أخبار - سوريا

هل ستدفع روسيا ثمن تجاهلها لداعش غرب الفرات؟

د. عماد بوظو

في الثالث من شهر فبراير الحالي أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن سقوط 19 قتيلا للنظام السوري في هجوم لداعش في البادية شرقي حماة، وفي الثامن من الشهر نفسه أعلن نفس المصدر عن سقوط 26 قتيلا للنظام في هجوم آخر في بادية الميادين، وقدّر المرصد أن التنظيم “قتل 780 عنصرا للنظام والميليشيات الموالية له خلال عام 2020 لأنه يكاد لا يمر يوم دون تفجير أو كمين أو استهداف أو هجوم خاطف لداعش في البادية السورية”، كان أكبرها كمين لحافلات تقلّ عسكريين في نهاية العام الماضي أدّت إلى مقتل 39 منهم.

ولم تقتصر هجمات داعش على قوات النظام السوري وميليشياته بل شملت أيضا الروس ففي شهر أغسطس 2020 اعترفت روسيا التي تتكتّم عادة لأسباب داخلية على خسائرها في سوريا بمقتل نائب كبير المستشارين الجنرال فيتشسلاف غلادكيغ شرق مدينة السخنة، مما رفع عدد الجنرالات الذين قتلوا في سوريا إلى أربعة وهو نفس عدد الجنرالات الذين خسرتهم موسكو في حرب أفغانستان التي استمرت عشرة أعوام حسب صحيفة كومسومولسكايا برافدا.

ومع ازدياد عمليات داعش واتساع رقعتها بدأ الإعلام بالحديث عن عودة قوية للتنظيم، دون أن يذكر أحد أن سبب ذلك أنه لم يسبق لأي طرف أن هاجم بشكل جدي مراكز داعش في المنطقة الممتدة من جبل أبو رجمين شمالي تدمر والذي يعتبر العاصمة الحالية للتنظيم إلى جبل بشري شمال شرق بلدة السخنة حتى حدود الرصافة شمالا، وهي منطقة واسعة مساحتها أربعة آلاف كيلومتر مربع أي ما يعادل أربعين في المائة من مساحة لبنان تحتوي على سلسلة كبيرة من المغارات والجبال والأودية والتضاريس الصعبة، لأن وقوع هذه المناطق غرب الفرات يجعلها حسب التفاهمات الروسية الأميركية من اختصاص الروس، وليس من الوارد أن يتحمل الأمريكيون التكاليف البشرية والمادية للقضاء على التنظيم فيها لكي يقوموا بتسليمها للروس.

خصوصا لأنه عندما أتيحت لروسيا الفرصة للقضاء على داعش في تلك المنطقة في آذار 2019 عندما كان هذا التنظيم في حالة انهيار بعد هزيمته وإنهاء وجوده العسكري في آخر جيوبه في الباغوز شرق الفرات، اختار الروس عدم القيام بشيء لاعتقادهم أن تنظيم داعش لا يشكل تهديدا وجوديا للنظام السوري أو لشرعيته الدولية لأنه مهما كبر حجمه فهو في النهاية عصابة إرهابية حسب التصنيف العالمي، بل أن وجوده قد يدفع أطرافا خارجية للتعاون مع النظام السوري لمواجهته مما قد يعطيه بعض الشرعية كشريك في محاربة الإرهاب.

وكان التركيز الروسي على ما تبقى من جيوب للمعارضة السورية، رغم أن الأولوية الروسية الحقيقية اليوم وغدا هي التخلص من الوجود الأميركي شرق الفرات وفي منطقة التنف والتي تجعل روسيا المسؤولة الوحيدة عن الوضع السوري، ومارست في سبيل ذلك ضغوطا كبيرة على إدارة الرئيس ترامب الذي أصدر مرتين أوامر بالانسحاب من سوريا ولكن البنتاغون لم يستجب له وأقنعه بضرورة الإبقاء على تواجد عسكري أميركي محدود هناك.

وكنتيجة مباشرة لهذا التجاهل الروسي وصلت اليوم أعداد عناصر داعش غرب الفرات إلى بضعة آلاف حسب التقديرات الغربية، مسلحين بأسلحة متوسطة وخفيفة ويعتمدون على تكتيكات حرب العصابات دون التمسك بخطوط أو جبهات عسكرية ثابتة، وبما أن المنطقة التي يتحصنون فيها كبيرة المساحة وشبه خالية من السكان فإن الأساليب الروسية التقليدية مثل القصف الجوي والمدفعي المكثّف والأعمى وحصار المناطق وتجويعها لن تجدي نفعا في محاربة التنظيم.

كما شكّلت هذه المنطقة قاعدة انطلاق لداعش للقيام بهجمات على كامل البادية السورية من نهر الفرات حتى أرياف السويداء ودمشق وحمص وحماه بمساحة تبلغ 80 ألف كلم مربع تحتوي على جزء رئيسي من الاستثمارات التي تحاول روسيا من خلالها استرداد جزء بسيط مما أنفقته في سوريا، مثل حقول الشاعر وأراك وحيّان والهيل للنفط والغاز، ومكامن خنيفيس والشرقية للفوسفات، ومعمل إيبلا للغاز، وقامت داعش فعلا باستهداف هذه المنشآت وخطوط نقل منتجاتها عدة مرات مما ألحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد السوري وبالشركات الروسية.

ولمحاولة الرد على تصعيد داعش الأخير شنت الطائرات الروسية في أول عشرة أيام من شهر فبراير الحالي 700 غارة على تلك المنطقة ورغم أنه من المألوف أن تستخدم روسيا في غاراتها قنابل عنقودية تحتوي على مادة الثيراميت الحارقة، لكن من غير المتوقع أن يكون لهذه الغارات نتائج ذات قيمة إذا لم تترافق مع هجوم برّي، ولكن مثل هذا الهجوم يتطلب آلاف الجنود ولا تتوفر لدى النظام السوري حاليا هذه الأعداد، كما أن القيام بعملية بهذا الحجم يعني أن ما يتم الترويج له إعلاميا بأن الحرب في سوريا قد انتهت وأن مرحلة الاستقرار وإعادة الإعمار قد بدأت غير صحيح.

كما أن الاعتماد على الميليشيات الإيرانية للقيام بهذه المهمة ليس بهذه السهولة إذ رغم أن الإيرانيين نجحوا بتجنيد الكثير من أبناء العشائر المحلية في ميليشياتها مقابل رواتب شهرية وسلّات غذائية ولكن من الصعب أن يكون لدى هؤلاء الولاء أو الحماس للمخاطرة بحياتهم في معركة صعبة مقابل عائد مادي، كما أن إدخال أعداد كبيرة من الحشد الشعبي العراقي إلى سوريا يحتاج إلى توافق دولي وإقليمي وقد يعرّضهم للاستهداف من قبل الطائرات الإسرائيلية وربما لمعرفة الموقف الإسرائيلي من هذا الخيار اتصل بوتين بنتانياهو في الثامن من شهر فبراير الحالي.

وللتغطية على الفشل في مواجهة داعش ولتبرير حجم الخسائر الكبير، يروّج الإعلام الروسي والإيراني إلى أن داعش موجود في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الأميركية حيث يتلقى الحماية والتدريب ثم ينطلق إلى مهاجمة قوات النظام، وإذا وجدت هذه البروباغندا من يصدقها في أوساط المحور الإيراني المولع بنظرية المؤامرة فإنه لا يوجد من يصدقها في المراكز الدولية الرصينة، لأن كل الوقائع تقول إن القوة الرئيسية للتنظيم موجودة حاليا غرب الفرات.

واليوم مع اقتراب الثورة السورية من إنهاء عامها العاشر واقتراب التدخل العسكري الروسي من إنهاء خمس سنوات ونصف دون أن يبدو في الأفق أي مؤشر على قرب انتهاء هذه الكارثة الإنسانية، يأتي داعش ليضيف تحديا إضافيا أمام الروس، فالمؤشرات تقول أن عملياته ستتواصل وتشتد قوتها مما سيضعهم أمام خيارات صعبة، فالاستمرار في تجاهل التنظيم لم يعد مقبولا ويرتفع ثمنه يوما بعد يوم، والقيام بحملة عسكرية واسعة للسيطرة على هذه المنطقة غير متاح ضمن المعطيات الحالية كما أنه غير مضمون النتائج، والتعاون الدولي مع الروس لمكافحة التنظيم مستبعد دون تحقيق تقدم في الحل السياسي الذي يبدو بعيدا حتى الآن، أي أن المأزق الروسي في سوريا سيستمر ويزداد تعقيدا دون وجود مخرج على المدى القريب.

الحرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى