعة ملايين في خطر الفقر، وحوالي مليون شخص فقط يتمتعون بالرفاه الاجتماعي.
بالتالي فأنَّ الفقر الذي رافق البطالة في سوريا دفع بالكثير من السوريين بالهجرة واللجوء إلى أوربا حيثُ يمكن دفع الفقر والعمل شيئاً فشيئاً.
4- نظرية لم الشمل الأسري:
ترتكز هذه النظرية على أنَّ جميع المهاجرين السوريين في أوربا اليوم يطمحون العيش مع أقاربهم كالزوج أو الزوجة أو أحد أفراد الأسرة الموجودين في أوربا، حيثُ يتم تقديم تأشيرات لم الشمل الأسري للاجئين السوريين بصورة قانونية. وهي حالات كثيرة جداً يلجأ إليها اللاجئين السوريين في أوربا والحاصلين على إقامات.
طبعاً هذه النظرية غير مكلفة مادياً، حيثُ نرى الكثير من الأشخاص يلجئون إلى الدول الأوربية بطريقة غير شرعية ومن ثم يحاولون لم شمل عائلتهم بطريقة قانونية. هذه النظرية تلقى القبول العام لدى المهاجرين.
5- نظرية الحروب وطلب اللجوء:
الحروب الأهلية والقمع والاضطهاد في البلد الأصلي سبب من اسباب الهجرة. وتتضمن عوامل الطرد غير الاقتصادية الاضطهاد الديني أو العرقي وغيرهما والإيذاء المستمر والبلطجة والاضطهاد والإبادة الجماعية والمخاطر التي قد يتعرض لها المدنيون أثناء الحروب الأهلية. لذلك تضطر بعض الدول إلى تحويل حالة المهاجرين غير الشرعيين إلى حالة طالبي اللجوء وخاصة الهاربون من ويلات الحروب أو الاضطهاد والإبادة الجماعية (Fleming, 2006).
وهذه النظرية تنطبق تماماً على الوضع السوري حيثُ هناك اضطهاد ديني من قِبل تنظيم داعش تجاه المسيحيين واليزيدين، وهناك اضطهاد عرقي من قبل تنظيم داعش وجبهة النصرة تجاه الكُرد، وبلطجة من قِبل مؤيدي النظام، وإبادات جماعية من قبل العديد من الأطراف المتصارعة.
6-نظرية متابعة التحصيل العلمي:
تركز هذه النظرية أنَّ الكثير من اللاجئين من فئة الشباب في أوربا سعوا لللجوء من أجل متابعة تحصيلهم العلمي وإكمال دراساتهم العليا، وذلك في ظل تعرض الكثير من الجامعات السورية للقصف والدمار، واستحالة بعض الطلاب السفر من مناطقهم إلى المدن التي تقبع فيها جامعاتهم.
وبهذا الخصوص نرى أنَّ الكثير من الطلاب السوريين الذين لجئوا إلى أوربا يحاولون ويبذلون جهداً في سبيل تعلم لغة الدولة المستضيفة ومن ثم التسجيل في إحدى جامعاتها.
وهنا لا يمكن التنبؤ بعودة هؤلاء الطلاب أم لا، فهي رهن الظروف التي ستكون عليها سوريا مستقبلاً وعائداً لشخصية الطلاب.
-ثانياً: الاندماج المستقبلي:
يقصد بالاندماج المستقبلي مدى تأقلم السوريين مع البيئة الأوربية المحيطة بهم من عادات وتقاليد وطبيعة العمل والتعلم …الخ.
بالتالي فإنَّ أولى محطات الاندماج المستقبلي لدى السوريين في أوربا هو تعلم لغة بلد اللجوء الذي يقدر بحدود ستة أشهر أساسية، طبعاً مع إمكانية الانتقال للمراحل اللاحقة للغة بالنسبة لطلاب العلم. أما بالنسبة للأطفال فيتم إلحاقهم بالمدارس.
بالإضافة إلى ذلك نرى أنَّ العقد الاجتماعي في الدول الأوربية (الدستور) يكون توافقياً، بحيث تقبل وتقر به كافة الإثنيات والاعراق المتعايشة في البلد المعني، وتتميز دساتيرها نصوصاً واضحة للحقوق الفردية للأشخاص المتواجدين فيها، ويتجاوز ذلك الى نصوص واضحة وصريحة عن حقوق الانسان بشكل عام، كما أنَّها تسمح ضمن تشريعاتها وتتيح الحق لأي كان سواء مواطناً أم من بلد اخر، للجوء إلى محاكمها. كما أنَّ نصوصها تحارب بشكلٍ واضح النزعات الفاشية والنازية والعرقية، وتتعامل مع الجميع من مواطنين وغير مواطنين بمنظور التساوي وتكافؤ الفرص.
وبالتالي فأنَّ اندماج اللاجئين السوريين في أوربا سيكون محل راحة لهم، نظراً لتوفر الجو الديمقراطي، وسواد الحريات بأشكالها المختلفة، بالإضافة إلى امتياز جودة نظام التأمين الاجتماعي فيها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ أكثر الفئات السورية اللاجئة التي سيكون قابلية اندماجها أكثر هي فئة طلاب المدارس نظراً لسرعة تعلمهم ثم طلاب المعاهد والجامعات، ثم فئة العمال، ثم فئة كبار السن.
وهنا بالأخير أنَّ المطلوب من السوريين اللاجئين إلى أوربا التحلي بالعادات والتقاليد المثالية وإظهار صورة حسنة عن المجتمع السوري كي لا نكون محط انتقاد من أي أحد.
البريد الالكتروني:
kak.suri2006@gmail.com
صفحة الفيسبوك:
https://www.facebook.com/Komela.Aborinasen.Kurd.li.Suri2006