آراء

• ومن جديد : المظلومية الكُردية •

إعداد : ليلى قمر و وليد حاج عبدالقادر / دبي
قسم ب / 4

بعد مؤامرة الجزائر الغادرة في آذار 1975، والاتفاق بين نظام بغداد المحرم وشاه ايران المقبور ، وما رافق ذلك من صمتٍ دولي مريب ، تمادى نظام البعث الفاشي في ارتكاب جرائم فظيعة بحق أبناء شعب كُردستان ، وقابل ذلك ، مثلما رأينا في القسم السابق إصراراً من مناضلي شعب كُردستان وقواها، ومالبثت المبادرات واللقاءات أن أوجدت أرضية للانطلاقة وبأية شكلٍ رغم قساوة النكسة وفظاعة جرائم النظام وجحوشه الذين استهدفوا وبشكلٍ ممنهج تدمير البيئة الكُردستانية وبنيتها والقضاء على كلّ وسائل إمكانية العيش والاستقرار، حيث دمّروا الآبار وأحرقوا الغابات والحقول ببساتينها وكذلك هدموا الكهوف ، ومع كلّ تلك الممارسات، لم يلبث المخلصون من أبناء هذا الشعب في تفعيل جهودهم والسعي إلى انطلاقة عملية ، فتنادوا إلى تأطير البنى الحزبية مقلما رأينا في القسم السابق ، وبدأت ملامح عودة وتنشيط الحزب الديمقراطي الكُردستاني ، حيث عاد الحزب في نهاية عام 1975 إلى نشاطه في الساحة السياسية.

وتأسّست قيادة مؤقتة لها بقيادة السيدين مسعود وأدريس البرازاني والسيد سامي عبد الرحمن، وفي عام 1977 تأسّس توجه آخر باسم اللجنة التحضرية للحزب الديمقراطي الكُردستاني أيضاً برئاسة الدكتور محمود عثمان، وكثر حينها بهذا الخصوص اللغط وأيضاً تفسيرات متعددة ، أوعزها بعضهم لدوافع شخصية أو بتحريض من الدول الأقليمية أو بالتدخلات الخارجية، ومن البديهي ان ينشرح لهذه الخطوات التجزيئية داخل جسد الحركة ، كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا ، والتي تعاونت وبذلت مجهودات كبيرة لتشتيت وإضعاف وتهميش الحركة الكُردية والحدّ من إمكانية إعلان ثورة كُردية شعبية موحدة قوية كما كانت سابقاً ، وبذلت جهوداً كبيرة في زيادة الهوة بين الأحزاب والتكلات الكُردية التي ظهرت ، وبشكلٍ علني أو سري ، لابل مارست كلّ جهودها في الدفع صوب الاقتتال الأخوي وتسعير نار الفتن بينيا كيلا يستطيع أي حزب واحد وبمفرده من السيطرة على الساحة السياسية والعسكرية ويكتسب القوة والاستمرار ، وكانت الأجواء حينها وبسبب النكسة عاملاً مساعداً في خلق هكذا مشاكل كما وتسعير الخلافات للأسف ، كما وظهر طموح لدى بعض القيادات للاستحواذ على السلطة وملء الفراغ الذي تركتهُ القيادة السابقة ..

وبذل كلٌ طرف جل امكاناته للاستحواذ على الآخر وبالتالي القيادة . وفي هذا الجانب يقول علي سنجاري في خاصية تدخل الدول الإقليمية ( .. أخذت بعض الدول الأقليمية تتدخل في هذا الصراع وكلٌّ حسب مصالحه وحساباته السياسية وأهدافه المعادية للكُرد وكُردستان والبعض يشجّع هذا الطرف ضد الطرف الآخر وتقديم بعض الدعم للطرفين في آنٍ واحد وبخاصة إيران .. ) .

ومع كلّ هذه المخاضات وسعي جميع الأطر الكُردستانية إلى إثبات الوجود وإظهار الوجود العسكري تمّ إرسال مجموعات عسكرية من البيشمركة ، الأمر الذي بدا يعطي نتائجه ، وان كانت انطلاقة إثبات وجود ، يقول الأستاذ شكيب عقراوي : في بداية عام 1976 أرسل الزعيم مسعود البارزاني كلا من جوهر نامق وكريم سنجاري ألى هذه المنطقة لغرض إنشاء مقر في إحدى القرى الواقعة على الحدود مع كُردستان العراق للقيام بنشاط سياسي وعسكري فيها ، وبعد وضع مقر للحزب الديمقراطي الكُردستاني ( القيادة المؤقتة ) في تلك المنطقة داخل أراضي الدولة التركية المجاورة لمنطقة ( برواري ) بقضاء العمادية حيث سيطر مقاتلو الحزب الديمقراطي الكُردستاني على منافذ العبور والطرق التي كانت تربط ولاية هكاري بكُردستان العراق ، والتي عدّت حينها من المنافذ الرئيسية لتسلل حركة الثوار الأكراد والنشاط السري إلى كُردستان العراق . وكأية حالة ثورية بصفتها العسكرية تستذكر الجماهير في تلك المرحلة المواجهات الصعبة والتي أثّرت كثيراً في نفوس الشعب الكُردي ، حيث كانت واقعة هكاري الأشبه بحرب أهلية ، ففي صيف عام 1978 مرّت الحركة الكُردية بمحنة كبيرة نتيجة الصراع والاقتتال الداخلي الذي حدث بين القيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكُردستاني وبين مجموعة من قيادات الحركة الاشتراكية الكُردستانية ، التي كانت حينها ما زال البعض من قياداتها على توافق شكلي مع الاتحاد الوطني الكُردستاني ، فتوجّهت قوة كبيرة بقيادة علي عسكري ود. خالد سعيد وحسين بابا شيخ والملازم طاهر علي والي وسيد كاك ومجموعة من القياديين والبيشمركة من السليمانية وأربيل نحو منطقة بادينان في محافظة دهوك وفي جنوب غرب تركيا ( هكاري ) وذلك من أجل الحصول على بعض الأسلحة التي كانت تأتي عن طريق سوريا عبر الحدود، ويقول الأستاذ كفاح حسن عن هذه الحادثة : ( كانت مشكلة فصائل البيشمركة وقتذاك شح السلاح والعتاد ، فعرض جلال على دكتور خالد الذهاب مع مفرزة كبيرة من سوران إلى هكاري لجلب وجبة سلاح من هناك. وسارع دكتور سعيد فرحاً لجمع البيشمركة في مفرزة كبيرة لجلب السلاح ..

وفي نفس الوقت وصل خبر إلى مفرزة القيادة المؤقتة في بادينان بقيادة إدريس البارزاني وسامي عبد الرحمن بأنّ مفرزة كبيرة معادية من سوران في طريقها إليهم وعليهم المسارعة بضربها . وكانت معركة هكاري غير المتكافئة، والتي إستشهد فيها ببطولة دكتور خالد ورفاقه. معركة أزاحت من أمام جلال منافس كبير على الزعامة ) .

أما الأستاذ شكيب عقراوي فقد كتب : أما الأستاذ صالح اليوسفي فكان يقيم في بغداد في ذلك الوقت وبصورة عملية فإنه لم يستطيع التدخل لمنع الحرب الأهلية . كما أنّ الحركة الاشتراكية الكُردستانية في ذلك الوقت كانت تعمل بالتعاون مع الأتحاد الوطني الكُردستاني . ولم تأخذ قيادة الحركة الاشتراكية الكُردستانية موافقة صالح اليوسفي حول موضوع الهجوم على مقر الحزب الديمقراطي الكُردستاني في منطقة هكاري في شهر حزيران 1978 . ويمكن الاستشفاف من خلال تصريح الأستاذ شكيب ، بأنّ تلك القيادات في الحركة التي جازفت من خلال هذه المحاولة ، لم يأخذوا برأي السيد اليوسفي واستعجلوا في قرارهم وبتشجيع وتحريض من جهات وقيادات أخرى ..

وللحق والتاريخ ، فقد بدأت تجربة الكفاح المسلح وحركة الأنصار الشيوعين في كُردستان العراق بين عامي 1978 ـ 1988 تتصقل وتتوسع ، والإرهاصات الأولى للتفكير أخذت تتبلور من منتصف السبعينات.. حيث برزت أفكار وميول فردية بين التنظيمات الشيوعية في محافظة نينوى وغيرها من المنظمات في بقية المحافظات .. بالضد من مواصلة نهج التحالف مع البعث وسلطته الإجرامية .. وحسب الكاتب صباح كنجي الذي وثّق وبحرفية مجريات الاحداث وتطوراتها وللأمانة سنوضع كلّ المقتبسات من موضوعه داخل قوسين : ( فقد كانت للممارسات القمعية الموجّهة ضد الشعب الكُردي والثوار الأكراد قبل وبعد عام 1975 .. بالإضافة الى قمع المحتجين في الجنوب والوسط شباط عام 1977 .. التي ترافقت مع اغتيالات وتجاوزات على الشيوعيين واعدام كوكبة من الشباب الرياضيين في ايار 1978.. وما أعقبها من حملة ملاحقات واعتقالات واسعة النطاق شملت بغداد وبقية المحافظات العراقية .. هذه السياسة وهذا النهج شكّلا جوهر سياسة البعث السافرة والنظام الدكتاتوري القمعي الذي تمادى وتفنّن في ارتكاب جرائمه البشعة وملاحقته للآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين وبقية التيارات السياسية المناوئة لسلطته الجائرة .

هي الأسباب المباشرة التي دفعت مجموعة منا للاختفاء والتوجه لتبني الكفاح المسلح كأسلوب من أساليب النضال .. وكانت الشرارة الأولى عبر مجموعة توجّهت للاختفاء في كند ـ هضبة دوغات وختارة ـ منتصف عام 1978ـ تجاوز عددهم الـ 45 مناضلاً قرّروا عدم الاستسلام ومواجهة قمع النظام بينهم الطلبة والعمال والفلاحين وعدد من الموظفين.. ممن نسّقوا فيما بينهم .. وقادهم ثلاثة من اعضاء اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في الموصل هم كل من:

1ـ علي خليل عيسى ـ ابو ماجد ..
2ـ جوقي سعدون ـ ابو فؤاد ..
3ـ خديدا حسين فليبوس ـ ابو داود ..

وكان يجري التنسيق بينهم وبين توما توماس سكرتير اللجنة المحلية وابو عمشة ـ حسين كنجي السكرتير الثاني لها .. الذي توارى عن الأنظار و اختفى في بيت ابو جوزيف داخل القوش في ذلك الوقت ..

من هذه المجموعة التي جرى تفريقها خوفاً من تعرضها لإنزال جوي محتمل.. توجّه عدد منهم للاختفاء في بغداد وتمكنوا مع مجاميع أخرى من الشباب والطلبة من شق طريقهم نحو اربيل ودشت كويسنجق بداية عام 1979 ليشكلّوا نواة حركة الانصار .. حينما انطلقت في 21/3/1979 مسيرة اول مفرزة شيوعية قوامها 25 نصيراً من مقر اربيل نحو مناطق كويسنجق..
كان قد سبقهم في التواجد بين تلول هضبة كويسنجق .. بالتنسيق مع مفرزة صغيرة تابعة للحركة الاشتراكية الكُردستانية بقيادة قادر مصطفى كل من المناضلين : 1 ـ مام كاويس 2 ـ ابو جنان ـ نجيب حنا من عينكاوا 3 ـ درويش جمعة شيرو من بعشيقة .. الذي كان قد خاض قبلها بالتنسيق معي تجربة التوجه الى السليمانية في تشرين الأول عام 1978 .. لأجل ايجاد منفذ الى جبال كُردستان .. ولم تكلّل جهودنا بالنجاح فعدنا منفردين الى بغداد من جديد.. ومن ثم بدأ التحرك ثانيةً الى اربيل .. بعد أن نسق توما توماس وابو عمشة وابو سربست ـ صبحي خضر حجو من محلية نينوى .. مع المجموعات المتخفية في بغداد ..

كان انطلاق هذه المجموعة من اربيل داخل العراق .. بالتوازي مع أعداد اخرى .. وتمكّنت من الوصول الى مناطق قره داغ بقيادة احمد باني خيلاني .. ومجموعة ثالثة من السليمانية واربيل.. دون أن نغفل عدداً من العناصر النسائية والفتيات الأوائل ( بخشان زنكنة ـ ام بهار .. و صنوبر ـ روناك من السليمانية .. وبري و بروين بنات عزيز محمد .. وبرشنك و شقيقتها من عينكاوا و أم سليم زوجة كريم احمد .. والصحفية فاطمة المحسن .. ولينا من بغداد .. وعدد آخر من المناضلات ) .، ممن تمكّنوا من الوصول الى الحدود العراقية ـ الإيرانية في مناطق ناوزنك ، التي يتواجد فيها مقر صغير للسكرتير العام للاتحاد الوطني الكُردستاني ـ جلال الطالباني وعدد من اتباعه لا يتجاوز عددهم 60 مقاتلاً .. بالإضافة الى مجموعة تابعة للحركة الاشتراكية الكُردستانية ـ البزوتنوا .. التي كان يقودها من بغداد الفقيد صالح اليوسفي عددهم لا يتجاوز الـ 80 مقاتلاً ..

اما الحزب الديمقراطي الكُردستاني فلم يكن له تواجد عسكري في كُردستان حينها .. والمجموعة المتواجدة في مقر كوماته ـ بهدينان.. كانت تنشط باسم القيادة المؤقتة المنفصلة عن الحزب الأم بعد نكسة 1975 بقيادة سامي سنجاري في حينها .. وفي أطراف هذه المواقع كان ثمة تواجد لشخصيات ايرانية هاربة من ملاحقة قوات الخميني الذي بدأ يطارد الأكراد والشيوعيين ولجأ بعضهم للحدود .. كان ضمنهم مجموعة من كوادر حزب توده التحقوا بنا ونسبوا الى سرية نينوى في موقع كاني بوق .. وكذلك المناضل عبد الرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكُردستاني بالإضافىة إلى شخصيات مستقلة ومجاميع من المهرّبين الذين يتاجرون بين البلدين .. كانت الأشهر الأولى و ما تلاها بالنسبة لنا هي سنة إعداد وتهيئة مستلزمات الكفاح المسلح من سلاح وعتاد ومواد غذائية .. بالإضافىة إلى تشكيل المحطات على طول الشريط الحدودي في محور ثلاث دول معادية للأنصار هي تركيا وايران والعراق .. إذا استثنينا سوريا.. التي أعلنت عدم عدائها لنا و ساهمت في تسهيل مرور السلاح إلينا من اطراف في المقاومة الفلسطينية .. خاصةً الجبهة الديمقراطية .. الجبهة الشعبية.. تنظيم فتح بقيادة ياسر عرفات .. الذي قدّم للحزب مبلغ مليون دولار أيضاً من مبلغ 9 ملايين دولار كان قد استلمها من صدام حسين .. قائلاً بسخرية :

ـ خذوا هذا المبلغ .. هذه حصتكم من أموال الشعب العراقي التي يبعثرها صدام حسين .. كما تمكّنا من الحصول على قطعٍ من السلاح من ايران.. وأيضاً تمّ دعمنا بـ 60 بندقية برشوت من البنادق التي استلمها المناضل قاسملو سكرتير الحزب الديمقراطي الكُردستاني في ايران ـ حدكا من النظام العراقي عبر احد الضباط المكلفين بالتنسيق مع المعارضة في ايران .. التي أخذ يدعمها ويمدّها بالمساعدات والسلاح النظام العراقي ..

وقدّم الاتحاد الوطني دعماً محدوداً لكنه مهم في حسابات تلك الأيام تمثّل بـ 6 بنادق كلاشنكوف .. بالإضافة الى القطع المحدودة التي كان قد خبّأها البعض من الشيوعيين في قرى كُردستان .. أو الذين بادروا لبيع ممتلكاتهم وشراء قطع من السلاح من المناضلين الفلاحين الأكراد .. وأذكر أحدهم كان قد باع بقرته ليشتري بها كلاشنكوف كان يتمنطق به بزهو في تلك الأيام .. وبقي شريان السلاح الرئيسي لنا من المقاومة الفلسطينية عبر محطة القامشلي .. التي تواصل انطلاق مفارز الطريق منها بعد أن كلفت بمهمة نقل السلاح بما فيه بنادق الكلاشنكوف و الدوشكات والمدافع ورشاشات العفاروف و الـ ار بي جي وعدد من الصواريخ الموجهة للطائرات من نوع سام 6 المحمول على الاكتاف .. وأعتقد وصلنا 8 ـ12 صاروخ بقت في المقرات القيادية دون استخدام للأسف ..

بدأت المفارز الأولى في التحرك من المقرات في ( ناوزنك و توجله ) نحو المدن والتجمعات العراقية صيف عام 1979 .. واستشهد نصيران في منطقة ( جوار قورنة ) هم شيخه رسول وعلي بچكول في كمين للجيش والجحوش نهاية ربيع 1979 .. وكان قد سبقهم استشهاد اول رفيقين من الملتحقين هم خليل سمو خلو ـ ابو فاله عضو محلية نينوى وكواش خدر علي ـ ابو سمرة عضو لجنة قضاء ومسؤول الشغيلة في مقر اللجنة المركزية ـ بغداد وكلاهما من مدينة بحزاني في سهل نينوى .. وتوجّهت أول مجموعة إلى بهدينان من 15 نصيراً ومعهم 25 بيشمركة من الحزب الديمقراطي الكُردستاني الذي أنهى مؤتمره التاسع في مدينة زيوا الإيرانية واتخذ قرار العودة الى ارض الوطن وكانت مجموع القوتين 40 مقاتلاً نصفهم بلا سلاح تحرّكوا من زيوا بتاريخ 15/11/1979 متوجهين للمثلث العراقي ـ التركي ـ الايراني.. مخترقين سلسلة قرى كُردية قدم ساكنوها مساعداتها لنا لضمان عبورنا بسلام .. وتمكّنا من الوصول إلى كوماته بعد رحلة شاقة وصعبة في 15/12/ 1979 وكان قد سبقنا إليها مجموعة من الأنصار القادمين من سوريا.. عددهم بحدود 30 نصيراً غالبيتهم من المحافظات الجنوبية و بغداد .. كانوا في حالة صعبة .. بلا سلاح ولا مواد غذائية.. إلاّ الشحيح منها.. وشكّل وصول الرفيقات منعطفاً جديداً في مسار الحركة تمثّل بوصول دفعات من النصيرات الى مقر كوماته في بهدينان كان أولهن ام عصام ومجموعة كبيرة من الأسماء ممن لعبن دوراً مهماً في حركة الانصار أذكر منهن النصيرات ( عائدة .. سلمى.. دروك .. ام عهد .. ام طريق .. ام ريم .. ام لينا .. عشتار.. منال .. ليلى من البصرة.. انسام.. وقائمة طويلة من الأسماء ) ممن تواجدن في المفارز الجوالة واشتركن في عمليات بطولية لاحقاً ..

في ربيع عام 1980 بدأت المفارز الأولى للحركة تنطلق نحو العمق متجاوزة 40 كيلومتراً بالعرض خالي من السكان ولا يتواجد فيه إلا الجيش المنتشر في المقرات والربايا العسكرية مدعوماً بحركة طيران وشبكة عملاء في كافة القرى والمدن .. ممن أجبروا على الإبلاغ عن أي تحرك للبيشمركة والأنصار الشيوعيين .. وكان كل مختار مجبراً على التردد لدائرة الأمن .. أو الاتصال بضابط المعسكر القريب منه لنقل المعلومات عن اية تواجد للثوار في منطقته .. رغم كلّ الأوضاع الصعبة تمكّنا من الوصول الى سهل نينوى .. بدأنا نشاطنا العسكري فيه منتصف عام 1980.. أعقبها أول عملية عسكرية كبرى شملت ضرب مقر فوج اشكفتي و بلمباس بقوة مشتركة من الشيوعيين وبيشمركة حدك.. أدّت إلى اقتحام عدد من الربايا وسقوط المعسكر و انسحاب الجيش بشكلٍ نهائي من المنطقة التي تحرّرت من أي تواجد عسكري للسلطة لغاية الأنفال عام 1988 ولم نقدّم إلا جريحاً واحداً ـ يونس ـ من الحزب الديمقراطي الكُردستاني الذي رافقته الى مقر كوماته للعلاج مع عدد من الانصار .. ومع اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية تواصلت الإلتحاقات في صفوف الانصار والبيشمركة وأصبحت مجاميع رافضي الحرب تتواجد في كافة القرى والمدن .. مما ساعدنا على التحرك والتواجد في العمق حيث تمّ فتح مقر مراني نهاية عام 1981 بين شعاب جبل كارة من قبل السرية الأولى المستقلة التي يقودها ابو نصير ـ لازار ميخو وتحولت فيما بعد للفوج الأول .. وأصبحت المفارز تتجول في أطراف دهوك وسهل نينوى وتمكّنت من الوصول إلى مناطق عقرة و الزيبار .. وكذلك الحال في قاطع اربيل والسليمانية وكركوك .. وكانت اربيل تشهد دخول مفارز الأنصار الشيوعيين بشكل يومي .. أما كويسنجق وزاخو وشقلاوة والعمادية و سرسنك وبامرني و راوندوز والمجمعات في أطراف كركوك و نوچول وحلبچة والعشرات من المدن والتجمعات الكبيرة فكانت لا تخلو من تواجد الأنصار الشيوعيين وغيرهم . كان الأمل أن يجري التنسيق بين الأطراف السياسية الفاعلة ( الحزب الشيوعي .. الديمقراطي الكُردستاني ـ الاتحاد الوطني الكُردستاني ـ الحزب الاشتراكي الكُردستاني ) وغيرهم من القوى الكُردستانية الجديدة التي نشأت أو انفصلت من أحزاب سابقة لها .. لكننا دخلنا في مطب الخلافات والصراعات الجانبية ..

كانت كارثة بشتاشان في الأول من ايار 1983 .. وما رافقها من خسائر فادحة لحقت بالشيوعيين ونزوح قوات الاتحاد الوطني الكُردستاني للتفاوض مع النظام الدكتاتوري .. أعقبها في الجولة الثانية في ايلول من نفس العام الخسائر الأخرى التي فاقت خسائر بشتاشان الأولى حينما قرّرت مجموعة الأحزاب التصدي لقوات اوك ( الحزب الشيوعي وحدك والاشتراكي ) لكن القوة التابعة للحزب الديمقراطي الكُردستاني انسحبت ولم تشترك بالقتال الفعلي وكانت مواقع الاشتراكي أضعف من أن تؤدّي دوراً فعالاً في مواجهة اوك .. الذي انفرد بالشيوعيين و لاحقهم .. وكانت المجموعة المرسلة من بهدينان الضحية الكبرى في هذه المغامرة الجديدة التي أدّت لخسائر كبرى ساهمت في خلق وضع جديد داخل صفوف الأنصار الشيوعيين .. وخلخلت أوضاع الحزب القيادية .. و كان البعض منهم أصلاً غير مقتنعاً بالكفاح المسلح واستغلها ليوظّفها في الصراع السياسي من أجل إسقاط الخصم وأعقبها موجة من الأنصار الذين قرّروا الانسحاب ومغادرة كُردستان .. وبعضهم قرّر الابتعاد عن الحزب واعتبر وجوده في هكذا أجواء حماقة ..

لم يتجاوز الحزب هذه الخسائر ويتمكّن من العودة لساحات الكفاح ومواجهة الدكتاتورية من جديد بشكلٍ فعال.. إلا بعد سنة ونصف من هذه الكارثة .. ومع نهاية عام 1985 شهدت كُردستان نمواً جديداً لحركة الأنصار وعادت قوات الاتحاد الوطني الكُردستاني لممارسة دورها في قتال الجيش والقوات التابعة للنظام . ومع حلول عام 1986 بدأ التخطيط لعمليات كبرى .. تمثّلت باحتلال مواقع ومقرات أفواج وألوية ونواحي مهمة في بهدينان وسوران .. وكان احتلال مقر فوج بامرني والمطار .. ومن ثم احتلال ناحية مانكيش ومن ثم نوجول في أطراف كركوك .. وغيرها من العمليات الكبرى نقطة تحول في مسار الحركة التي توسّعت وأخذت تستقطب المزيد من الثوار وأصبحت المشافي الانصارية وحركة الأطباء بين المفارز والنشاطات الاعلامية والمحطات الإذاعية مدار حديث الناس ليس في كُردستان بل في مناطق الوسط والجنوب . الأمر الذي دفع بالنظام الدكتاتوري ليعيد حساباته .. ويعدّ العدة لإنهاء حركة الأنصار والبيشمركة من خلال حسابات جديدة تمثّلت باستخدام الأسلحة الكيماوية وزجّ المزيد من العملاء في صفوف الحركة واستهداف قادتها .. والتنسيق العسكري مع الدول المجاورة .. وزجّ أفواج الجحوش الذين وصل عددهم في كُردستان الى 498 فوجاً ينتسب إليها أكثر من نصف مليون جحش مجند تحت أمرة رؤساء العشائر .. على سبيل المثال فإنّ ناحية برزنچة التي لا يتعدّى عدد العوائل فيها على 500 عائلة حينها .. كان يتبعها 13 فوج للجحوش من القرى المجاورة ..

وبلغ أعداد الجحوش في هذه الأفواج من 800 ـ 4000 فرد لكلّ تشكيل كلّفوا بالإغارة على مناطق كُردستان بمرافقة تشكيلات صغيرة من الجيش وكانت جريمتهم الكبرى في عمليات الأنفال حيث تمّ زجهم في عمليات التخريب والتهجير والتدمير .. التي شملت كافة المناطق وساهموا بشكلٍ فعالٍ مع الجيش في حرق وتدمير كُردستان .. كانت الأنفال نقطة التحول الخطيرة التي أدّت إلى انسحاب قوات الانصار والبيشمركة أمام الجيش المهاجم .. الذي عاد من جبهات القتال مع ايران فوراً بعد إعلان توقف إطلاق النار في 8 / 8 / 1988 ليواصل بقية فصول الأنفال التي بدأت في شباط آذار من عام 1988 في مناطق كركوك و كرميان وانتهت في أب ـ ايلول 1988 في بهدينان بخسائر مادية وبشرية فادحة تسبّبت بمصائب وكوارث لا تعدّ ولا تحصى تركت جراحها وآثارها النفسية البليغة لليوم .. منها خسائر مجموعة مراني للأنصار الشيوعيين .. التي شملت أكثر من 250 نصيراً وطفلاً وعدد من العوائل المحاصرين ممن جرى تسليمهم بقرار خاطئ من المسؤول الأول للأنصار آنذاك للجيش . في ظلّ ملابسات جرى الحديث عنها سابقاً .. وما زال مصير هؤلاء مجهولاً ولم يجرِ الكشف عن تواجدهم في المقابر الجماعية لليوم للأسف .. ) • . وللتذكير فقد أصرينا نحن المعدان في الاسترسال مع الاستاذ صباح لإثبات مدى مصداقية الشيوعيين العراقيين بقناعاتهم عكس الشيوعيين السوريين والترك والإيرانيين .

يتبع
….
• موقع بحزاني : تجربة الكفاح المسلح وحركة الأنصار الشيوعين في كُردستان العراق 1978 ـ 1988 : صباح كنجي
• هذا الإعداد كسابقاته تمّ الاعتماد في غالبيته على مراجع من غوغل ويوكيبيديا والمعرفة ومقالات من صحف ولكتاب متعددين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى