هل سيضطلع ترامب بدور ويلسون أمريكا الجديد..؟
شلال كدو
لقد أحدث فوز الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخامس من الشهر الجاري تسونامي كبير شمل معظم أنحاء العالم، إذ يتأهّب العمالقة الكبار كالاتحاد الأوربي والحلف الأطلسي والصين وروسيا وكذلك دول إقليمية مهمة مثل تركيا وايران والدول العربية وغيرهما للتعاطي مع عهده الجديد، الذي ينتظر أن يكون بدايةً لحقبة جديدة تنعكس على أنحاء مختلفة من العالم، ولاسيما منطقة الشرق الأوسط المضطربة. فالرجل حصل على تفويض واسع من الشعب الأمريكي يؤهّله ليجعل من المرحلة المقبلة ترامبية بأمتياز شديد، على حساب الهزيمة المدوية للمدرسة الأوبامية، التي يبدو وكأنها في طريقها إلى الزوال، لتصبح جزءاً بائساً من التاريخ.
ورغم أنّ المدة الزمنية الفاصلة بين عهدي ويلسون وترامب تمتدّ لأكثر من قرن من الزمن، إلا أنّ ظروف العالم تتشابه في هذه الحقبة وتلك، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه من جديد، فقد كانت البشرية تخوض غمار الحرب العالمية الأولى في عهد ويلسون، التي شكلت واحدة من أكثر الحروب تدميراً في التاريخ الحديث، حيث أنها شهدت تفكك الإمبراطوريات الألمانية والروسية والنمساوية والعثمانية..، فضلاً عن إنشاء عدد من الدول الجديدة في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، ناهيك عن إصدار بريطانيا لوعد بلفور، الذي أدّى في النهاية إلى تأسيس دولة اسرائيل الحالية.
هذه التداعيات وغيرها من النتائج الكارثية للحرب، أدّت بالرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، إلى إلقاء خطابه الشهير أمام الكونغرس الأمريكي في 8 يناير 1918 الذي تضمّن مبادئه الأربعة عشرة الشهيرة، المعروفة ب (مبادئ ويلسون)، والتي هدفت آنذاك إلى إعادة الأمن و السلم إلى دول العالم المتضرّرة من الحرب، ومنح الأمم والشعوب المقهورة حقها في تقرير مصيرها، بعد أن تحوّلت عدد من الامبراطوريات، بينها السالفة الذكر إلى أثر عين.
أما الآن، وفي باكورة عهد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، فإنّ العالم يخوض ما يشبه الحرب العالمية الثالثة منذ سنوات، بفضل تعّمد إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية تبني استراتيجيات ضبابية كانت متبعة منذ عهد الرئيس الأسبق باراك اوباما والتي كانت تهدف إلى إحداث ما سُمي بالفوضى الخلّاقة في أنحاء مختلفة من العالم، وبالتالي إشعال نار حروب مدمرة بدءاً من أوكرانيا و روسيا، ومروراً بدول الشرق الأوسط، التي تشهد حروباً طاحنة معظمها داخلية، هدفها تصفية حسابات الآخرين على أراضي تلك الدول بمباركة أمريكية، كما يجري الآن في سوريا ولبنان وفلسطين وليبيا وغيرها.
من هنا لا يستبعد كثيرون، بأنّ الرئيس الأمريكي المنتخب، ربما يعكف في المئة الأولى من ولايته الجديدة، على إعداد خطة أو جملة مبادئ، قد تشبه بعضاً منها مبادئ ويلسون، بهدف إنهاء الحروب المستعرة والأزمات المستفحلة في العالم كالحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، إضافةً إلى الأزمة السورية المستمرة منذ ثلاث عشرة سنة، فضلاً عن الحروب الطاحنة في السودان واليمن وليبيا، وكذلك بهدف حلّ قضايا بعض الشعوب العادلة، بينها بطبيعة الحال الشعبين الفلسطيني والكُردي، اللذين ذاقا الأمرّّين في القرن المنصرم إلى هذا اللحظة.
وفي هذا السياق، فأنه من البديهي أنّ إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب في ولايته الثانية، سوف تختلف كثيراً عن ولايته الأولى، التي اتسمت قراراتها بعنصر المفاجأة، وردّات الفعل السريعة والغاضبة، إضاقةً إلى القرارات الارتجالية غير المدروسة في أحيان كثيرة، كون الرجل استفاد كثيراً من عديد التجارب السياسية في السنوات الأخيرة التي فصلت بين ولايتيه. وهنالك من يرى، بأنه سوف يسعى إلى تنفيذ معظم وعوده الانتخابية، التي تطابق إلى حد كبير مبادئ الرئيس ويلسون، كوعوده بانتهاء معظم النزاعات القديمة والجديدة حول العالم، والتي أوصلت البشرية إلى شفا حرب عالمية ثالثة، وبالتالي هنالك من يتساءل، هل سيكون ترامب ويلسون أمريكا القرن الحادي والعشرين؟.
*سكرتير حزب اليسار الديمقراطي الكُردي في سوريا
وممثل المجلس الوطني الكُردي في الائتلاف الوطني السوري.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “326”