آراء

هل بدأت معركة شدّ الحبال بين واشنطن وحزب العمال الكُردستاني ؟

بقلم: علي تمي

الأمريكان يبذلون اليوم مساعٍ حثيثة لإعادة ضبط الفلتان الأمني الحاصل في شرق الفرات، من خلال اللقاء مع العشائر العربية، بالإضافة مع القوى الكُردية السورية الرئيسية، لفرض قواعد جديدة لإدارة هذه المنطقة، بحيث يتشارك في بنيتها وهيكليتها جميع مكوناتها وأطيافها ، كلّ ذلك يأتي بُعيد الانسحاب العسكري من أفغانستان وتسليم هذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي على طبقٍ من ذهب لحركة طالبان، التي كانت يوماً ما رأسُها مطلوباً لدى حيتان البيت الأبيض ، رغم ذلك، الرئيس بايدن يقول بأنه “غير مقتنع بأنّ حركة طالبان تغيّرت منذ ممارساتها الوحشية مطلع الألفية”.

الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ترك الكثير من التساؤلات حول احتمال تكرار السيناريو في سوريا والانسحاب من شرق الفرات أيضاً، التي تحتفظ واشنطن بـ 2000 عنصر من قواتها في هذه المنطقة بهدف محاربة داعش بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية، علماً أنّ “الولايات المتحدة تواجه تهديداً في سوريا أكبر من افغانستان”، بحسب ما قاله الرئيس بايدن منذ فترة ليست ببعيدة لوسائل الإعلام الأمريكية، ومن هنا بدأت واشنطن تُغيّر قواعد اللعبة في سوريا وتحديداً في شرق الفرات حول طريقة التعاطي مع التصعيد القائم في شرق الفرات، وهذا المشروع يصطدم اليوم بالتحركات العسكرية الروسية – التركية والتنسيق الهش فيما بينهم حول هذه المنطقة، وبات واضحاً، بأنّ كل منهما يحضّر لمعركة عضّ الأصابع ضد الآخر وهذا ما بات جلياً بين التصعيد الروسي في ادلب، و يقابله التصعيد التركي في شرق الفرات .

  • ماذا تريد موسكو من حزب العمال الكُردستاني ؟ .

الروس يؤكّدون اليوم وعلى الملأ بأنهم لولا قواتهم المتواجدة في سوريا، لكان هناك الآن تنظيم داعش، أسوأ من حركة طالبان في أفغـانستان، هذا الكلام يقودنا إلى فرضيةٍ أخرى بأنهم ( أي الروس) مصرّون على دفع الأمور نحو المواجهة المحتملة مع واشنطن من خلال أدواتها في شرق الفرات التي تحمي حتى اللحظة منظومة ( القسد ) من التفكك .

بينما أنقرة هي الأخرى صعّدت من لهجتها وتحركاتها العسكرية في شرق الفرات، فطيرانها المسيّر قصف خلال الفترة الأخيرة ثلاثة أهداف لقوات سوريا الديمقراطية والإصابات كانت مباشرة، رغم تنديد ومعارضة قسد لهذا القصف إلا أنّ السؤال الأكبر الذي يدور في أذهان المراقبين حول صمت واشنطن حيال هذا التصعيد، فقد يترك ذلك الكثير من الإشارات والتساؤلات حول احتمالية وجود تفاهم تركي – أمريكي حول شرق الفرات وتبادل الأدوار فيما بينهم .

بينما الإيرانيون بدورهم مشغولون في مناطق مثل درعا وريف دير الزور ويحاولون الوصول إلى أقرب نقطةٍ من الحدود الاسرائيلية، ولهذا السبب قال بايدن إنّ الخطر القادم من سوريا أكبر من افغانستان،

وكان يشير على ما يبدو حول محاولة طهران الوصول الى الحدود الاسرائيلية بالتالي التقرب من مفاعل (الديمونة) النووي أكبر قدر ممكن، لتهديدها من العمق ومحاولة استخدام الفصائل الفلسطينية كورقةٍ إضافية في وجه تل أبيب عن قرب .

  • ماذا يحمل نائب المبعوث الأمريكي في جعبته إلى شرق الفرات؟ .

قبل شهرٍ من الآن ، عاد نائب المبعوث الاميركي (ديفيد براونشتاين) وفريقه الى شرق الفرات بعد غياب دام شهرين، بعد ان تمّ استدعاؤه إلى واشنطن للتشاور والعمل على تغيير قواعد اللعبة في شرق الفرات .

نائب المبعوث الامريكي عرض على أصحاب القرار في واشنطن استقبال وفد موسع من شرق الفرات ( المجلس الوطني الكُردي ، المنظمة الآشورية ، أحزاب ” الوحدة الوطنية”، شخصيتان عشائريتان من العرب في شرق الفرات) لكنّ هذه المبادرة ضربت بعرض الحائط كما حدث مع مبادرة زيارة ( قصر الاليزيه) قبل فترة قصيرة ، برونشتاين فور عودته إلى الحسكة التقى بقيادات المجلس الوطني الكُردي واستمع إلى شكواهم حول سياسات الاتحاد الديمقراطي القمعية بحق كوادره وأنصاره، واتفقا على مواصلة الحوارات خلال الفترة المقبلة وأن تكون بنّاءة وحاسمة .

ما يعيق المشروع الأمريكي في شرق الفرات اليوم هو وجود أكثر من 400 عنصر من كوادر حزب العمال الكُردستاني ممن يحملون جنسيات مختلفة، فيعملون على الدوام لخطف المعارضين لهم واعتقالهم، وبالتالي لإحراج موقف واشنطن أمام الرأي العام، وبعد التفكير والدراسة توصّلت واشنطن إلى قناعة أنّ كوادر حزب العمال الكُردستاني يسيطرون على إدارة شرق الفرات من الألف الى الياء، وينسّقون مع طهران من خلال قياداتهم في (قنديل) ويبدو أنّ صبر واشنطن قد نفد حيال التعاطي مع الملف الشائك والمعقد .

وفور عودة (نائب المبعوث الأمريكي) إلى شرق الفرات، بدأ الطيران المسيّر يطارد كوادر حزب العمال الكُردستاني داخل سوريا في كل زاوية وزقاق، فتمّ استهداف ثلاثة أهداف، والإصابات كانت مباشرة، كلّ ذلك تحت صمت الأمريكي.

ما حمله نائب المبعوث الأمريكي (ديفيد) في جعبته إلى شرق الفرات يمكن استخلاصه بوجود التفاهم مع أنقرة لمطاردة حزب العمال الكُردستاني الذي بات يشكّل عبئاً على مصالح واشنطن، و عامل عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي السماح لأنقرة بالتمدُّد عسكرياً نحو المزيد من المناطق في شرق الفرات في حال لم يرضخ هذا الحزب لمطالب واشنطن حول سحب كوادره من شمال شرق سوريا و (بالتي هي الأحسن).

بحسب المعلومات المتوفرة ، فإنّ واشنطن وأنقرة توصلتا الى تفاهم حول كيفية التعاطي مع ملفات سوريا وافغانستان بشكلٍ عام وشرق الفرات على وجه الخصوص، موسكو بدورها مازالت تعيق تنفيذ تفاهم (أنقرة – واشنطن) لأنها تطالب بجبل الزاوية كرشوة مقابل قبولها لتنفيذ هذا التفاهم على الأرض .

موسكو تطالب اليوم بحصة الأسد في جبل الزاوية مقابل التخلي عن مناطق أخرى في شرق الفرات من بينها (كوباني وعين عيسى) وهذا ما ترفضه أنقرة لأنها ترى أنّ تفاهمها مع واشنطن يشكّل حجر الزاوية لبناء استراتيجيتها البعيدة المدى داخل منطقة شرق الفرات.

الخلاصة:

لا يمكن لواشنطن أن تنتظر أكثر وهي تنظر الى حزب العمال الكُردستاني الذي يحاول المساس بقواعد اللعبة التي فرضتها في شرق الفرات، وتترافق مع ذلك، الرسائل الموجّهة لهذا الحزب من خلال المسيّرات التركية التي تفتك بمواقعهم واحدة تلو أخرى، بينما موسكو ترى نفسها اليوم أنها سيدة سوريا الأولى، وتطالب الجميع بالرضوخ والركوع لها ولأجنداتها، لكنّ لجوء واشنطن إلى تشكيل جيشٍ للعشائر السورية في شرق البلاد لحماية الحدود السورية العراقية و لمنع طهران وردعها من التغلغل في هذه المنطقة ما هو إلا للتحضير لطبخةٍ أخرى لموسكو و على نار هادئة، بعد ان استغنت عن افغانستان لتتفرّغ لهذه الساحة، و طهران هي الأخرى تتقدّم يوماً بعد يومٍ نحو الحدود الإسرائيلية من خلال ميليشياتها ، واللعب بورقة حزب العمال الكُردستاني في وجه واشنطن ما هو إلا لعب بالنار، لأنّ الطيران التركي والإسرائيلي يقومان بأدوار بين شرق وجنوب سوريا تحت الصافرة الامريكية، بالتالي استغناء واشنطن عن كابول لصالح حركة طالبان ما هي إلا صافرة البداية لفتح مواجهة مفتوحة مع موسكو التي تتغلغل قواتها ليل نهار قرب قواعد الناتو النووية داخل تركيا، وبناءً على كلّ ماورد ، يتعيّن على قسد أن تحدّدَ موقعها الجيوسياسي ولأنّ عامل الوقت ليس لصالحها ، وإلا فإنّ الكارثة آتية لا محال، وستجرُّ الكثير من الأطراف على طريقها ، لأنّ كلمة الحسم داخل سوريا في الختام ستكون لأنقرة وتل أبيب وتحت مظلة واشنطن التي توزّع الأدوار للاعبين داخل هذا الملعب وفق امكانات وقدرات كلّ طرفٍ معني بالصراع القائم في الشرق الاوسط على سوريا.

جريدة يكيتي العدد 290

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى