آراء

وفدان لا يتعارضان: وفد للإدارة الذاتية وآخر لحقوق الشعب الكُردي في الحوار مع دمشق

المحامي : أكرم شمو

منذ سقوط النظام السوري السابق قبل نحو ستة أشهر، إثر سنواتٍ من الصراع الدامي والتدهور، وصعود قوى المعارضة المسلحة إلى مواقع السلطة في دمشق، لم تُبدِ الجهات الجديدة أي رغبة حقيقية في فتح حوارٍ جدي مع الأطر السياسية المدنية ذات التاريخ الوطني الطويل، رغم ما تتمتّع به هذه الأطر من سمعةٍ طيبة ونزاهة، وحضور شعبي واسع في الشارع السوري.

لقد اتضح منذ ذلك الحين أنّ معيار الاعتراف والجلوس على طاولة الحوار بات مرهوناً بحجم السيطرة العسكرية والنفوذ الأمني، لا بالمكانة السياسية ولا بالرؤية الوطنية. ورغم ذلك، لم يتعامل المجلس الوطني الكُردي مع هذا الواقع من منطلق الضعف أو الاستبعاد، بل استثمر هذه اللحظة المفصلية بانتهاج خيارٍ استراتيجي، يضع مصلحة الشعب الكُردي فوق كل اعتبار، فاختار أن يسلك طريق الحوار الكُردي-الكُردي، ويعمل على توحيد الموقف والرؤية الكُردية تمهيداً لتشكيل وفدٍ تفاوضي موحد يمثّل الشعب الكُردي في سوريا، يذهب للحوار مع دمشق بموقفٍ واضح ومتماسك.

هذا الخيار لم يكن قراراً فردياً أو ظرفياً من المجلس الوطني الكُردي، بل كان استجابةً لحاجةٍ سياسية تاريخية ملحّة، وجاء بدفعٍ وتشجيع من الحلفاء الطبيعيين للقضية الكُردية، وفي مقدمتهم الزعيم الكُردي السيد مسعود البارزاني، وبدعم ومساندة من القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، السيد مظلوم عبدي، وبتأييد قوى دولية مؤثرة كـالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

كلّ هذه العوامل دفعت نحو تحقيق هذا التفاهم الكُردي كخطوةٍ استراتيجية تعزّز من موقع الكُرد في سوريا المستقبل.

لقد شكّل كونفرانس وحدة الصف والموقف، وما نتج عنه من رؤيةٍ سياسية كُردية موحدة، خطوة سياسية تاريخية في مسيرة الحركة الكُردية في سوريا. ولم يكن الهدف منه فقط إنهاء الانقسام الكُردي، بل الاستعداد لمرحلة سياسية دقيقة تتطلّب تمثيلاً كُردياً موحداً في مواجهة استحقاقات كبرى، على رأسها التفاوض مع الإدارة الجديدة في دمشق.

ومن المهم توضيح ما يلتبس على البعض:

إنّ وجود وفد تفاوضي يمثّل قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، لا يتعارض مع تشكيل وفد كُردي موحّد، يتولّى التفاوض حول الحقوق القومية للكُرد كشعب، ودورهم في مستقبل سوريا.

هذا التوزيع في الأدوار لم يكن ارتجالياً أو مفاجئاً، بل كان مطروحاً منذ البداية، وهو جزء من الرؤية المتفق عليها بين مختلف الأطراف.

ومن الطبيعي والمنطقي أن تنجز قسد ومسد والإدارة الذاتية تفاوضها الخاص، المتعلق بترتيب الأوضاع الإدارية والعسكرية والأمنية، وبعد ذلك ينتقل الدور إلى الوفد الكُردي الموحد، ليبدأ مهمته في الدفاع عن الحقوق القومية للكُرد، والمطالبة بضمانات دستورية واضحة لها.

وما يجب التأكيد عليه أيضاً أنّ خيار المجلس في التفاهم على وحدة الرؤية والموقف الكُردي يمنحه فرصة حقيقية للدفاع عن حقوق الشعب الكُردي، وفي الوقت ذاته يفتح أمامه أفق المشاركة الفعلية في صياغة مستقبل سوريا، وكتابة دستورها الدائم، بما يضمن مكانةً عادلة ومشروعة للكُرد داخل الدولة السورية القادمة.

إنّ وجود وفد يمثّل الإدارة الذاتية ومسد وقسد، ويعبّر عن مكونات شمال شرق سوريا كافةً من عرب وكُرد وسريان وآشوريين وأرمن، لا يلغي الحاجة ولا ينفي الشرعية عن تشكيل وفد تفاوضي خاص يمثل الشعب الكُردي وحقوقه القومية. بل على العكس، فإنّ نجاح أي من الوفدين يتطلّب تنسيقاً مشتركاً وتفاهماً سياسياً، خاصةً فيما يتعلّق بالجانب الكُردي من وفد الإدارة الذاتية، لضمان تكامل الرؤية والطرح التفاوضي أمام دمشق.

وقد اختار المجلس الوطني الكُردي هذا المسار عن قناعة ورؤية استراتيجية، لأنه يتيح له الدفاع عن حقوق الشعب الكُردي في سوريا بطريقة مؤثرة، ويمنحه فرصة المشاركة الفعلية في صياغة مستقبل سوريا، وكتابة دستورها الدائم، بما يضمن مكانة عادلة ومشروعة للكُرد في الدولة السورية القادمة.

وفي الختام، فإنّ المجلس الوطني الكُردي، ومن منطلق مسؤوليته القومية والوطنية، لم يتنازل عن ثوابته، ولم يتقوقع على ذاته، بل انفتح على جميع القوى الكُردية، وسعى إلى توافق كُردي جامع على أسس واضحة. لم يكن هذا الخيار استسلاماً، ولا “ارتماءً” كما يحلو للبعض أن يصفه، بل كان خياراً واقعياً وعقلانياً واستراتيجياً في ظرفٍ سياسي معقد.

وإذا كان لدى أي طرف أو جهة رؤية مختلفة أو خيار عملي أكثر نجاعةً وفعاليةً من هذا المسار، فليتفضّل بطرحه أمام الرأي العام وأمام القوى السياسية الكُردية، بدلاً من حملات التشكيك والتأويلات المغرضة التي لا تخدم سوى خصوم تطلعات شعبنا الكُردي في سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى