ومن جديد: المظلومية الكُردية
إعداد : ليلى قمر ووليد حاج عبد القادر
قسم ح 2 / 3
لم تكن الخلافات والانقسامات وحركات الانقلابات بشتى أنواعها محصورة فقط في هرم النظم العراقية؛ بقدر ما كانت الساحة الكُردية بحدّ ذاتها تعاني منها ، ولعلّها واحدة من أهم المعوقات التي كانت تعرقل الوصول إلى تفاهماتٍ مشتركة مع الطرف الآخر في بغداد ، وكان من الواضح مشاهدة التقطع في أوصال المنطقة وانقسامها بين ذراع القائد مصطفى البارزاني في منطقة بارزان، والفرسان أو رؤساء العشائر الموالين للحكومة العراقية، والمكتب السياسي القديم للحزب الديمقراطي والذي كان يقوده إبراهيم أحمد وجلال الطالباني في محيط السليمانية ، التي شهدت صدامات مسلحة وخلافات كثيرة ، هذه الخلافات التي تعود إلى عام 1964 على أثر الاتفاق بين القائد مصطفى بارزاني ،حيث رفض أغلبية أعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكُردستاني الاتفاقية لأنها لا تحقّق المطالب الكُردية ولا يضمن عدم عودة القتال لاحقاً حسب رأيهم ، ونتيجةً لذلك أعلن المكتب السياسي إعفاء البارزاني من صلاحياته كرئيسٍ للحزب ممّا أدّى إلى تفاقم المشاكل بين الطرفين بشكلٍ أكبر . قابلها قرار للبارزاني بتجريد هذا الذراع السياسي من قوته العسكرية ، فعزل القادة العسكريين الموالين للمكتب السياسي ، ودعا إلى عقد المؤتمر السادس للحزب الديمقراطي في تموز /1964 دون حضور أغلبية أعضاء المكتب السياسي ، وتمّ انتخاب البارزاني مجدداً رئيساً للحزب ، وتمّ فصل 14 عضواً من أصل 18 في المكتب السياسي ، وشكّل مكتب سياسي جديد ، وقعت مناوشات عسكرية وعلى إثرها التجأ ذراع المكتب السياسي إلى ايران وليعودوا بعد عام ، وليستمرّ الصراع بين الطرفين من سنة 1966 حتى اتفاق آذار عام 1970 . وكان لهذا الانقسام تداعيات كثيرة على الحركة الكُردية منها :
– حدوث شرخ بين النخبة المثقفة والقيادة العسكرية والعشائرية داخل الحركة الكُردية وساهمت في إضعاف الحركة.
– فسح مجالاً واسعاً أمام التدخلات الخارجية خاصةً الإيرانية التي كانت تستغلّ هذه الانقسامات وتغذّيها لتسهيل تدخلاتها وتمرير أجنداتها .
– مهّدت لانقسام إقليم كُردستان إلى منطقتي نفوذ ، وجميعنا يلاحظ واقع الإدارتين حالياً .
– بدء ثقافة التخوين الداخلي واتهام كلّ طرفٍ للآخر بالإضرار بالمصالح الكُردية، والذي ترك آثاراً سيئةً على مسيرة الحركة ووحدتها . وبعد ترتيب الوضع الداخلي وإبعاد جماعة المكتب السياسي ، رفع القائد البارزاني طلب الحكم الذاتي حينها إلى الرئيس عارف ، وعلى إثر رفضه لذلك في آذار 1965 ، عاد النزاع المسلح من جديد ، حيث نشر النظام في كُردستان ما يقرب من 100000 جندي لمحاربة البارزاني والبشمركة ، بالإضافة إلى الفصائل الكُردية المتعاونة معه مثل فصيل الطالباني أحمد الذي كان قد عاد الى العراق ، ولم تحسم العملية أي أمر ، أو حتى تنجز أية مكاسب كبيرة ضد الثورة ، حاسم ، حيث لم تتمكّن الحكومة من تحقيق أي مكاسب كبيرة ضد البارزاني وقواته ، وإن استفادت كثيراً من الانقسامات الكُردية والصراعات البينية كثيراً ، حيث باشرت الحكومة بدعم فصيل الطالباني / الامر الذي أجّج الصراع البيني الكُردي ، وكان عبدالسلام عارف قد باشر بإعداد عملية كبيرة في آذار ضد مقر المارد بارزاني وأنصاره حمد التابع للحزب الديمقراطي الكُردستاني الذي دخل في القتال مع البارزاني وأنصاره ، ولكنه قُتل بتحطم مروحية في 13 أبريل 1966، الأمر الذي أدخلت القيادة العراقية في صراعٍ على السلطة ، وكان ذلك فرصة لقيادة الثورة أيضاً لإعادة التنظيم ، إلا أنّ العمليات العسكرية مالبثت أن استؤنفت صيفاً ، وبالترافق مع استلام عبدالرحمن عارف الحكم وتعهده في استمرار الحرب ، في حين كان لرئيس الوزراء المدني عبد الرحمن البزاز راي آخر ؛تمثّل في لا جدوى مطلقاً لأية عملية عسكرية ، واقترح بدلاً من ذلك عرض مشروع سلام على بارزاني ، تحتوي على بعض من مطالب الحزب الديمقراطي الكُردستاني ، وتأطّر ذلك بمسمّى”إعلان البزاز”. ولكن مع اضطرار البزاز إلى الاستقالة من منصبه في أغسطس 1966 ، تبخّر معه مشروعه أيضاً .
كان عارف يدرك ضخامة المشاكل التي سبّبتها الحرب ، لذلك قرّر زيارة البارزاني في ذلك الخريف ، والذي قبَل بدوره عرض عارف بهدنة ، وبعدها وخلال المؤتمر السادس للحزب الديمقراطي الكُردستاني الذي عُقد في نوفمبر من ذلك العام ، قرّر الحزب الديمقراطي الكُردستاني قبول شروط إعلان البزّاز ، لكنه أشار إلى أنه لا يزال يدفع باتجاه الحكم الذاتي . واستمرّ القائد البارزاني في بسط سيطرته على كُردستان العراق ، رافقها تقهقر سيطرة النظام ، الأمر الذي أوعزه النظام بسبب مشاركة قواته مع الجيش السوري في حرب 5 حزيران سنة 1967 .
ومع كلّ هذا المخاض العسكري ، وبالترافق مع انقلاب البعث عام 1968 الذي أطاح وبمؤازرة الجيش بحكم عارف واستولى على الجيش ، حيث أعاد أحمد حسن البكر إلى السلطة . ونظراً لإدراكه حجم الخسائر التي تكبّدتها العمليات العسكرية في العراق ، أعلن استعداده لبحث تسوية القضية الكُردية سلمياً . واتجه في البداية الى جماعة طالباني – أحمد في تجاوزٍ وتجاهلٍ للبارزاني ، الأمر الذي دفع بالقائد البارزاني إلى تصعيد وتيرة الأعمال العسكرية ضد قوات النظام ، فتمّ قصف كركوك في آذار / مارس 1969. وفي هذه المرحلة ، ومع استلام البعث الحكم ، وارتفاع وتيرة الصراع بين العراق وإيران الشاه ، استطاع القائد تأمين مساعدات من إيران ، وواجه بها وعملياً بمواجهات عسكرية قوية رداً على مزاعم حزب البعث وأعلامه الكاذب ، وفي دحضٍ ميداني لقواته وبياناته التي ما جلبت له سوى أكاذيب عن نصرٍ حاسم عسكرياً . وتسبّبت بعودة العمليات العسكرية في نهاية عام 1968 وحتى أواسط عام 1969.
أدركت السلطات العراقية صعوبة القفز على البارزاني وضرورة إعادة المفاوضات معه لإنهاء العمليات القتالية والصدام المسلح الذي بات يُسبّب مشكلة للسلطة الجديدة، وخاصةً بعد نجاح الحركة الكُردية في مهاجمة منشآت النفط في كركوك وإلحاق الأضرار بهذا القطاع المهم الذي يُشكّل العائد المالي المهم للعراق، ولذلك حاولت الحكومة العراقية القيام بعدة خطوات إيجابية كتعبيرٍ عن حسن نية للطرف الكُردي ، منها استحداث (محافظة دهوك) في حزيران/ يونيو 1969، ومنح الكُرد في تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام حق استعمال اللغة الكُردية لغةً رسمية في مناطقهم، وإصدار الصحف واستحداث كلية للأدب الكُردي، وفعلياً كانت لهذه الخطوات أثراً إيجابياً في التمهيد للمفاوضات التي أدّت لاحقاً إلى توقيع اتفاقية الحكم الذاتي الذي يعتبر اتفاقاً تاريخياً في العراق وإنجازاً للحركة الكُردية على مستوى العراق وعلى مستوى الكُرد في المنطقة.
من الواضح من دراسة هذه المرحلة أنّ جميع الحكومات التي تأسّست في ظلّ النظام الجمهوري تعهّدت بمعالجة القضية الكُردية وحاولت أن تضع هذا الملف في سلم أولوياتها، سواءً كان عن طريق ذكر القضية في الدساتير أو من خلال البيانات الحزبية، ولكن على الرغم من هذه النية إلا أنّ فترات الهدوء كانت مؤقتة وكان الطرف الكُردي والعراقي يفشلان دائماً في تحويل هذه التفاهمات إلى اتفاقيات طويلة الأمد ومشاريع للسلام تُنهي عصر الحروب وتفتح صفحةً جديدة في العلاقات بسبب اختلاف وجهات النظر والتدخلات الخارجية التي كانت تستغلّ هذه القضية للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق، إضافةً إلى وجود فرقٍ واضح بين طريقة تعامل الحكومة في بغداد في بداية تسلم السلطة وتغيرها لاحقاً بعد الشعور بالقوة وإمكانية معالجة القضية الكُردية معالجةً أمنية وعسكرية، وعلى الرغم من فشل الخيار العسكري في إخماد الحركة الكُردية إلا أنه كان خياراً حاضراً لدى بغداد حتى في أوقات المفاوضات، وهذا الأمر كان يؤثّر سلبياً على المفاوضات .
ومع حلول شهر أيار عام 1969 ، أعلنت حكومة البعث في بغداد عن استعدادها للتفاوض مع قيادة الثورة الكُردستانية ، حيث دخل الطرفان في مفاوضات رسمية ، وبلغت ذروتها في كانون الأول من ذات العام ، ولبيان مصداقية البعث في المفاوضات طالبهم القائد البارزاني بقطع العلاقات مع فصيل أحمد / طالباني ، والاعتراف بقيادة الثورة وفي ذات الوقت كقيادة حقيقية ووحيدة للحزب الديمقراطي الكُردستاني ، كما تمّت مناقشة شروط الحكم الذاتي. مع قيام محمود عثمان بإجراء مفاوضات نيابة عن الحزب الديمقراطي الكُردستاني ، وصدام حسين نيابةً عن الحكومة ، وتمّ التوصل إلى الاتفاق النهائي في 11 مارس 1970 . حيث اعترفت البنود النهائية للاتفاقية بالشعب الكَردي واعتبرت اللغة الكُردية كلغة ثانية مع العربية ، إضافةً إلى الإقرار بالحكم الذاتي في- ُلكُردستان العراق باستثناء كركوك وخانقين والمدن الكُردية الأخرى ، على أن تناقش وضع تلك المناطق وتوجد لها الحلول المناسبة مستقبلاً وعبر المفاوضات ، وعملياً ظلت تلك المناطق ولم تزل كمناطق متنازع عليها ، وحدّدت مرحلة انتقالية والتي خلالها قامت الحكومة بتنفيذ خطة إعادة الإعمار في كُردستان ، وسعت لتحديد وانشاء منطقة حكم ذاتي – وفق تصورها – وعيّنت خمسة وزراء كُرد في وزارات هامشية في الحكومة ، ودمجت الأكراد إلى جانب برنامج المقارنات الدولية في الجبهة الوطنية ومنحت البارزاني راتباً لإدارة الحزب الديمقراطي الكُردستاني . وخلال هذه المرحلة تواصل إبراهيم أحمد وجلال طالباني مع الحزب الديمقراطي الكُردستاني والتقوا معهم ، ومع ذلك سرعان ما بدأت العلاقات تتدهور ، بسبب ممارسات النظام التعريبية في المناطق المتنازع عليها ، خاصةً في كركوك وعدم الالتزام في تحديد المناطق المشهورة بالحكم الذاتي الحقيقي ، ووضوح نيات النظام العملي في سعيها الممنهج باستهداف الثورة والقضية الكُردية من خلال عمليات قذرة ، تجلّت وبشكلٍ واضح في عملية محاولة استهداف القائد البارزاني وذلك في شهر سبتمبر 1971 ، حيث دبر عملية منظمة من خلال وفد لرجال الدين ، والذين استقبلهم القائد في مقره ، هذا الوفد الذي كان قد زوّد أعضاؤه بحقائب ظنّوا بأنها تحتوي على أجهزة تسجيل لصالح بغداد ، وفي الواقع تبيّن فيما بعد بأنها موصولة بمتفجرات شديدة الانفجار ، ولتنفجر ولكنها تصيب القائد ، وإن أودت بحياة بعض من المشاركين الذين كانوا في الاجتماع ، ولتهيمن حالةً من الارتباك ، وليهرع الحرّاس من البيشمركة الى إطلاق الرصاص ، فقتلوا رجال الدين . وحاول سائقو الحكومة الذين قادوا رجال الدين تنفيذ عملية الاغتيال وألقوا قنبلةً يدوية استشهد على أثرها واحدٌ من البيشمركة وجرحوا اثني عشر آخر ، وعلى الرغم من قتل جميع أعضاء الوفد ومرافقيهم ، فقد كان القائد بارزاني متأكّداً بأنّ صدام حسين شخصياً كان المسؤول عن الهجوم . وللتذكير فإنّ هذه العملية ما كانت بالمطلق هي عملية الاستهداف الأولى إن لشخص القائد أو حتى أبنائه كما عملية استهداف ومحاولة تسميم الراحل ادريس البارزاني ، وغيرها من عمليات وأيضاً كان يراد منها استهداف شخص القائد وبعض من المكلفين سلّموا أنفسهم طواعيةً لجهاز – باراستن – أمن الثورة
يتبع
…
- غالبية مراجع هذا الإعداد وكالعادة مأخوذة ومقتبسة من غوغل – يوكيبيديا والمعرفة ومقالات صحفية وما شابه – وعليه اقتضى التنويه