من الصحافة العالمية

هل تفوز لوبن أيضاً وتسود حقبة من التقوقع العالمي؟

فاديا فهد
بعد فوز دونالد ترامب، المتموّل المجنون الذي قاد انقلاباً أبيض على «الإستبلشمنت» الأميركي وأسياد القرار المالي والاقتصادي وصنّاع الرأي العام في العالم، برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، تتوجّه الأنظار الى انتخابات الرئاسة الفرنسية واحتمال أن يشجّع هذا الفوز على انتخاب مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرّف.
وقد كان دونالد ترامب السبّاق عالمياً في قيادة ثورة «الفلاحين البيض» الذين لا صوت لهم، ضد النخبة الحاكمة والمستبدّة بالقرار الأميركي والعالمي. وبدا فوزه في الانتخابات الرئاسية الأميركية انقلاباً أبيض على التحالفات السياسية واستطلاعات الرأي وتوقّعات الكتّاب والصحافيين، وحتى المنجّمين، والتي لم تؤثّر في إصراره على تحقيق التغيير، متأبّطاً خوف الناس من نظام لا يعيرهم انتباهه، ويستخفّ برعبهم المتصاعد من المهاجرين الأفارقة واللاتين والمسلمين، والضرر الذي ألحقه بمصالحهم النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
في فرنسا، تلاقي مخاوف مؤيدي لوبن، مخاوف الأميركيين البيض. وتدعو لوبن إلى ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وإمهال الذين لا يجدون عملاً منهم ثلاثة أشهر لإيجاد وظيفة أو الرحيل. وتطرح فكرة الأولويّة الوطنية «للفرنسيين الأصليين»، في ما يتعلّق بالمساعدات الاجتماعية والسكن والعمل والطبابة، في حال كانت الكفاءة متساوية. وتعترض على اقتصاد التبادل الحرّ، وتقترح حماية للاقتصاد الوطني، داعية إلى الخروج التدريجي من منطقة اليورو والعودة الى الفرنك الفرنسي.
في ما يتعلّق بالمسلمين الفرنسيين، وعلى غرار ترامب، تعد مارين لوبن بتجميد كلّ مشاريع بناء المساجد حتى التحقّق من مصادر تمويلها، ومنع الحجاب في الأماكن العامّة.
وما يخيف اليمينيين المعتدلين واليساريين على حدّ سواء، هو الانغلاق الفكري والاجتماعي الذي يسيطر على عقلية أتباع لوبن. وتروي صديقة فرنسية مثقّفة أن جارها اليميني المتطرّف يملك سلاحاً مرخّصاً يقول إنه سيستخدمه في حال هاجمه مهاجر متطرّف أو مسلم داعشي. وهو سائق تاكسي يرفض رفضاً قاطعاً أن يقلّ فرنسيين من جذور عربية أو أفريقية ملوّنة.
ولا شكّ في أن الاعتداءات الأخيرة التي شهدتها فرنسا وأودت بحياة عشرات الأبرياء، أضعفت الأحزاب اليمينية واليسارية على حدّ سواء، وجعلت شعاراتها ومبادئها وانفتاحها على الآخر موضع انتقاد، وزادت في شعبية لوبن، على أساس أن التطرّف «لا يُواجه إلا بالتطرف».
وقد أظهرت الانتخابات الإقليمية الأخيرة قوّة لوبن المتصاعدة في صناديق الاقتراع، الأمر الذي طرح تساؤلات حول مخاطر تحوّل حزبها «الجبهة الوطنية» من حزب هامشي إلى قوّة سياسية ضاربة قوّضت ثنائية المشهد السياسي الفرنسي بقطبيه التقليديين، الاشتراكي واليميني، فوجدا نفسيهما ملزمين بتحالف يؤمّن وصول مرشحين متّفق عليهما، وخسارة لوبن وحزبها في الدورة الثانية.
فهل يتكرّر الأمر ويوحّد الحزبين جهودهما في الانتخابات الرئاسية المقبلة لتقويض فرص وصول لوبن إلى الإليزيه؟ توقعات مراكز الإحصاءات، إن لم تخطئ هذه المرة أيضاً، أن تفوز لوبن بالجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية المقبلة، على أن تخسر إذا خاضت جولة الإعادة أمام أيّ منافس بعد توحّد الناخبين المعارضين لها من الحزبين.
بين ترامب ولوبن نقاط عدّة مشتركة تثير مخاوف وسائل إعلامية ومراكز دراســات أميركية وأوروبية، خصوصاً لجهة امتداد موجة التطرّف والتقوقع العالمي على الذات والركون الى قادة قوميين أشداء، على غرار فلاديمــير بوتـــين. لم يعد الــعالم قريــة عالمية واحدة، كما قيل لنا في التسعينات وبداية القرن الحالي. العودة الى القوميات تزيد في التفرقة وترسم حدوداً جديدة ضيّقة للعالم.
أول الغيث كان فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية. رجل الأعمال المغامر الذي واجه ستّ حالات إفلاس منذ العام ١٩٨٩، رئيساً لأقوى دولة في العالم، عسى ألا يقودها إلى إفلاس اقتصادي وسياسي ودبلوماسي… وخصوصاً إنساني.
الحيــاة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى