هل يؤدّي انهيار العملة إلى انهيار النظام…؟
هيئة تحرير جريدة يكيتي
يتداول خبراء اقتصاديون، منذ فترة، الواقع الاقتصادي السوري وانهيار العملة السورية بشكلٍ متسارع، منذ بداية هذا العام، وحتى هذه اللحظة ولا يوجد في الأفق ما يوقف هذا التدهور، ويربطه الخبراء الاقتصاديون بجملةٍ من العوامل منها :
– وقف الدعم الإيراني المباشر لخزينة الدولة من العملة الصعبة، وذلك بسبب ماتتعرّض له إيران أيضاً من عقوباتٍ قاسية بشأن وقف ضخّ النفط الإيراني إلى العالم الخارجي بشكلٍ شبه كامل، مما انعكس جلياً على الاقتصاد الإيراني، وتدهور عملتها وعدم قدرتها على توفير الدولار التصديري لنفسها، وانعكس على دعمها لحليفها الإستراتيجي (النظام السوري ).
وعليه فإنّ إيران نفسها أضحت على شفا حفير هاوية اقتصادياً في المستقبل القريب.
– الضغط الروسي على النظام بدفع استحقاقاته من الديون المتراكمة عليه والتي تقدّر بمليارات الدولارات ثمناً لشراء الأسلحة التي استخدمها الروس وإيران والنظام في قمع ثورة الشعب السوري على مدى عشر سنواتٍ منصرمة، خاصةً وأنّ روسيا بدت هي الأخرى تعاني من أزمةٍ كبيرة بسبب الانخفاض المذهل لأسعار النفط، إضافةً إلى بعض العقوبات المفروضة عليها امريكياً وأوربياً على خلفية أزمة اوكرانيا وغيرها. الأمر الذي أدّى إلى انخفاضٍ واضح لسعر العملة الإيرانية- الريال – أمام الدولار وانخفاض سيولة العملات الصعبة في بنوكها.
– الأزمة اللبنانية وتأثيرها المباشر على الواقع الإقتصادي السوري بسبب قطع شريان التغذية من الدولار من البنوك اللبنانية ،خاصةً وأنّ كثيرين من أقطاب النظام الإقتصادي كانوا يستثمرون عائداتهم من العملة الصعبة في البنوك اللبنانية، تهرّباً من العقوبات الإقتصادية والتفافاً ذكياً على العقوبات الدولية على النظام.
-إغلاق المعابر النفطية الداخلية من قبل أمريكا على النظام، مما دفع والحالة هذه بالنظام إلى استيراد النفط بدلاً من تصديرها سابقاً. وعدم قدرة إيران على تغطية هذا النقص بسبب العقوبات على النفط الإيراني، كما ذكرنا سابقا.
-قانون،، قيصر،، الأمريكي بشأن العقوبات على النظام والذي سيطبّق في أوائل شهر حزيران القادم ، وهذا ما دفع ويدفع بكثيرين من رموز النظام الإقتصادي للققز من سفينة النظام خوفاً من أن تطالهم العقوبات الأمريكية الحتمية، لذلك قاموا، ويقومون، بوقف أعمالهم التجارية وتهريب أموالهم للخارج، يقيناً منهم بأنهم أصبحوا غير قادرين على حمل تركة النظام الثقيلة دولياً.
لكلّ هذه العوامل مجتمعةً، لم تعد هناك غرابة لدى التدهور الكبير للعملة السورية وخلق صراع حاد بين قطبي النظام، في العائلة الحاكمة، التوأمين (آل الاسد، آل المخلوف ) ووصوله إلى مرحلة اللاعودة، حيث بادر آل الأسد بمصادرة كلّ ممتلكات آل مخلوف، ما قد يترتّب على هذا الصراع من تصدّعٍ داخل الحاضنة الصلبة من الطائفة العلوية، ذات الأغلبية المناصرة للنظام بقوةٍ منذ بداية الثورة السورية وحتى اليوم، عدا عن أنّ هذا الانهيار سيؤدّي بالموالين للنظام، ككلٍّ ، إلى وضعٍ معيشي يصعب عليهم استمرارية الحياة المعيشة اليومية، خاصةً إذا قارنّا رواتب الموظفين قبل الثورة والتي كانت تقدّر ما بين 400 – 700 دولار شهرياً (سعر الدولار حينها 46ليرة سورية)
واليوم تقدّر وسطياً مابين 50- 40 دولار (سعر الدولار 1800 ل.س ومرشح للزيادة).
عدا ضرب وتدمير القطاع الزراعي بالكامل خاصةً بالنسبة للمحاصيل الإستراتيجية (القمح والشعير ) ذلك بسبب الفروقات الكبيرة بين التكاليف وأسعار المردود ، مما سيدفع والحالة هذه إما إلى ترك الفلاح للأرض والهجرة نحو المجهول أو التحوّل عن زراعة هذا المحصول الإستراتيجي والذي سيتسبّب بمزيدٍ من التدهور الاقتصادي، وقد يؤدّى إلى مجاعة حقيقية، في ظلّ عدم قدرة النظام على تغطية النقص الحاصل من الأسواق العالمية، نظراً لعدم توفر العملة الصعبة والعقوبات الإقتصادية المفروضة عليه.
وإزاء هذه اللوحة التراجيدية، الحزينة، للواقع الإقتصادي السوري، لا مناص للنظام من مواجهة أحد احتمالين و هما :
– إما القبول بالتسوية السياسية وفق القرارات الدولية دون تردد، ودون مراوغة، والقبول بالحلّ الدولي للأزمة، مهما كان ثقيلاً، لإنقاذ نفسه جزئياً والشعب السوري عموماً.
– أو الاستمرار في التجاهل والتحدّي للمجتمع الدولي والشعب، وفي هذه الحالة عليه أن يتوقّع ثورةً ثانية، وهذه المرة من قبل الموالين للنظام والتي ستسمّى حتماً ب(ثورة الجياع).
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “274”