آراء

هل تمنع الشريعة من تولي النساء المناصب العامة؟

ٱسماء كفتارو
لعلّ من أكثر الممارسات تمييزاً ضد المرأة هي الممارسات التي تدعو إلى وضع القيود على المرأة كونها ناقصة الأهلية وناقصة الإدراك، وفي هذا السياق يقوم المتشددون عادةً بالاستدلال بحديثٍ مشهور روي عن النبي الكريم: ما رأيت من ناقصات عقل ودين مثلكن أخلب للب الرجل الحازم منكن!!
والواقع أنّ هذا الحديث معارض للأصول الإسلامية الكبرى في المساواة الإنسانية التي دلّت عليها النصوص، وهو ما سيشـرحه هذا المقال، وقد حكم بشذوذه عدد من الرواة، كما تمّ تأويله بتعليل لطيف قدّمه عدد من الرواة والفقهاء وهو أنّ هذا الحديث ورد في معرض الملاطفة والممازحة للنساء، فأشار إلى قوة المرأة وهيمنتها على الرغم من أنها تبدو ضعيفة في القوة والطاقة، ولكن هل يُعتبر هذا الحديث كافياً لمنع المرأة من تولّي المناصب العامة بحجة ضعفها وقصورها؟ وهل يجب تقييد أهليتها بحيث تحتاج إلى رعاية الرجل في تدبير شؤونها؟

ونشير هنا أنّ المقصود بالأهلية هي الحقوق المدنية من تملك وحق تصـرف بالممتلكات من بيع وإيجار وهبة وتبرع، وكذا إنفاذ للعقود ومباشرتها وغير ذلك، وكذلك حق المرأة في تولي المناصب العامة.

وقد أكّد الإسلام حق المرأة في التملك والبيع والشـراء والاتجار، وأنشأ لها ذمة مالية كاملة، ونذكر هنا السيدة الطاهرة خديجة بنت خويلد التي كانت أول قلب اطمأنّ بالإسلام ، والتي كان لها تجارة عظيمة تعادل نصف تجارة قريش، وهي التي خطيت بقلب المصطفى وصارت أول أم للمؤمنين في الإسلام.

وفي تقرير هذه الحقيقة جاء القرآن الكريم موضحاً استقلال الذمة المالية للمرأة:

{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن] (النساء: من الآية32)

وأكّدت الآيات أنّ استقلال الذمة المالية للمرأة موصول لما بعد الموت، وينتقل إلى الوارثين وفق ما رسمه الشـرع في الأصول العامة للميراث، وليس وفقاً لإرادة الزوج أو الولي:
{للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيباً مفروضاً} (النساء:7)

وعندما يقع الطلاق ،فقد أكّد القرآن أنّ البيت حق المرأة فقال: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة (الطلاق: 1) فنص أنّ ملكية البيت للمراة وأنها تستحقّ الإقامة فيه ولا يمكن إخراجها منه.

وتستطيع المرأة جمع المال وفق السبل المشـروعة في الإسلام ومنها: تملك المباحات، إجراء العقود المالية، الاستثمار، الميراث، الهبات، وما في حكمها من الصدقات، وهي بعض المصادر المشروعة للتملك للرجل والمرأة دون أي تفريق.

ولا تتوقّف الأهلية التي منحها الإسلام للمرأة عند حدود التملك ، بل تتجاوزه لتشمل كلّ أشكال الأهلية المعتبرة، ومنها الأهلية الحقوقية والاجتهادية والسياسية، ولعلّ أوضح الأمثلة على ذلك ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو أقرّه ورضيه من عمل الصحابيات الكرام، وعلى سبيل الاستئناس نورد هنا موقفه من ممارسة المرأة نشاطاً سياسياً مباشراً، ومنح الجوار لبعض أبرز المعارضين السياسيين، وذلك في القصة المشهورة لأم هانئ فاختة بنت أبي طالب حين أجارت اثنين من المشركين يوم الفتح فهمّ علي بن أبي طالب بقتلهما، فهرعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله ألم ترَ ما لقيت من بن أبي… (أي من أخيها علي بن أبي طالب) أجرت حمايين لي من المشركين، فأراد أن يقتلهما ، فقال: ليس له ذلك، قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت. (رواه النسائي)

وفي نص القرآن الكريم بيان صريح لاستكمال أهلية المرأة واشتراكها مع الرجل في تبادل الولاية، وهو قوله تعالى:
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ويطيعون اللّه ورسوله أولئك سيرحمهم اللّه إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ} (التوبة:71)

فقد قرّرت هذه الآية ما يسمّى بالولاية المتبادلة بين الرجل والمرأة في سائر شؤون الحياة ولا يتحقّق ذلك إلا بتكامل الأهلية في كلٍّ منهما.

إنّ هذه الأدلة غيضٌ من فيضٍ في بيان كمال أهلية المرأة في الإسلام لتولي أعلى المناصب، وقد أذن الإمام أبو حنيفة للمرأة تولي مناصب القضاء إلا في الدماء، أما الإمام الكبرى فقد أجاز للمرأة تولي كلّ المناصب في القضاء والإدارة، أما الأئمة ابن جزم والقرطبي وابن حجر فقد ذهبوا أنّ المرأة تبلغ رتبة النبوة، كما هو الحال في مريم أم عمران ويوحانذ أم موسى، ولا شكّ أنّ رتبة النبوة هي أعلى الرتب وأسماها، ومن كانت تستحقّ رتبة النبوة فهي لا تصد عن رتبة دونها أبداً.

أرجو أن تكون الإشارات القرآنية التي قدّمتها وخيارات الفقهاء كافية لتأكيد مكانة المرأة وحقها في تولي كلّ منصب تثبت فيه كفاءتها وقدرتها، وهو المقصود بقول الله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 329

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى