آراء

هل يُعتبر هجوم أيران على إسرائيل بداية لمرحلة جديدة أم أنه فقط لحفظ ماء الوجه؟؟

جوان ولي

في 1 أبريل 2024، دمّرت إسرائيل المبنى الملحق بالقنصلية الإيرانية، المجاور للسفارة الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل كامل هرم القيادة المسؤولة عن أنشطة الحرس الثوري الإيراني في سوريا و لبنان، من بينهم قائد كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، العميد محمد رضا زاهدي و ضباط آخرين في الحرس الثوري الإيراني.

الضربة لم تكن عادية و كانت بمثابة خطوة باتجاه تغيير قواعد الاشتباك مع إيران.

بعد حوالي أسبوعين على الهجوم بدأت إيران بشنّ أول هجوم عسكري مباشر في تاريخها على إسرائيل يوم 13 أبريل 2024، ويُعتبر هذا الهجوم أكبر هجومٍ بطائرات مسيّرة.

الظروف التي تمّ خلالها هذا الهجوم و التصريحات المرافقة لها ميّعت العملية و أفقدتها أهميتها، حيث أنها أصبحت صريحة وواضحة ، وافتقدت إلى عنصر المفاجأة، الذي تتسم بها عادة هكذا هجمات، و كأنه أمرٌ كانت إيران مجبرة على القيام به بصورةٍ شكلية، و أظهرت نفسها و كأنها تتوسّل إلى الطرف الآخر و هو إسرائيل ألا يفهم تصرفها كهجومٍ حقيقي ، وصرّحت أنها لا تريد التصعيد.

عادةً تكون الهجمات من خلال المسيرات بشكلٍ سري، و لكن في هجوم ايران كان كلّ شيء متابع على القنوات و بشكلٍ علني، و ما كان من الممكن أن يحقّق هذا الهجوم أكثر مما حصل.

صرّحت إيران بعد العملية أنها تكتفي بما حصل، و الظاهر أنّ الهجوم الإيراني كان فقط لحفظ ماء الوجه و ليس كردٍّ حقيقي يهدف إلى إلحاق ضرر مباشر بإسرائيل.

الغالبية العظمى من الصواريخ و الطائرات المسيّرة تمّ إسقاطها قبل دخولها الأراضي الإسرائيلية، و لم تحقّق أهدافها، فقط أصيبت فتاة واحدة بجروح بسيطة!!!!!

الضرر الأساسي هو أنّ الهجوم تسبّب لإسرائيل، حسب معلومات إعلامية، عن خسارة حوالي مليار دولار تكلفة صدّ هذا الهجوم.

جدير بالذكر أنّ الدعم الغربي لإسرائيل كما هو معلوم دون حدود، و ما القرار الأخير من قبل أمريكا بتخصيص حوالي 26 مليار دولار لدعم إسرائيل قبل عدة أيام إلا تأكيد لذلك و دليل أنّ أيّ قرشٍ تخسره إسرائيل تأخذ بدلاً عنه الكثير من التعويضات.

يبدو من التحركات الأخيرة أنّ إسرائيل ترغب بتوسيع الصراع، و هذا بعكس ما تريده أمريكا و أيران، حيث أنّ الاخيرتين تعملان على عدم إحداث تغيير فعلي في قواعد الاشتباكات فيما بينها. إسرائيل تشعر بخطورة برنامج إيران النووي، وهي جدية في سحب إيران إلى المواجهة المباشرة، و إخراجها من خلف وكلائها، و كانت ترغب أن يكون الردّ قوي جداً ضد إيران ؛ بسبب ذلك الهجوم، و لكن دون ضوء أخضر أمريكي فإنّ هذه الحرب لا يمكن أن تكون .

أمريكا لم ترغب أن تقوم اسرائيل بردٍّ قوي على هجوم إيران للحفاظ على الوضع كما هو الآن ، و أرادت أن يكون فقط بشكلٍ إنذار و لذلك قامت إسرائيل بالهجوم على أصغهان، و كان ذلك بمثابة رسالة مفادها أنها قادرة بكلّ بساطة على توجيه ضربات موجعة لإيران و أن تظهر أنّ إمكانياتها تفوق قدرات إيران بكثير، حيث قامت الطائرات الإسرائيلية بضرب مواقع إيرانية دون أن تكتشفها منظومة الرادارات الإيرانية.

إسرائيل كانت تدرك أنها يجب أن تردّ ؛ لأنّ عدم ردّها على هذا الهجوم قد يعتبر انتصار لإيران و وكلائها في المنطقة من جهة، وكما يعتبر فشل للحكومة الإسرائيلية و على رأسها بنيامين نتانياهو الذي تأثرت شعبيته بشكلٍ كبير بعد هجوم ٧ أكتوبر من قبل حركة حماس.

رغم قوة العلاقات بين إسرائيل و أمريكا و التزام أمريكا بالدفاع عنها، إلا أن مصالح أمريكا و إسرائيل، بما يخصّ تحجيم دور ايران، لا تلتقيان و مختلفة عن بعضها بشكلٍ واضح، حيث أنّ أمريكا دولة عظمى و مستفيدة من الصراعات الحالية في منطقة الشرق الأوسط و هي ترى أنّ إيران يجب أن تبقى كما هي لتبقى الصراعات الحالية قائمة، خاصةً وأنّ إيران ،و من خلال اذرعها، تحافظ على بيئة مثالية للتبعية و تساعد في بناء أنظمة و دول فاشلة، و كلّ هذا يدخل بشكلٍ مباشر في خدمة أمريكا كدولة كبرى مستفيدة من الصراعات القائمة.

إسرائيل رغم أهميتها في اللعبة السياسية في المنطقة إلا أنها ليست قوة عظمى كأمريكا ، وحجم وطريقة استفادتها من دور إيران في اللعبة الإقليمية مختلف وهنا يكمن اختلاف مواقف الدولتين.

كما أنّ إيران رغم تقيدها بقواعد الصراع الحالية بينها و بين إسرائيل إلا أنّ خروجها على هذه القواعد و تبنيها قواعد جديدة ضد مصالح اسرائيل يمكن أن تكلّف اسرائيل الكثير ؛ كونها رغم عدم وجود حدود مشتركة بينهم إلا أنها تبقى على تماس مباشر معها من خلال أذرعها في لبنان و سوريا و فلسطين.

بالنسبة للهجوم الإيراني على إسرائيل يمكن أن يكون بداية خلق مرحلة جديدة حسّاسة، تسيطر عليها مواجهات مباشرة بين إسرائيل و أيران دون أن تصبح حرباً حقيقية و هنا تحتاج المنطقة إلى قواعد جديدة، و إلى حين تثبيت تلك القواعد فإنّ المنطقة عليها المرور في تصادمات لا أحد يمكنه أن يتصور نتائجها.

وهناك احتمال ضعيف أن نكون على أبواب حرب حقيقية تريدها إسرائيل لوضع حدٍّ لإيران، حيث أنّ إيران تشكّل خطراً مباشراً لإسرائيل، وليس لأمريكا التي تبقى بعيدة عن حدود أيران كدولة ، و من يراقب تصريحات مسؤولين كبار من الإسرائيليين يعلم أنها طالبت في أكثر من مناسبة بضرب منشآت إيران النووية، و لكن أمريكا لم توافق.

خلاصة الكلام أنّ إسرائيل تريدها مواجهة حقيقية مع إيران لوضع حدٍّ لها و تحجيمها، بينما أمريكا لا تريد هكذا حرب، و لا ترغب في تغيير قواعد الاشتباكات بينها و بين إسرائيل من جهة، و بين إيران و وكلائها من جهة اخرى ؛ لأنها ببساطة مستفيدة من الوضع القائم.

هجوم إيران على إسرائيل لم يكن سوى إجراء لحفظ ماء الوجه و إيران كانت مجبرة على ذلك الهجوم لكي لا تظهر عجزها عن المواجهة و لتقول إنها قادرة على الردّ في أي وقتٍ تريد.

كما يبدو أنّ الأوضاع بعد الهجوم الإسرائيلي على أصفهان الإيرانية ستعود بالتدريج إلى سابق عهدها مع احتمالية وجود بعض التغييرات، وأنّ التصادم المباشر بين إسرائيل و إيران وصل لنهايته ؛ لأنّ أمريكا لا ترغب بهكذا مواجهة لتبقى مؤجله إلى وقتٍ آخر.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “319”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى