آراء

ومن جديد المظلومية الكُردية

إعداد: ليلى قمر ووليد حاج عبد القادر

3 من 3

كما هي عادة كل النظم التي تتخذ خطوات في الحروب والأزمات ، فتتجه ظاهراً إلى مفاوضات ظاهرها جاد ، ولكنها في الصميم تكون قد أو بدأت في الترتيب لخطط تنسف بنيوياً كل الاتفاقات ، أو تتهرب وتلتف على كلّ قضايا الاتفاق دفعاً بها القفز على القضايا المعلبة واستثمارها نزفاً ، ودفعها كصواعق للانفجار ، ناهيك وهنا في خاصية كُردستان العراق وحكومة البكر – صدام ووسائلهما في إجهاض أية خطوة عملية قد تفيد في ديمومة بيان 11 آذار وتنفيذ بنود الاتفاق ، وكذلك التصعيد الممنهج في استهداف شخص القائد مصطفى البارزاني ونجله إدريس ، وكذلك السعي إلى استدراج بعض الشخصيات والقادة السياسيين لتجنيدهم ، أضف إلى ذلك ، تفسير بنود الاتفاق وفق ما يراه النظام لا التوافق ، كل هذه العوامل تراكمت وقيادة الثورة تمارس ضبط النفس ، وفي الجانب الآخر ارتفع الصوت خاصةً بعدما تمّ تحييد – تجميد احمد حسن البكر وارتفاع صوت ونجم صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة وتهديده المشهور للجانب الكُردي المفاوض لعدة مرات في أثناء الاجتماعات مابين الطرفين خلال عام 1973 م بأنّ الحكومة العراقية قد تضطرّ إلى التنازل عن نصف نهر شط العرب لصالح إيران لقاء سد الحدود الإيرانية بوجه الأكراد في العراق . هذا الأمر الذي كان يعتبره حيوياً ، ومن خلاله سد المنفذ اللوجستي الأهم وكرئة تنفس رئيسة لقيادة الثورة الكُردستانية ، وفي الواقع لقد تغيّر الموقف العربي والأقليمي كثيراً بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في أيلول من سنة 1970 ، وعلى إثره حدوث تقارب كبير بين أنور السادات وشاه إيران في سنة 1972 ، الأمر الذي وضع القيادة العراقية في موقفٍ قابل للتفاوض مع شاه إيران والتنازل له عن نصف مياه شط العرب مقابل تعاونه – نظام الشاه – في القضاء على الثورة الكُردية .

ومن الطبيعي أن يتطلّع الطرفان إلى الموقف الأمريكي الذي مالبث أن أعلن بأنها لن تتدخل لدعم الحركة الكُردية في حالة نشوب أي حرب مع الحكومة العراقية . الأمر الذي شجّع الحكومة العراقية وأدركت بأنّ أيّ حربٍ قادمة لن تكون في مصلحة الكُرد دولياً ، وذلك لانحياز الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي إلى جانب الحكومة العراقية في القضاء على الحركة الكُردية . وكان للاتصالات السرية بين الرئيس المصري أنور السادات وشاه إيران في شهر نيسان من سنة 1973 ، دور مهم في ايجاد أرضية للتفاوض ، سيما وإنّ السادات أبلغ القيادة العراقية بأنّ إيران تطالب العراق بالتنازل عن نصف مياه نهر شط العرب لها ، وهذا الأمر كفيل بالوصول إلى تسوية خلافاتهما ، وإنهاء النزاع بين العراق وإيران ، وبالتالي إغلاق إيران لحدودها بوجه الثورة الكُردية . وناور النظام العراقي مع الشيوعيبن أيضاً حيث انضمّ الحزب الشيوعي العراقي إلى الجبهة الوطنية التقديمة التي كانت بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي العراقي في شهر تموز من سنة 1973 م ، وفي شهر أيلول من نفس العام قررّ الحزب الشيوعي سحب كوادره ومقاتليه ومقراته من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الحركة الكُردية وفي شهر تشرين الأول أصدر الحزب الشيوعي صحيفته المركزية طريق الشعب بصورة رسمية وعلنية من العاصمة بغداد . وفي مطلع عام 1974 م التجأ عدد كبير من مسلحي الحزب الشيوعي إلى معسكرات الجيش العراقي وقد جرى إنشاء مقر لهم في معسكر دربندخان وتحوّلوا إلى قوة معادية للحركة الكُردية .

معرفة القيادة العراقية في بغداد من عدم امتلاك الحركة الكُردية لأية أسلحة أو معدات ثقيلة . ولعب رفض القيادة الكُردية الانضمام إلى الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بقيادة حزب البعث في شهر آب من سنة 1973 م دوراً أيضاً في زيادة حجم الخلافات .

في يوم 11 أذار – مارس من سنة 1974 م إنقطعت العلاقات بصورةٍ رسمية مابين الحكومة المركزية والقيادة الكُردية وفي بداية شهر نيسان – ابريل انسحب مقر لواء المشاة الثاني من الجيش العراقي مع فوج من اللواء من معسكره الدائم الذي كان يقع في بلدة راوندوز إلى موقع جبيل سبيلك في مدخل مضيق علي بك . وفي يوم 16 نيسان شنّت الحركة الكُردية هجوماً على معسكر الجيش العراقي في جبل سبيلك وذلك لغرض احتلال المعسكر والسيطرة على المنطقة ولكن الهجوم لم ينجح بسبب قوة التحصينات الدفاعية للجيش العراقي في المعسكر . في يوم 23 نيسان قامت الطائرات العراقية بقصف بلدة كلاله الواقعة في محافظة أربيل مما أدّى إلى مقتل 27 مدنياً وفي اليوم التالي قامت الطائرات العراقية بقصف بلدة قلعة دزة وبلغ عدد القتلى من جراء هذا القصف حوالي 120 شخصاً وبلغ عدد الجرحى حوالي 400 ( معظم الضحايا كانوا من طلبة جامعة السليمانية التي انتقلت إدارتها التي كانت تحت لواء الحركة الكُردية إلى هذه البلدة) . وفي يوم 25نيسان قصفت الطائرات العراقية بلدة حلبجة وبلغ عدد الإصابات من جراء ذلك القصف أكثرمن 140 إصابة مابين قتيل أو جريح وبعدها قامت الطائرات العراقية بقصف بلدة جوارتا ومن ثم بلدة بنجوين الواقعتين في محافظة السليمانية . في يوم 5 أيار – مايو تمكّن لواء تابع للفرقة الرابعة من الجيش العراقي من السيطرة على مضيق زاخو بعد معركة مع المسلحين التابعين للحركة الكُردية وفي نفس اليوم تعرّضت مدينة زاخو لقصف من قبل الطائرات العراقية مما حملَ المسلحين التابعين للحركة الكُردية ومعهم معظم الأهالي على الخروج من المدينة وبذلك تمكّن الجيش العراقي من السيطرة على زاخو خلال شهر حزيران – يونيو تمكّنت قوات الجيش العراقي من السيطرة على سهل أربيل وعلى مرتفعات جبل سفين بدون مقاومة جدية من قبل مسلحي الحركة الكُردية . وفي يوم 8 آب فشل هجوم للجيش العراقي قاده اللواء الركن إسماعيل تايه النعيمي قائد الفرقة الثانية على بلدة راوندوز في محافظة أربيل . وفي يوم 20 آب تمكّنت قوات الجيش العراقي من السيطرة على البلدة بدون مقاومة نتيجة عدم وجود أي قوة من المسلحين التابعين للحركة الكُردية في المنطقة وكذلك قيام الجيش بشق طريق جبلي ورفع الأحجار والصخور الموجودة سهّل للجيش السيطرة على البلدة بسرعة وبعدها قامت الحكومة المركزية بنقل الإدارة المدنية إلى البلدة وقامت بتعيين قائمقام للبلدة كذلك .

وفي نفس اليوم سقطت بلدة قلعة دزة الواقعة بمحافظة السليمانية بيد الجيش العراقي وخلال شهر أيلول – سبتمبر اشتدّت المعارك مابين قوات الحركة الكُردية وقوات الجيش العراقي وفي يوم 23 أيلول سقطت طائرة عراقية من نوع ميغ 19 في منطقة برزيوة القريبة من بلدة راوندوز وتمّ أسر قائد طائرة الميغ الملازم الأول صفاء جلال . في يوم 3 أيلول وبعد تمكّن قوات الجيش العراقي من السيطرة على بلدة راوندوز وعلى بلدة ديانا القريبة منها هاجم اللواء الثالث من الجيش بقيادة العقيد الركن حامد الدليمي على كرو عمر آغا القريبة من بلدة ديانا ولكن الهجوم لم ينجح وبلغت خسائر الجيش العراقي من جراء ذلك الهجوم أربع دبابات ومقتل 230 جندياً .

في شهر أيار – مايو من سنة 1974 أي بعد شهر من استئناف المعارك مابين الحكومة العراقية والحركة الكُردية أرسلت إيران بطارية مدفعية لمقاومة الطائرات إلى قرية حاج عمران لحماية المنطقة من قصف طائرات القوة الجوية العراقية كما أنّ للمنطقة أهمية أخرى حيث يقع مقر قيادة البارزاني فيها . وفي شهر أيلول – سبتمبر طلب البارزاني من شاه إيران دعم وإسناد الجيش الإيراني للحركة الكُردية لحماية المنطقة من تقدم الجيش العراقي فيها وفي يوم 2 تشرين الأول من نفس السنة وصلت إلى منطقة بالك بكُردستان العراق كتيبتا مدفعية إيرانيتان (عيار 130 ملم) . وقد ساعدت هذه المدفعيات الإيرانية من التخفيف من قصف الطائرات العراقية للجبهة الكُردية واستطاعت هذه البطاريات إسقاط طائرة عراقية من نوع هنتر في منطقة راوندوز وفي يوم 14 كانون الأول تمّ إسقاط طائرة عراقية أخرى من نوع (بادجر TU16) في منطقة جومان وقتل طاقم الطائرة الذي كان مؤلفاً من أربعة أشخاص وفي اليوم التالي تمّ إسقاط طائرة من نوع ( سوخوي – 7 ) في منطقة برزيوة قرب بلدة راوندوز . وقد ساهمت هذه البطارية في إنزال الخسائر بالمواقع العسكرية في منطقة راوندوز ودمّرت قسماً من مخازن السلاح التي كانت في بلدتي راوندوز وديانا . وبعد يوم 22 تشرين الأول – أكتوبر بدا قادة كلا الكتيبتين الايرانيتين بكتابة التقارير إلى قيادة عمليات الجيش الإيراني حول وضع القتال مابين الحكومة العراقية والحركة الكُردية وتمّت الإشارة في التقارير إلى أنّ مقاتلي الحركة الكُردية لا يقاتلون بصورة جدية ويحاولون الاعتماد على الجيش الإيراني في الحرب .

استمرّت العمليات العسكرية بشكل إيجابي لصالح الحركة الكُردية وتكبّدت قوات الحكومة العراقية خسائر فادحة جراء هذه المعارك وهذا مادفع الحكومة العراقية إلى عقد اتفاقية مع إيران برعاية الرئيس الجزائري هواري بومدين وذلك لوقف الدعم الذي كانت تقدّمه إيران للحركة الكُردية ضد الحكومة العراقية . وفي 6 آذار / مارس من سنة 1975 تمّ عقد الاتفاقية وذلك بحضور كلٍّ من صدام حسين ( نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق ) وشاه إيران محمد رضا بهلوي حيث تنازلت العراق بموجب هذه الاتفاقية عن نصف شط العرب لصالح إيران مقابل وقف دعمها للحركة الكُردية في كَردستان ، وبعد التوقيع على الاتفاقية توقّف الدعم الإيراني للحركة الكُردية المسلحة ولكن على الرغم من ذلك فقد استمرّ القتال بين الطرفين واحتفظت القيادة الكُردية حينها بثلاثة مراكز قيادية وهي :

منطقة بالك ( حاجي عمران ) شرق محافظة أربيل بقيادة نجلي الملا مصطفى البارزاني إدريس ومسعود.

منطقة بنجوين والتي تقع شرق محافظة السليمانية بقيادة الراحل نوري شاويس ( عضو المكتب السياسي ) .

مناطق بهدينان والتي كانت تشمل محافظتي دهوك ونينوى بقيادة صالح اليوسفي .

في يوم 7 أذار أي بعد يوم واحد من توقيع الإتفاقية مابين العراق وإيران استطاع الجيش العراقي السيطرة على سلسلة جبل زوزك بكامله الذي يقع بالقرب من بلدة راوندوز وفي نفس اليوم شنّ الجيش العراقي هجوماً على جبل هندرين إلا أنّ الهجوم باء بالفشل وقامت إيران بنفس اليوم بسحب جميع المضادات الجوية والمدفعية والتي سبق وأن أرسلتهم بغية دعم قوات الحركة الكُردية وتمّ سحب محطة الاتصال اللاسلكية الإيرانية من منطقة القيادة الكُردية وجرى وضعها في بلدة بيرانشهر الإيرانية المتاخمة للحدود مع العراق عند منفذ حاج عمران الحدودي وفي يوم 11 أذار من سنة 1975 التقى شاه إيران محمدرضا بهلوي بزعيم الحركة الكُردية الملا مصطفى البارزاني في طهران حول تداعيات الاتفاقية التي جرت مابين العراق وإيران وفي اليوم التالي عاد البارزاني إلى كُردستان العراق . وفي يوم 19 أذار قرّر الزعيمال بارزاني إنهاء المقاومة الكُردية بصورة مفاجئة والالتجاء إلى إيران . وفي يوم 25 أذار غادر البارزاني كُردستان العراق متوجهاً إلى إيران .

وفي العموم لقد كانت حرب عام 1974 غير متكافئة ضد الجيش العراقي ، الأمر الذي أدّى في النهاية إلى الانهيار السريع للثورة مجرد إغلاق ايران لحدودها ووقف الإمدادات العسكرية خاصة افتقار البيشمركة للأسلحة المتطورة والثقيلة ، ولتنتهي الحرب مع انتقال القائد البارزاني مع مجاميع كبيرة من الكُرد إلى ايران ، ولينتهي القتال في تلك الفترة الزمنية ، تلك الحرب التي خلّفت خسائر بشرية من 7000 إلى 20000 من كلا الجانبين .

ومع انسحاب الكُرد إلى ايران باشرت السلطات العراقية بتنفيذ حملة تعريب كثيفة في كُردستان العراق ، ورغم ممارسات القمع والقتل والتهجير ، وفي رد عملي رغم حجم النكسة وانعكاسها الكارثي ، لم يستكن الكُرد ، بل سارعوا في التقاط النفس ، ولم تلبث أن بدأت بعض من المظاهر العسكرية وعمليات نوعية استهدفت قوات النظام العراقي الذي أخذ يتبع سبيل التدمير الممنهج من خلال إفراغ الجبال من قراها وتدميرها وختم الآبار والينابيع وإجبار الجبليين بانزالهم الى السهول حيث أثبتت المنظمات الإنسانية تدمير المئات من القرى ، وإتلاف كلّ بنى الإستقرار والمعيشة وكذلك التغيير الديموغرافي ، الأمر الذي دفع ببعض من القيادات أمثال جلال الطالباني بالبحث عن سبل إيجاد أرضية تحدّ من عربدة النظام العراقي ، فكان نواة انطلاقة عمليات عسكرية جديدة بقيادة الاتحاد الوطني الكُردستاني ( 1976-1979 ) ، تلك العمليات والتي انطلقت بشكل خفيف في البدء ، وكانت أشبه برسائل إنذار وإثبات بوجود عمليات عسكرية على الأرض ، وأنّ هناك قوات لاتزال موجودة على الأرض ، وبالفعل قاموا ببعض العمليات ، إلا أنّ الافتقار إلى الدعم الأجنبي ، دفعهم للعمل في أعالي الجبال الشاهقة بكُردستان العراق .

لقد مارست قوات النظام البعثي أعتى حملات التعريب في كُردستان ، ونفّذت تهجيراً قسرياً وتعريباً ثقافياً بحق الشعب الكُردستاني باقلياتها ( الأكراد واليزيديين والآشوريين والشبك والأرمن والتركمان والمندائيين ) ، ووائمتها – تلك الممارسات – بما يتماشى مع السياسات الاستعمارية الاستيطانية التي قادتها الحكومة البعثية في العراق منذ الستينيات إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، من أجل العبث وخلخلة التركيبة السكانية في شمال العراق وكُردستان ، وليضفي الهيمنة العربية في المنطقة ، انخرط حزب البعث في عهد صدام حسين في حملة ممنهجة لطرد الأقليات منذ منتصف السبعينيات فصاعداً من مناطقهم ، وشنّت حملات منظمة أثناء الصراع البعثي – الكُردي ، وسعى بكل السبل الى اضفاء الطابع العرقي عليها وإظهارها كصراع عربي – كُردي . أو كما يشار الى هكذا انماط من السياسات وبإسم -الاستعمار الداخلي – الذي وصفه الدكتور فرانسيس كوفي أبيو واطلق عليه مسمى ( برنامج التعريب الاستعماري ) ، بما في ذلك عمليات الترحيل الجماعية للكُرد وتوطينهم في الجنوب ورافقها عملية توطين قسرية للعرب في كُردستان ، وكذلك عمليات الأنفال وتصفية المئات رمياً بالرصاص ، الأمر الذي أثبتته عشرات المقابر الجماعية لأسر كاملة ودفنهم جماعياً ..

– يتبع

….

غالبية المعلومات نقلاً عن مراجع من غوغل ويوكيبيديا والمعرفة ومقالات صحفية متنوعة ..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى