هيومن رايتس ووتش: ينبغي توسيع نطاق الوصول العادل إلى لقاح “كورونا”
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنه ينبغي دعم جماعات الإغاثة الدولية من أجل ضمان التوزيع الأوسع والأكثر إنصافا للقاحات فيروس “كورونا” في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك جميع المناطق الخاضعة لسيطرة مجموعات مختلفة.
مع أن الحكومة السورية تتحمّل المسؤولية الأساسية لتوفير الرعاية الصحية للجميع على أراضيها، إلا أنها حجبت مرارا الأغذية، والأدوية، والمساعدات الحيوية عن المعارضين السياسيين والمدنيين. تقاعُس “مجلس الأمن” التابع لـ “الأمم المتحدة” عن الحفاظ على نظام مساعدات عبر الحدود من أجل شمال شرق سوريا يعني أيضا عدم وجود قناة مضمونة لتوزيع اللقاح على مليوني شخص يعيشون هناك.
قالت سارة الكيّالي، باحثة سوريا في هيومن رايتس ووتش: “ينبغي لمن يزودون سوريا باللقاحات بذل قصارى جهدهم لضمان وصول لقاحات كورونا إلى الفئات الأضعف بغضّ النظر عن مكان وجودهم في البلاد. لم تخجل الحكومة السورية أبدا من حجب الرعاية الصحية كسلاح حرب، لكن ممارسة نفس الألاعيب باللقاح يقوّض الجهد العالمي للسيطرة على تفشي الوباء”.
في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، قدمت الحكومة السورية طلبا رسميا للمشاركة في مرفق “كوفاكس”، وهو مبادرة عالمية لتوسيع الوصول إلى لقاح كورونا بقيادة “منظمة الصحة العالمية”، و”تحالف ابتكارات التأهب الوبائي”، و”التحالف العالمي للقاحات والتحصين” (غافي). إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت الخطة المقدمة تشمل جميع أنحاء البلاد.
في 21 يناير/كانون الثاني، قال وزير الصحة السوري إن من أهم شروط استقدام سوريا للقاح هو التأكد من أنه “لا يمسّ بالسيادة السورية”. يشير ذلك إلى أنه من غير المرجح أن تكون الحكومة قد شملت شمال شرق البلاد – منطقة لا تُسيطر عليها – في خططها.
قالت السلطات الحاكمة في معظم شمال غرب سوريا لـ هيومن رايتس ووتش إنها قدمت أيضا طلبا رسميا إلى كوفاكس بشأن المناطق الخاضعة لسيطرتها. لم يُعلن عن هذه الخطط. لكن بالنسبة إلى شمال شرق سوريا، ليس هناك حاليا ترتيبات للحصول على اللقاحات بشكل مستقل.
أعلنت وزارة الصحة في الحكومة السورية أنه حتى 12 يناير/كانون الثاني كان هناك 12,462 حالة إصابة بفيروس كورونا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة منذ بداية تفشي الفيروس، مقارنة بـ 8,227 حالة في شمال شرق البلاد و20,717 في الشمال الغربي. يُقدّر الأطباء وجماعات الإغاثة أن الأرقام أعلى بكثير على الأرجح، بسبب قدرات الفحص المحدودة والتقارير المشكوك فيها، خصوصا في شمال شرق سوريا.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أربعة موظفين في وكالات الإغاثة الذين أعربوا عن قلقهم بشأن نقص كبير في الوضوح فيما إذا كانت منطقة شمال شرق سوريا ستكون قادرة على الحصول على اللقاحات، لكنهم كانوا يأملون في تمكنهم من إيجاد حل ما. وفقا لجماعات الإغاثة، إذا لم تشمل الحكومة شمال شرق البلاد في الطلب الذي قدّمته إلى كوفاكس، ستكون الوسيلة الوحيدة لتأمين اللقاحات للمنطقة من خلال احتياطي كوفاكس الإنساني لأولئك الذين لم تشملهم الخطط الوطنية، والذي أُنشئ لضمان أن السكان كالذين يعيشون أو يعملون خارج المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومات، أو اللاجئين، والنازحين داخليا، وطالبي اللجوء، يمكنهم الوصول إلى اللقاح.
من خلال هذا الاحتياطي، يمكن لوكالات الأمم المتحدة، أو المنظمات الإنسانية، أو منظمات المجتمع المدني طلب جرعات إضافية من خلال احتياطي كوفاكس الإنساني. من المتوقع أن يكون الحجم 5٪ من جرعات كوفاكس المقدمة عالميا، ما يعني أن الاحتياطي قد يصل إلى 100 مليون جرعة بحلول نهاية 2021. ستستخدم كوفاكس ” الاستعراض العالمي للاحتياجات الإنسانية” والمبادئ التوجيهية والبيانات المشتركة بين الوكالات لتحديد السكان المستهدفين. قالت هيومن رايتس ووتش إن المنظمات غير التابعة للأمم المتحدة ينبغي أن تتمكن من الوصول إلى هذا الاحتياطي الإنساني، نظرا إلى أن الأمم المتحدة لا يمكنها العمل إلا في شمال شرق سوريا في ظل القيود الشديدة التي تفرضها الحكومة.
ضمان وصول لقاح كورونا إلى شمال شرق سوريا عبر الحكومة السورية حصرا ينطوي على عدد من المشاكل الكبيرة. ثلاثة من المعابر الحدودية الأربعة التي أجازها مجلس الأمن لتوزيع المساعدات أُغلقت أمام عبور المساعدات في يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز 2020. بينما لا يزال هناك معبر حدودي واحد مفتوحا في شمال غرب سوريا، تعتمد وكالات الأمم المتحدة التي تقدم المساعدة إلى شمال شرق سوريا الآن على دمشق في التوصيل والخدمات عبر مناطق السيطرة.
تتطلب العمليات عبر خطوط النزاع حصول الأمم المتحدة على إذن من الحكومة السورية لكل توصيل، ومشروع، وقافلة من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى تلك الخاضعة لسيطرة السلطات بقيادة الأكراد. كثيرا ما حجبت الحكومة السورية الإذن أو أخرته، ومنعت وصول بعض الإمدادات الطبية وغيرها إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرتها، ومنعت وكالات الأمم المتحدة من تنفيذ مشاريع أساسية في تلك المناطق. في مثال على عرقلة الحكومة السورية، رفضت السماح لوكالات الأمم المتحدة بإنشاء مختبرات فحص كورونا في شمال شرق سوريا. علاوة على ذلك، تعتبر لوجستيات التسليم عبر خطوط النزاع أبطأ بكثير من العمليات عبر الحدود، حيث تتطلب التنقل لمسافات أطول وفي ظروف أقل جدوى.
حتى ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالكمامل، وثّقت هيومن رايتس ووتش التوزيع التمييزي للمعدات المتعلقة بفيروس كورونا، بما فيها معدّات الحماية الشخصية، ومعدات الفحص، وأجهزة التنفس الاصطناعي بالأكسجين. ينبغي للحكومة السورية ضمان التوزيع العادل للقاحات داخل سوريا الخاضعة لسيطرتها، بناء على الاحتياجات ومواطن الضعف. ينبغي للوكالات الإنسانية ضمان مراقبة الإمدادات بشكل مستقل وتخصيصها بما يتماشى مع التزام كوفاكس/منظمة الصحة العالمية بالتوزيع العادل.
على منظمة الصحة العالمية و”اليونيسف” استخدام حوارهما المستمر مع الحكومة السورية للضغط من أجل خطة توزيع عادلة داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمناطق التي تحتفظ فيها الجماعات الأخرى بالسيطرة الفعلية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه نظرا لصعوبة المراقبة المستقلة الكافية لإمدادات اللقاح وتوزيعه في سوريا، سيكون تحديد قنوات توزيع محايدة ومراقبتها بشكل مستقل أمرا بالغ الأهمية منذ البداية.
ينبغي أخذ التحديات اللوجستية الكبيرة لتوفير اللقاحات وتوزيعها في جميع أنحاء سوريا في الاعتبار. تحتاج العديد من اللقاحات ظروف تخزين وتوزيع محددة، بما فيها “إدارة سلسلة التبريد”، وهو تحد عالمي. في سوريا، يُفاقم النزاع هذه الصعوبات.
وفقا لمنظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، فرّ 70٪ من العاملين في قطاع الصحة في سوريا من النزاع وتعرّضت أكثر من 50٪ من البنية التحتية الصحية للضرر أو الدمار، جرّاء نحو 600 هجوم على المرافق الطبية، من قبل التحالف العسكري السوري الروسي في المقام الأول. تقول جماعات الإغاثة إن ضعف قدرات النقل وأزمة الوقود زاد من تعقيد قدرتها على شراء وتوزيع الإمدادات.
أدى تضرر شبكة الكهرباء إلى انقطاع متكرر في التغذية الكهربائية، وهو عامل آخر سيؤثر على توزيع اللقاح. على الذين يوفّرون اللقاح ويدعمون نشره مراعاة الظروف عند تحديد نوع اللقاح المراد تخصيصه والتأكد من توفر المراقبة الخارجية للتوزيع.
بموجب القانون الدولي، لكل فرد الحق في “أعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه”. ما يعني أن على الدول واجب إيجابي يتمثل في “توفير جميع التطبيقات المتاحة للتقدم العلمي الضروري للتمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وإتاحة الوصول إليه للجميع، دون تمييز، وخصوصا للفئات الأكثر ضعفا”. يمتد هذا الالتزام إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الفعلية للدولة أو الفاعل الحاكم، أو حيث تكون موافقة أو تعاون سلطة معينة مطلوبة لتسهيل ذلك.
علاوة على ذلك، يتطلب القانون الإنساني الدولي من جميع الأطراف في أي نزاع مسلح السماح وتسهيل المرور السريع بلا عوائق للمساعدة الإنسانية المحايدة إلى المدنيين المحتاجين. تدعو المبادئ الإنسانية إلى إيصال المساعدات بحيادية لمن هم في أمس الحاجة إليها، دون أي تفرقة أو تمييز. يعني ذلك أن الوكالات الإنسانية الدولية يجب ألا تقدم المساعدة بطريقة تُروّج أو تُعزّز التمييز على أسس محظورة – بما فيها التمييز على أساس الرأي السياسي، أو العِرق، أو المعتقد الديني.
قالت كيّالي: “بين التدمير الكبير الذي لحق بالبنية التحتية الصحية من قبل الحكومة السورية خلال النزاع والافتقار الواسع إلى تقديم مساعدات موثوقة، سيكون توزيع لقاحات كورونا في سوريا أمرا بالغ الصعوبة حتى بدون نهج الحكومة التمييزي في المساعدة. لكن الوقت مبكر بما يكفي لتقديم ضمانات للتأكّد من حصول كل شخص في سوريا على اللقاح بطريقة عادلة”.