هل استراتيجية أوباما الجديدة متكاملة؟
جان كورد
لايزال الغموض يكتنف استراتيجية الإدارة الأمريكية حيال الحرب على إرهاب الدولة الإسلامية. ومما يزيد الأمور غموضاً هو الاختلافات الناجمة عن التصريحات العديدة بصددها من قبل أقطاب الإدارة الأمريكية ذاتها، وفي مقدمتها الرئيس أوباما نفسه ووزير خارجيته جون كيري ووزير الدفاع تشاك هيغ ورئيس الأركان مارتن ديمبسي، واضطرار الإدارة إلى تصحيحات أو تأويلات لتلك التصريحات التي ربما تصاغ هكذا مضطربة أو مختلفة لأسباب تكتيكية، إلا أن غالبية المراقبين والمعارضين والإعلاميين يجدونها أخطاء متتالية ناجمة عن انتهاج استراتيجية منذ بداية الازمة السورية، حيث رفضت الإدارة الأوباماوية السماع لنصائح طاقمها السياسي الخارجي، وفي المقدمة السيد روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة في دمشق، الذي استقال من منصبه لأنه لم يتمكن من اقناع أوباما وحلقته الضيقة من حوله بما هو واقعي وحادث كل يوم على الأرض السورية. والسيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية التي استقالت وراحت تنتقد في كتابٍ لها سياسة رئيسها أوباما حيال سوريا وتنامي الإرهاب فيها.
يطالب الزعيم الجمهوري المعارض جون ماكين الرئيس أوباما ان يكف عن التحايل والتأجيل والتلاعب بالألفاظ، فالقول بأن الدولة الإسلامية ليست خطراً على أمن واستقرار الولايات المتحدة ليس صحيحاً، فها هم إرهابيو هذه الدولة يقطعون رؤوس المواطنين الأمريكيين أمام كاميرات التلفزيون، في حين أن الرئيس يذهب بعد رؤية تلك الصور الفظيعة غير آبهٍ بمشاعر أمهات الضحايا للعب الغولف، وكأن شيئاً لم يحدث. كما يطالب جون ماكين بأن يعمل الرئيس على إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية وليس إضعافها أو احتواؤها.
الرئيس أوباما يتحدث كثيراً عن دور الدول الإقليمية في هذه الحرب، وها هي أقوى دولة إقليمية عسكرياً في المنطقة، تركيا العضو في حلف الناتو، تعلن عن رفضها تقديم المساعدة للولايات المتحدة في حربها هذه، في حين يحاول تنظيم الدولة الإسلامية الاستيلاء على منطقة كوباني الكوردية المتاخمة للحدود التركية، وفي حال نجاح التنظيم الإرهابي في ذلك فإن مقاتليه سيكونون على حدود حلف النيتو مباشرةً، وإن حزب الاتحاد الديموقراطي الذي لايزال مسيطراً على مناطق كوردية في شمال سوريا يتهم تركيا بتقديمها سائر أنواع المساعدات العسكرية لتنظيم الدول الإسلامية، ويقول بعض الإعلاميين بأن المركز الرئيسي لتمويل وامداد التنظيم بالمقاتلين من تركيا لا يقع في منطقة نائية من البلاد، وإنما في حارةٍ من حارات العاصمة أنقره نفسها. فإذا كانت تركيا داعمة أساسية للدولة الإسلامية، وإذا كانت الحكومة التركية “الجديدة” ترفض التعاون مع الولايات المتحدة في هذا المجال وتتذرع بوجود رهائن من مواطنيها في أيادي التنظيم تم أخذهم عنوةَ من قنصليتها أثناء احتلال داعش لمدينة الموصل سابقاً، أفلا يشكل هذا نقطة ضعف هامة في التحالف الدولي الذي تترأسه الإدارة الأمريكية؟
السيد وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري يقول أثناء زيارةٍ له في بغداد بأن لإيران دور هام في الحرب على الدولة الإسلامية، إلا أنه يتجاهل وجود إيران لدى الدعوة إلى اجتماعات “الحلفاء” خارج العراق، والسيد مارتن ديمبسي، قائد القوات العسكرية، بأن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية قد يتطلب إرسال قوات برية إلى ساحات القتال، فيضطر الرئيس أوباما لتصحيح ما قاله ديمبسي بأنه لن يرسل قوات برية أمريكية إلى أي مكان، والمعارضة تسأله عما إذا كانت الطائرات الأمريكية ستقوم بملاحقة الأفراد على الأرض واحداً واحداً للتأكد من أنها قضت على تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على كمياتٍ هائلة من سلاح الجيشين العراقي والسوري وكثيرٍ من الأموال، حيث تمكن بهذه الأسلحة والأموال والأجهزة والعتاد من تسليح أعداد هائلة من أبناء العشائر السنية على طرفي الحدود العراقية – السورية، التي لا يعترف بها التنظيم. ولذا يمكن القول بأن رفض إرسال قوات برية أمريكية يعني عدم تكامل الاستراتيجية لأن قوات البيشمركة الكوردية تستطيع محاربة وملاحقة تنظيم الدولة الإسلامية على امتداد أكثر من ألف كيلو متر من الجبهات داخل العراق، ولكن ليس من مسؤوليتها دخول سوريا للقتال فيها ضد هذا التنظيم في مناطق سهلية جرداء عربية سنية كمحافظتي دير الزور والرقة، فمن سيقوم بذلك؟ الجيش العراقي لا يستطيع حتى الآن حماية المدن العراقية من هجمات الإرهابيين، والجيش السوري الحر في شغلٍ شاغل ضد قوات الأسد وبراميله المتفجرة، وليس هناك “صحوات” عربية قوية في سوريا للتصدي على الأرض لمقاتلي التنظيم الإرهابي الذي يستهدف زعماء العشائر ويعمل على تصفيتهم بلا رحمة مثلما فعل مع إحدى القبائل العربية السنية التي قتل منها أكثر من 700 شخص في مذبحةٍ كبيرة. والإدارة الأمريكية ترفض التعامل على الأرض مع قوات نظام الأسد الذي تراه فاقداً للشرعية، كما ترفض التعامل مع قوات حزب الله اللبناني الذي يعتبر في نظرها إرهابياً، أفلا يشكّل عدم وجود قوات منظمة ومدربة وقوية على الأرض ضعفاً في استراتيجية أوباما؟ فإن تمويل وتسليح الجيش السوري الحر ربما يحدث بسرعة ولكن رفع مستوى أو درجة القتالية للصمود أمام تنظيم الدولة الإسلامية والجيش السوري النظامي معاً ليس بالأمر السهل ويتطلب وقتاً طويلاً، يمكن فيه للتنظيم الإرهابي من توسيع نطاق نفوذه لأن لديه حاضناً إسلامياً سنياً كبيراً في المنطقة، ولولاه لما تمكن من كسب هذه الأعداد الضخمة من المقاتلين والانتحاريين من شتى بلدان العالم.
الرئيس أوباما يشدد على أن معظم العمل سيكون سياسياً ومالياً وأمنياً وفكرياً للقضاء على الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا التنظيم وأشباهه في المنطقة، وكذلك لاقتلاع الجذور الضاربة بعمق في الأرض المسلمة. إلا أن الرئيس أوباما لا يعطي أي جوابٍ مقنع بصدد “اسقاط نظام الأسد” الذي كان أحد المهتمين والداعمين الأوائل لخلق وتقوية هذا التنظيم الإرهابي، بهدف زجه في الوقت الذي يشاء ضد أعدائه، ولتشويه سمعة الثورة السورية، حيث نجح في ذلك نجاحاً باهراً بسبب بطء وتراخي السياسة الأمريكية ومن وراءها في حسم المواقف تجاه هذا النظام، وتجاه حكومة نوري المالكي الفاسدة والفاشلة في العراق، مما أفسح المجال لتنامي قوى المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق معاً على حساب القوى الوطنية الديموقراطية المناضلة من أجل الحرية والديموقراطية وصون حقوق الإنسان. لقد أهملت الإدارة مراراً وتكراراً نداءات المعارضة الوطنية السورية والعراقية، ومن ضمنها القوى الكوردية ودعوتها لبذل جهودٍ أكبر قبل أن تقع الكارثة، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تكن تملك ولا تملك مشروعاً سياسياً شاملاً أو استراتيجية محددة حيال التصرف السياسي اللائق بما يجري في بلاد الرافدين وبلاد الشام معاً، وهذه أيضاً نقطة ضعف هامة في استراتيجية أوباما الهادفة إلى لجم وتعطيل أو القضاء على إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية.
القصف الجوي اليومي، والعمل الدؤوب سنواتٍ طويلة ليغيّر الأئمة المسلمون من تربيتهم للأجيال الصاعدة بهدف اجتثاث الفكر الإرهابي في العالم الإسلامي، وإغلاق صنابير تدفق المال على هذه المنظمات الإرهابية، وتشديد الرقابة الأمنية على الحدود ومنافذ تسلل الإرهابيين إلى المنطقة، وغيرها من الإجراءات والممارسات، ضروري وفي الاتجاه الصحيح للقضاء على أعداء الحرية في المنطقة، إلاّ أن الحل الحقيقي الصحيح هو في وقوف العالم الحر الديموقراطي إلى جانب هذه الشعوب المتعطشة للحرية والمناضلة من أجلها، وهذا ما لا تقوم به الإدارة الأمريكية في ظل رئاسة أوباما، فلماذا لم تتحرك هذه الإدارة إلا بعد تعرّض مواطنيها إلى الذبح؟ لماذا تركت الشعب السوري يعاني طوال هذه السنوات الدامية تحت القصف والتعذيب والتقتيل والخنق بالغازات السامة وتهجير الملايين بعد تدمير مساكنهم وإلحاق أشد أنواع الأذى بهم؟ ولماذا لم تتحرّك الإدارة الأوباماوية لنقل السلطة في العراق من المالكي الذي تصرّف كدكتاتور وكانت سياسته أهم الأسباب لنجاح داعش في الاستيلاء على مساحات واسعة من مناطق السنة في البلاد؟ ولماذا لم يقم أوباما بشيءٍ جاد إلا متأخراً ضد سياسة المالكي الاقصائية تجاه إقليم كوردستان العراق رغم أنها السياسة التي ضربت البنية التحتية للإقليم بقوة وأدت إلى توسيع الشرخ بين مكونات الدولة العراقية؟
قد يقول قائل بأن هذه شؤون عراقية وسورية، أو أنها إقليمية، أوباما غير ملزم بحل مشاكلها، إلا أن المعارضة الأمريكية تقول بصراحة: إن عدم وجود استراتيجية صحيحة ومتكاملة للإدارة الأمريكية حيال مشاكل الشرق الأوسط عامةً وحيال تنامي الإرهاب في المنطقة خاصة يعرّض أمن واستقرار المواطنين الأمريكيين فيها، بل في العالم بأسره للخطر، وبقدر ما تدعم الولايات المتحدة قوى الحرية والديموقراطية في المنطقة يتحسن وضع أمنها واستقرارها بشكل عام ويستطيع مواطنوها التجول خارج بلادهم دون خوفٍ على حياتهم، لذا فإن استراتيجية سياسية شاملة هي المطلوبة اليوم وليس إظهار ردود أفعال قصيرة الأمد ومؤقتة لأحداث دراماتيكية فقط.