يا تركمان العالم اتحدوا!
محمد علي فرحات
قبل ثلاثة أيام حذّر رجب طيب أردوغان روسيا من نتائج قصفها التركمان السوريين. وبدا الرئيس التركي معنياً بشعبه – التركمان – لا بفئة من الشعب السوري الثائر ضد نظام الأسد. ونُسِب إليه تحذيره الروس من عواقب «خطيرة»، وصحح أحد الأصدقاء الأتراك بأنه حذّر من عواقب «جدية». ها هي العواقب تتحقق في إسقاط «سوخوي 24» ومقتل طيارين كانا يقودانها.
أحالت الحكومة التركية المشكلة على حلف الأطلسي كونها عضواً فيه وكون حدود تركيا حدوداً للحلف. لم يُتّفق بعد على موعد مناقشة مشكلة إسقاط الطائرة، وهل هي عدوان تركي أم دفاع مشروع عن الحدود؟ الوضع ساخن وفي منتهى السخونة. الضربات الجوية الروسية على جبل التركمان تزداد عنفاً، كأن الطيران الروسي يردّ في المكان الآمن والمناسب. لقد اعتبر أردوغان سكان الجبل شعبه لا جزءاً من الشعب السوري. فليتلقّ شعبه هذا الضربات.
إسقاط الطائرة، مفترق في الحرب الروسية على المعارضة السورية. بل هو علامة خروج حربي من الستار الحديدي. لكن موسكو هنا تعقّد المشكلة السورية بدل حلها، ويبدو أن ضرباتها لـ «داعش» لم تغطّ انحيازها لنظام الأسد. والحوار حول سلام سورية لا يزال في نقطة البدء: البيضة أولاً أم الدجاجة؟ إسقاط الأسد أولاً أم ضرب الإرهاب وإنشاء حكومة وفاق وطني تحفظ ما تبقى من مؤسسات الدولة وتبني عليه؟ نقاش بيزنطي، أهم ما فيه أن حبل الثقة مقطوع ما بين الأطراف السوريين وحلفائهم الإقليميين والدوليين، حبال مقطوعة لا حبل واحد.
ليس لبوتين سوى تلقي الضربة والتواضع قليلاً. لا يكفي حلفه مع إيران لتعزيز مصالحه في المشرق العربي. ضربة «السوخوي» ستعيد حاكم الكرملين الى الواقع. إنه حليف واشنطن في ضرب «داعش» ويمكن أن يتقاسم معها النفوذ بشروطها لا بشروط طهران، ولن يستطيع المرشد الحلول محل واشنطن في رسم خرائط النفوذ الجديدة.
ضربة «السوخوي» هي إحدى نتائج زيارة بوتين إلى طهران. ضربة تحصدها واشنطن التي ستتولى التحكيم في المشكلة، ولسان حال الرئيس الروسي شعر المتنبي: «يا أعدل الناس إلا في معاملتي/ فيك الخصام وأنت الخصم والحكم». أما أردوغان فلن يربح من ضربة «السوخوي» سوى إسكات مطالبات شعبية وإعلامية تركية بالتضامن مع «الإخوة التركمان»، لكنه لن يستطيع دائماً إرضاء النزعة القومية التي يتعهّدها حزبه الإسلامي، فها هم تركمان العراق يتلقون الضربة تلو الضربة من الأكراد ويتهجّر الآلاف منهم الى تركيا وما من رد فعل. هنا يعجز أردوغان عن القول: الأمر لي، لأن الأمر حقاً لواشنطن، وإن وقفت موقف المتفرّج وتستعد لموقف الحَكَم بين الطرفين الروسي والتركي.
ولكن، لن يفوّت أردوغان فرصة ضربة «السوخوي» ليغذي النزعات التركمانية من اسطنبول الى شمال الصين، واعتبار أنقرة مرجعاً ثقافياً وسياسياً لهذه النزعات. كأنه ينادي «يا تركمان العالم اتحدوا»، متوجّهاً الى القريبين منه في العراق وسورية ولبنان وأذربيجان وإيران، وإلى التركمان البعيدين شرقاً في تركمانستان وشمال غربي أفغانستان وشمال القوقاز وشمال الصين حيث شعب الأويغور.
ويعتزّ أردوغان بمناعة جبل التركمان السوري منذ عهد الانتداب الفرنسي. مع ذلك جرى ضم هذا الجبل الى سورية، ربما في مقابل لواء الإسكندرون الذي اعترف بشار الأسد شفوياً وعملياً بضمه أثناء تجواله في شوارع دمشق مصطحباً صديقه رجب طيب أردوغان.
قال صديقي التركي إن الحدود بين بلده وسورية متعرّجة وقد تكون «السوخوي» اخترقتها في التعرجات. ولكن، يبدو أن أقواماً اخترقتها تعرجات الحدود بين تركيا وكل من سورية والعراق، تدفع الثمن إهمالاً في السلم ومآسي في الحرب.