آراء

ومــن جـديد، الاسـتدراج الممنهج ..

وليد حاج عبد القـادر

بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية، تسارعت الإنكشافات لتزيح غموض كثير مـن القضايا والتي بدا سقوط حلب المدوي كتمهيد لما تلاها مـن فكفكة مفاصل هامة في الوضـع السوري، ومهــدت لقفزات نوعية ترسخت بحنكة وعلى أرضيتها ابتدأت ملامح استدراج ممنهج للمجاميع والفصائل المختلفة بتوجهاتها، وبالترافق مـع لقاءات الثنائي لافروف / كيري – قبل رحيل اوباما –، ورغـم تداخل محاور الجبهات وحلقاتها إلا أنها بقيت جميعها في نطاق السيطرة والتحكم وفي دائرة مغلقة روسياً وأمريكياً إلـى درجة أنه فـي أشـد حالات التصادم المصالحيّ و – الخصام – الثنائي لم تتوقف قنوات التواصل ولم تتعطل قواعد الاشتباك في سماء وأرض سـوريا.
إذاً .. وفي متابعة لمجريات المعارك وإحداثياتها، وبعبارة أدق، خطوط سوريا المفيدة للجميع تبدو واضحة تلك الرغبة الجامحة /وإن كانت مغلفة/ لكنها تفصح عن أهداف عميقة تمت هندستها في دوائر عميقة في أمريكا وروسيا واستبعد منها حتى الحلفاء الأوروبيين، ولتدخل الأمور مرحلة اجتماعات آستانا التي حوصرت أمريكيا بسبب انتخاباتها الرئاسية، وبعد إسقاط مرتكزات رئيسة مثل حلب ومجريات بروفات المصالحات المناطقية المجحفة، أخذت الأمور تتضح أكثر، مثلاً الهدف من تحويط العاصمة دمشق وتأمينها ومعه مدى التهافت التركي في بحثه عن طريق آمن للهروب وراءاً من هذه المعضلات، خاصة مع تهاوي خطوطها الحمر، والانكشاف الأهم لأردوغان وتطويقه لذاته بفوبيات متعددة بدءاً من غولن وتوغله عميقاً في مؤسسات الدولة، لا بل اختراقه حتى لأبواب قصر أردوغان، وكذلك القضية الكوردية، وبروز دلائل عديدة حول علاقة أجهزة نظامه ومؤسساتها وحتى أفراد مهمين بداعش والنصرة.
ومن ثم حدوث الانقلاب العسكري كمنقذ لأردوغان حيث تمكن بفضله من إعادة ترتيب أوضاع نظامه داخلياً معتمداً على ممارسات قمعية شديدة ، انعكست على علاقاته الداخلية والخارجية وليستخدمه – أيضاً – كمطية في توجهات جديدة تراجع على إثرها من طموحات عديدة، فلفظ كعكة حلب وتناسى حلمه بمكافأة ما من ولاية الموصل وليحصرها بكريدور يقطع به التواصل -حسب زعمه – بين المناطق الكوردية في سوريا ، مستغلاً ممارسات حزب الإتحاد الديمقراطي كذريعة لإبقاء وتثبيت أقدامه بدل ذلك الحضور القوي الذي كان له في بدايات الثورة السورية و – تبجحاته – التي استند عليها في كتاب الأمن الإستراتيجي التركي الأحمر وخطوط دفاعها التي امتدت إلى جنوب قطر فالصومال وإفريقيا، ولتنكشف نياته الصريحة أيضاً في أزمة دول الخليج مع قطر.
وفي الجانب الآخر إذا تحدثنا عن إيران، فقد كانت سوريا هي من أوائل الدول التي استهدفت بعد قرار الخميني بتصدير ثورته وطبيعي أن ترتقي المطامح الإيرانية ويطفو بعضٌ منها إلى الواجهة / الهلال – البدر الشيعي / ولتتغذى من محاولات هيمنة التوجهات طائفية من الطرفين خاصة مع وصول الأزمة السورية إلى هذه الآفاق، و ظهور روسيا كعراب للتفاهمات البينية كثلاثي ربما ستستطيع تهيئة الآفاق للوصول إلى حل للأزمة السورية ، فكانت محطات آستانة ومعها مشاريع خفض بؤر التوتر والتي استنزفت أكثر مصداقية تركيا وإيران ولتصطدم خطواتهما مع اتفاق هدنة الجنوب الذي أعلنه الأردن وأمريكا وروسيا ومن عمان العاصمة لا من حميميم، ومع هذا الاتفاق تم إزاحة النقاب عن مفاصل عملياتية جديدة مرافقة لهذه البقعة الحيوية، من تأمين لمطالب إسرائيل الأمنية، وزيادة استقرار العاصمة دمشق وتوسيع طوق حمايتها من المتطرفين ولكن بقي الحد من الهيمنة الإيرانية وأذرعها هو الأهم، و برزت محاور حيوية أفرزت آلية مصالحات أدت إلى حسومات عسكرية، امتدت مجدداً من أقصى حدود البادية المشتركة لسوريا مع جوارها في استهداف سريع للتنظيمات المتطرفة و إلى الخطوة الأبرز في إعادة تأهيل جيش النظام وبسط سيطرته على مزيد من الأراضي وإعادة تموضع فصول الحسم الأخيرة في بقعتي إدلب وديرالزور بعد تصفية الجزر المتبقية هنا وهناك ولمصلحة النظام وكخطوة رئيسة للتسويات التي أخذت ملامحها تطفو وبقفزات سريعة لم تتجاوز أشهراً كما صرح ديمستورا.
وهنا لم يكن مفاجئاً موقف أمريكا من بعض الفصائل المقربة لها والإجراءات التي اتخذتها ضدها كرد فعل على استمرار مقاتلتها للنظام، وان أبقت كحالة طارئة أو لا تزال تهيئ مراكز ستكون جاهزة في أية لحظة للتدخل ضد كل ما يخالف المخطط الرئيسي، ويبدو جلياً بأن الدور الأمريكي هو مواجهة المشروع الإيراني ولو بالقوة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن لتثبيت أقدامه على البحرين المتوسط والأحمر ولتنحصر الجهود العسكرية وبالتنسيق مع روسيا في المعارك ضد التنظيمات الإرهابية، وهنا ومع وصول معارك الرقة والبادية إلى مفاصل حاسمة، والتي يبدو بأنها ستختزل عملياتياً وبأشد فصولها في معركتي ديرالزور وإدلب حيث تشهد محافظة ديرالزور تقدماً مستمراً للنظام من عدة محاور ومعه ترتيبات تقوم بها أمريكا في شمالها وفي حوض الخابور تحديداً والذي يعد رئة المحافظة اقتصادياً نفطياً وزراعياً ومائياً ، إضافة لموقعه الحيوي في صلب المشروع الإيراني.
أما إدلب التي جهزت لتصبح حاضنة ولتكون مركز الاستهداف الأقوى بعد تجميع كل المصالحات فيها خاصة بعد اعتبارها أمريكياً كأكبر منطقة لتجمع القاعدة في العالم ، وهي الآن إدلب الملعب الرئيسي الذي اختزلت فيه كل محاور التوافق الإيراني – التركي كمقايضات بينية وتسويات ستتم على أرضيتها كل توافقاتهما بخصوص المسألة السورية بل ستتجاوزها لتشمل أزمة قطر في الخليج والعراق وكوردستان ، وكنوع من الضغط الممنهج شملت حتى YPG قوات حماية الشعب الكوردية والتي في حد ذاتها تعاني من أزمة داخلية متشعبة، ولكنها لم تمنع تركيا من شن حروبها النفسية بتكرار التصريح بجهوزية عملياتها والتي اختزلت في عملية الشريان المتوقعة أخيراً، في استهداف ممر / كريدور يبدأ من تل أبيض مروراً بريف شهبا في العمق والغاية منها استهداف عفرين وبمؤازرة واضحة من إيران قابله صمت تركي عن مشاركة الحشد الشعبي في معارك تلعفر العراقية والغموض المتعمد في ردات فعلهما العسكرية التي ستطال كوردستان العراق من خلال استهداف منظومةPKK.
وبالمختصر فإن كل الزيارات العسكرية وما رشح منها خاصة التركية – الإيرانية مؤخراً ولقاء رئيسي أركان الدولتين وغياب الروسي عنها وبالتالي قدوم ماتيوس وزيارة نتنياهو لروسيا وانطلاقة غرفة عمليات مراقبة هدنة الجنوب بعيد زيارة أردوغان أيضاً إلى عمان وبالترابط مع إصرار إقليم كوردستان على استفتاء حق تقرير المصير، بات واضحاً بأن المنطقة ستشهد تشكلات عسكرية بمحاور جديدة قد تكون الخارطة السورية واحدة من أكبر ساحاتها وفي تجاوز حاسم لكثير من أخطاء أمريكا – بريمر – في العراق ، وهذا الأمر كان واضحاً في تصريحات ديمستورا الأخيرة حول الفرص الحقيقية للوصول إلى حل للأزمة السورية في الشهرين القادمين والتي يمهد لها لجيش النظام بتقديم نفسه كقوة رئيسة ضامنة للمرحلة الانتقالية مع أو دون الأسد، وبات في حكم المؤكد بأن تركيا مهما عملت ومعها المعارضة السورية بتقديم بدائلها في إدلب لئلا تستهدف روسياً وأمريكياً، إلا أن كل المؤشرات تدل بأنها ستستهدف ومعها سيتجدد المأزق التركي وينكشف بالتالي دورها الرئيسي في تلك الإسقاطات من جهة وتبيان هدفها الأساس – الكريدور – وأيضاً مآزق إيران المتعددة وفي أكثر من ملف بدءاً من النووي ومروراً بثورتها المصدرة !! – ولا ننسى أزماتها الداخلية وعلى رأسها قضية الشعوب المهضومة حقوقها والتي بدأت تتنشط ذاتياً كرد على مجمل ممارسات نظامها.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى