آراء

ومن جديد : المظلومية الكُردية.. كُردستان العراق ب / 2 / 3

ليلى قمر و وليد حاج عبدالقادر
قضية – أزمة الموصل :

ظهرت بوادر أزمة حقيقيةٍ أخذت تتبلور وتتطور، لتصبح مشكلةً حقيقية بين كلٍّ من بريطانيا وتركيا ، وذلك مع بدء دخول قواتٍ موالية لبريطانيا إلى الموصل واحتلالها ، وكان الأتراك قد استشعروا خطورة هذا الأمر ، وعليه فقد سارعوا لإسباغ شرعيةٍ على تابعيتها لهم ، وذلك باعتبارها – الموصل – واحدةً من القضايا المحسومة وفق قرارات الميثاق الوطني التركي.

إلا أنه وبالرغم من اعتراض ومقاومة تركيا، فقد استطاعت بريطانيا الدفع بالقضية إلى الساحة الدولية، وطرحها كمشكلةٍ حدودية بين دولتي تركيا والعراق، وبناءً على ذلك فقد قرّر مجلس عصبة الأمم إرسال لجنة تحقيقٍ إليها، والتي أوصت بدورها على ضرورة احتفاظ العراق بالموصل، ورضخت تركيا وبمضضٍ على ذلك، ووقّعت على اتفاقية الحدود مع الحكومة العراقية في سنة 1926 ، وكان ذلك مقابل موافقة العراق على منح 10 بالمائة من حقوق امتياز رواسب النفط في الموصل إلى تركيا لمدة 25 سنة .

وهنا وباختزال، فإنّ قضية الموصل كانت صراعاً إقليمياً، حدث في بداية القرن ال 20 بين تركيا والمملكة المتحدة ( فيما بعد العراق ) حول الأحقية في ولاية الموصل العثمانية السابقة، هذه المشكلة التي وقعت مع قرب نهاية الحرب العالمية الأولى في 30 أكتوبر 1918 ، حيث وقّعت الإمبراطورية العثمانية المنهَكة والمملكة المتحدة هدنة مودروس، والتي نصّت على وقف الأعمال العدائية اعتباراً من 31 أكتوبر 1918، لذلك وبالنسبة للبريطانيين كانت لديهم رغبةٌ جامحة على أن تحتلّ قواتهم الموصل، وأرسل الجنرال مارشال مفرزةً إلى الموصل لقبول استسلام الحامية التركية”.

بعد مناقشاتٍ مع علي إحسان باشا التركي المحلي واتصالاتٍ بين لندن والحكومة العثمانية، حيث برّر البريطانيون نيتهم ​​بالرجوع إلى البند 7 من الاتفاقية، وكذلك نيّتهم ​​المضي قدماً في أيّ حالٍ، وصدّرت تعليمات للقائد المحلي بالانسحاب واحتلّت بريطانيا الموصل في 10 تشرين الثاني 1918 . في آب 1920 تمّ التوقيع على معاهدة سيفر لإنهاء الحرب، لكنّ العثمانيين كانوا مصمّمين على معارضة الطلب البريطاني في الموصل، وأنه قد تمّ الاستيلاء عليها بشكلٍ غير قانوني بعد مودروس، حتى أثناء توقيع معاهدة لوزان بين تركيا وبريطانيا، وفي سنة 1923 أكّدت تركيا أنّ بريطانيا كانت تسيطر على ولاية الموصل بشكلٍ غير قانوني، قابلها تأكيد المسؤولين البريطانيين في لندن وبغداد والاعتقاد بأنّ الموصل ضرورية لبقاء العراق، بسبب موارده وأمن حدوده الجبلية، حيث كان القادة الأتراك أنفسهم يخشون أيضاً أن تتصاعد وتيرة المشاعر القومية الكُردية في ظلّ الانتداب البريطاني، وتبدأ المشاكل بالتعاون مع أقرانهم الكُرد في تركيا، من أجل التوصل إلى حلٍّ بشأن الادّعاءات المتضاربة المتعلّقة بالموصل.

وكان هناك “خط بروكسل” الذي قرّرته عصبة الأمم باعتباره الحدود الحقيقية للعراق وخط بريطانيا، وهو خط التقسيم الذي استخدمته بريطانيا كمرجعٍ في الماضي، وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ مشكلة الموصل لم تبقَ محصورةً بين طرفي النزاع التركي والبريطاني! بل دخل الملك فيصل بن حسين الهاشمي الذي كان قد أصبح ملكاً لدولة العراق في سنة 1921، وطالب أيضاً بولاية الموصل، لغاية تحقيق وحدة العراق، وكان يرى استحالة تحقيق ذلك من دون السيطرة على ولاية الموصل.

وعليه كان الملك يستعجل في دخول الموصل حتى قبل قرار عصبة الأمم، لكنّ بريطانيا آثرت ذلك بعد قرار عصبة الأمم حيث وافقوا بالسماح لفيصل بالسيطرة على الموصل مقابل امتيازات موارد مهمة، فأسّس البريطانيون شركة البترول التركية التي أطلقوا عليها فيما بعد اسم شركة نفط العراق (IPC) . وكانت هناك معضلة أهم ونعني بهم الأكراد وأيضاً كمجموعةٍ داخلية أخرى أرادت السيطرة على الموصل وهم السكان الطبيعيون للولاية ويشكّلون أكثر من 60 ٪ من سكان المنطقة، ولا يريدون إلحاقهم – ضمّهم إلى أية دولة – حكومة أخرى سوى حكومتهم، وصمّموا على رفض الضمّ إلى العراق وطالبوا بالاستقلال، وقد دلّت الوقائع حينها بأنّ الغالبية العظمى من القادة الكُرد ومعهم مجموعاتهم العسكرية المسلحة وبقوتها النارية، وقد ساعدتها دول أخرى ولغايات ومصالح لها في المنطقة، وعلى عكس جيران الموصل فقد تمّ دمجهم بشكلٍ مباشر أكثر في الإمبراطورية العثمانية، وأغلب سكّان الموصل هم المسلمون السنّة والآشوريون والمسيحيون واليهود، وكان عدد سكانها حوالي 800000 شخص في أوائل القرن العشرين.

ورغم ذلك ظلّت هناك قضايا عديدة مرهونة ومن دون حلّ، الأمر الذي أوجد سبباً لعقد مؤتمر القرن الذهبي، حيث بدأت أول محادثاتها في 19 مايو 1924، إلا أنها لم تسفر عن اتفاقٍ، حيث أصرّت تركيا على أنّ سنجقي الموصل والسليمانية ينبغي أن يبقيا داخل حدود تركيا، وقد رفضت بريطانيا ذلك، وأثارت مقابل ذلك المطالبة بأراضي إمارة هكاري الكُردية Hakkâri التي تواجدت بين القرنين 14 و 19 الميلاديين في المنطقة موضع النزاع.

وعليه فقد انفضّ مؤتمر اسطنبول بدون نتيجة، وتوتّرت العلاقات بين تركيا وبريطانيا على خلفية اضطراباتٍ حدثت في منطقة نفوذ الانتداب البريطاني على العراق ( الذي أصبح مملكة العراق ) مع تركيا، ولذلك اتفق الطرفان على رفع القضية، حسب معاهدة لوزان إلى عصبة الأمم، وإن لم تكن راضية بذلك ، لكونها لم تكن عضواً في عصبة الأمم، عكس بريطانيا التي كان لها نفوذٌ كبير في العصبة، وفي ذات المرحلة أي في عام 1924 خطّط مصطفى كمال لاحتلال الموصل وطرد البريطانيين منها، ولكنه أدرك بأنه وبسبب ظروف تركيا والتفوق العسكري البريطاني بما لها من 140,000 جندي في العراق، فلن يكون لقواته المنهَكة أيّ فرصةٍ في النجاح.

يُضاف الى كلّ ما ذكر، نقطة خلافٍ أخرى بين بريطانيا وتركيا، فقد كان هناك “خط بروكسل” الذي قرّرته عصبة الأمم كحدودٍ حقيقية للعراق، وخط بريطاني هو الفاصل الذي كانت بريطانيا تستخدمه من قبل، وحدث خلاف حول ذلك، وناشد ممثلو بريطانيا في العراق زعماءهم الموافقة على استخدام خط بروكسل لأنهما رأيا أنه لا يوجد فرق كبير بين الخطّين الحدوديين، وبسبب تلك العوائق، قبلت تركيا بدور عصبة الأمم التي عقدت جلسة مجلس في سبتمبر 1924 ، حيث اقترحت تركيا إجراء استفتاء في سنجقي الموصل والسليمانية، ورفضت بريطانيا الاقتراح وشكـّلت عصبة الأمم لجنةً للتعامل مع مسألة الموصل، والتي بدورها نشرت تقريرها قبل سبتمبر 1925. حيث لاحظت اللجنة أنّ سكان الموصل رفضوا الانضمام لأيٍّ من الطرفين، وفضّلوا أن يكونوا مستقلين، وبرغم ذلك فقد قدّمت لجنة التحقيق الاقتراحات التالية :

أ – خط بروكسل هو خط الحدود المعترَف به .
ب – بما أنّ غالبية سكان الموصل هم من الأكراد، فإنّ الموصل ترتبط بالعراق، ولا مانع من قيام روابط واتفاقاتٍ اقتصادية للموصل مع تركيا، إذا انتهى الانتداب في 1928، فإنّ هذا الترتيب المقترح سيمدّد 25 عاماً، على أن يحصل الأكراد على حكمٍ ذاتي وحقوقهم الثقافية .
ج – إن لم يتمّ الالتزام بالنقطتين السابقتين، فإنّ ولاية الموصل تـُعاد إلى تركيا.

في 16 ديسمبر 1925، سحبت الحكومة التركية وفدها من جنيف، تاركةً مجلس عصبة الأمم ليمنح منطقة الموصل لبريطانيا بدون موافقة تركيا، ورداً على ذلك، فقد قام أتاتورك بعملٍ دبلوماسي انتقامي بإبرام معاهدة عدم اعتداء مع الاتحاد السوفيتي في 17 ديسمبر من نفس العام. ولاحقاً، عـُدِّل الحلف وزيد أجله لعشر سنواتٍ أخرى في 7 نوفمبر 1935.

وافق مجلس عصبة الأمم على توصيات اللجنة، وقد أدّى هذا القرار إلى مظاهراتٍ في تركيا، وارتفعت الصيحات في تركيا لإعلان الحرب على بريطانيا.

ولكن بفضل التقدير الواقعي من أتاتورك للموقف، فقد هدأ الشعب، لأنّ تركيا كانت للتو قد خرجت من سلسلةٍ من الحروب، بما استتبعها من مشاكل اقتصادية واجتماعية، والتي ينبغي حلّها. فقد كانت تركيا منغمسة في الأزمات الداخلية والخارجية.

خارجياً : حسب المنظور التركي أنّ الدول الأوروبية هي مَن فرضت المفاوضات حول الموصل، مما أدّى لعزلة تركيا، لذلك وقّعت تركيا مع الاتحاد السوفيتي في باريس معاهدة عدم اعتداء، وكان الهدف من تلك المعاهدة العثور على حلفاء، ونتيجةً للمشاكل الداخلية في تركيا، والتي تمّ اتّهام البريطانيين بها، ولذلك قبلت تركيا قرار عصبة الأمم ووقّعت في 5 يونيو 1926 معاهدة أنقرة مع المملكة المتحدة، لترسيم الحدود التركية-العراقية وإنهاء مسألة الموصل.

1. الحدود التركية-العراقية هي “خط بروكسل”، مع تعديلاتٍ طفيفة لصالح تركيا.
2. حسب البند 14 من المعاهدة يتمّ تعويض شركة النفط التركية بقيمة 10% من دخل نفط الموصل طوال خمسة وعشرين عاماً التالية. وقد تنازلت تركيا عن ذلك البند لاحقاً مقابل استلام مبلغ 500,000 جنيه استرليني ذهب، دفعة واحدة.

الديمغرافيا.

كان بالولاية نسبة معتبرة من المتكلّمين بالكُردية، وأقلية معتبرة تتكلّم السريانية ومجتمع ناطق بالعربية، وعلى العكس من جيران الموصل، فقد كانت مندمجة بشكلٍ كبير بـالدولة العثمانية، وفيما يتعلّق بالطوائف الدينية، فقد كان السكان في غالبيتهم من المسلمين السنّة مع وجود طوائف معتبرة من التركمان والكُرد والمسيحيين السريان، بإجمالي تعدادٍ يناهز 800,000 نسمة في مطلع القرن العشرين، تلك المجتمعات وقادتها كانوا متأثّرين بشكلٍ كبير بالنظام السياسي العثماني والشبكات التجارية والنظام القضائي للدولة العثمانية، بالرغم من أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مختلفين وليسوا جزءاً من الدولة العثمانية.

مؤتمر لوزان :

في مؤتمر لوزان، قدّمت تركيا سببين لضرورة ضمّ الموصل لتركيا.

الأول: في 30 أكتوبر 1918 يوم توقيع هدنة مودروس كانت الموصل تحت سيطرة الجيش التركي/العثماني وضمن الحدود السياسية للدولة العثمانية.
الثاني: سكان سنجقي الموصل والسليمانية ستكون غالبية سكانهما من الأتراك، إلا أنّ بريطانيا قدّمت إحصائيات متعارضة مع الإحصائيات التركية، وقد أظهرت الإحصائيات البريطانية أنّ غالبية السكان هم من الأكراد، ولذلك فحسب البند الثالث من معاهدة لوزان، فقد تمّ تشكيل لجنةٍ تركية-بريطانية للبحث عن حلٍّ للمشكلة في خلال تسعة أشهر، وفي مؤتمر لوزان، قدّم الوفد التركي بقيادة عصمت إينونو الإحصاء التالي:

السنجق/ كُرد/ أتراك/ عرب/ يهود/ غير المسلمين/ الإجمالي:
السليمانية62.83032.9607.210–103.000
كركوك97.00079.0008.000–184.000
الموصل104.00035.00028.00018.00031.000216.000
إجمالي الولاية 263.830146.96043.21018.00031.000503.000

الوفد البريطاني بقيادة اللورد كرزون قدّم تلك الإحصائية المتعارضة مع الأرقام التركية، أعلاه، وتبيّن أنّ الأتراك يشكّلون فقط 1/12 من السكان.

العرق/ التعداد/ النسبة
عرب185.76323,65
كُرد427.72054,45
أتراك65.8958,39
مسيحيون62.2257,92
يهود16.8652,15
يزيديون30.0003,82
الإجمالي785.468

الحكومة العراقية (1922–1924) قدّمت الأرقام التالية:

العرق/ التعداد/ النسبة
عرب166.94116,29
كُرد720.00770,24
أتراك38.6523,77
مسيحيون61.3365,98
يهود11.8971,16
يزيديون26.2572,56
الإجمالي1.025.090100
الموارد الاقتصادية
اسكتش من عام 1876 للموصل

أثناء فترة الحكم العثماني، كانت الموصل تنتج منتجات قطنية فاخرة. وكان النفط سلعة معروفة في المنطقة وأصبحت بالغة الأهمية أثناء الحرب العالمية الأولى ومازالت حتى اليوم. وكانت الموصل تُعتبر عاصمة تجارية بالدولة العثمانية بسبب موقعها على طرق التجارة إلى الهند والبحر المتوسط؛ كما كانت عاصمة سياسية ثانوية.

النفط كان من أسباب حرص بريطانيا على أن تتبع الموصل العراق. فقد صرّح وزير الحربية البريطاني، موريس هانكي، أنّ بريطانيا تحتاج للسيطرة على كلّ المنطقة لما فيها من نفطٍ هام للبحرية الملكية . وبذلك ظلّ البريطانيون مسيطرين على ثروات الموصل، حتى بعد أن تنازلوا عن السلطة السياسية للملك فيصل الأول.

الإحصائيات لانتبنّاها نحن المعدّان ليلى قمر و وليد حاج عبدالقادر
•• غالبية المراجع هي من ويكيبيديا والمعرفة ومصادر تاريخية تغطّي التاريخ المذكور .. يتبع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى