آراء

” يا نار كوني بردا و سلاما على سوريا “

د . محمد محمود
العصابات التي حكمت، و تحكم سوريا تتاجر بكل غالٍ و ثمين, لنهب البلاد، تاريخها ، ثقافتها ، ثرواته ،اقتصاده ، نفطه، و جميع ممتلكاته, و يقتلون كل من يعارضهم، و يفرغون البلد من كل القيم الاجتماعية و الثقافية و الحضارية لخدمة حفنة من المرتزقة و قطاع الطرق الذين لا يهمّهمون الا مصالحهم الفئوية ، وما ارخص م اغتيال كل من يقف في طريقهم ! قانون عصابات المافيا هو قانون الغاب ، القوي يأكل الضعيف .
مضى النظام الاستبدادي الحاكم في رسم سياسة التمييز و العنصرية، و ذلك بتهديد ما تبقى من الاواصر و الخيوط التي تربط مصائر العرب و الكورد و باقي المكونات في سوريا بعضها ببعض، و جر البلاد و العباد الى دوامة الصراعات العنصرية و الطائفية ، و ذلك بعد التورط في الفتن الطائفية بعد ان حوّل الثورة السلمية التي نادت بالحرية و الكرامة الى السنية – العلوية و جعل من الطائفة العلوية دروع بشرية و حاضنة متقوقعة على نفسها و ذلك من خلال اقناعهم ان النظام هو المنقذ لهم من الكوارث التي قد تلحق بهم من الطائفة السنية ، وأ دخلهم في نفق مظلم و جعل منهم فئة معزولة عن المجتمع ، على الرغم أن غالبية العلويين شهدوا المآسي و الويلات من النظام مثل غيرهم ، سجون النّظام و اقبية الاجهزة الامنية تشهد بذلك .
في الآونة الاخيرة و من خلال متابعتي لصفحات التواصل الاجتماعي ، و شبكات الاعلام المرئي ،و المقروء لغالبية من يسمون انفسهم ثورجية و من معارضي النظام ، و بخاصة الذين يعيشون في الخارج هذا الكم الهائل من الاتهامات المتبادلة و الشتائم ، و استخدام اسلوب النظام في التعامل بين بعضهم و ان كل من يعارض افكارهم و آرائهم هو عميل إما للنظام أو لدول اجنبية او مجاورة ، و ظهور لغة عنصرية من بعض الاشخاص من المكونات السورية، و التكلم بلغة الطائفية و المذهبية . كلّ هذا يذكرني بمخططات النظام التي عمل عليها لعقود ، و هؤلاء ينفذونها بحذافيرها . أمّا في الداخل و رغم المآسي و الويلات من القتل و القمع و الجوع و الحصار فكل المكونات تتضامن بين بعضها ، و ما نزوح اهل الحسكة و من مختلف المكونات بأتجاه مناطق الشمال و استقبالهم من قبل الاهالي غير دليل ان الداخل اوعى من غالبية هؤلاء العنصريين ، وكان من المفروض ان تكون العملية عكسية و ان يكون الذين يعيشون في الخارج و هربوا من بطش النظام يلعبون الدور التوافقي، و العمل على العدالة الانتقالية و السلم الاهلي ،و لكن على ما يبدو لم يتعلموا من كل الدورات التي خضعوا اليها هذه السنوات من قبل المنظمات الدولية و لم يغيروا من العقلية الاسدية التي زرعت في عقولهم ، لذلك نحتاج الى الثورات على الذات ما دام بشار يعيش في عقل و ممارسة غالبية الذين يسمون انفسهم مسؤولين و معارضين ؟
ان ممارسات هؤلاء يذكرني بممارسات النظام ضد معارضيه من خلال التهم الجاهزة على الطاولة في محكمة أمن الدولة العليا ، فكل معتقل عربي كان ينادي بالحرية و الكرامة و الديمقراطية و توفير لقمة العيش كان يتهم بارتباطه بأسرائيل و الصهيونية العالمية و بمؤامرة كونية على سوريا ، و كل كوردي معتقل سياسيا كان يتهم بالانفصالية و مرتبط بدول تحيك مؤامرات على البلاد ؟
لذلك فان النظام عمل على أنشاء زنزانات و سجون قمعية تحت الارض تفوق عدد الجامعات و المدارس ، و بدل ان ينشر الوعي الثقافي و يواكب العصر ، نشر مفهوم التعصب القومي و الديني و مفهوم القمع و الارهاب المنظم ، و ابدع في نشر ثقافة الارهاب المنظم و الفوضوي من خلال كتب المدارس و خرب عقول الاطفال و الشباب في المدارس و الجامعات ، و جعل من المادة الثامنة من الدستور (( قميص عثمان )) ، لكي يشدد قبضته الحديدية على رقاب الشعب و يمنع أي حركة سياسية من الظهور ، و حتى أفراد حزب البعث لن يستفيد من النّظام ان لم يكون عميلا للمخابرات و الاجهزة الامنية .
المادة الثامنة من الدستور و التي تعتبر حزب البعث قائد للدولة و المجتمع جعلت زمرة ضيقة تتحكم بزمام الأمور، و تحوّل سوريا الى دولة المخابرات و العصابوية لنهب ثروات البلد و اقتصاده، و الاستيلاء على العقول من خلال نشر ثقافة الفساد و الافساد ، و كل ذلك تحت يافطة الأحكام العرفية و قانون الطوارىء التي حولت سوريا الى سجن انفرادي كبير على أبنائها هدف هذا النظام الاساسية ليس سوريا كبلد و دولة و إنما للحفاظ على مملكتهم القمعية و الاستبدادية .
شعب و تكنولوجيا :
لا خلاف أن العالم بأجمعه أستفاد و يستفيد من الثورة التكنولوجية التي لا أحد يتوقع او يتخيل ، نهايتها ، لقد غيرت وجه العالم بأسره ، و أزالت الحدود بين الشعوب و جعلت من الكرة الارضية قرية صغيرة ، و ان اغلب الشعوب تقدمت من خلالها ، لكن وسائل هذه الثورة و في قلبها مواقع التواصل الاجتماعي لم تسلم ن ككل جديد أتيح للبشر ، من حمق الاستخدام الذي يحيل كل نعمة الى نقمة . هذه الوسائل التي سقطت في يد الجميع بداعي التطور أصبحت في متناول الكبير و الصغير ، العاقل و الاهوج ، المتعلم و الجاهل ، حسن النية و المغرض ، فاختلط الحابل بالنابل ، و هناك من حول هذه الوسائل الى وقود للفتنة يسكبونه يمنة و يسرة و يكبون الزيت على النار .
نشاهد جميعا ما تعج به مواقع التواصل الاجتماعي من هجوم على المذاهب و الاديان و الطوائف و القوميات و المكونات ضد بعضهم ، و لم يتوقف هؤلاء للحظة ليفكروا أن ما أصاب سورية قد أصاب ابناء الوطن كله ، و أن سورية تجمع الكل و لهم جميعهم الحقوق و الواجبات ، و أن هذه المكونات و الفسيفساء الجميلة لم تأت من كوكب آخر ، و أنما عشنا معاً مئات السنين ، لذا فأن اعداء الانسانية و المتطرفين لدينا يحتاجون الى الحزم، و قطع شوكتهم ت في كل مكان .
(( توتير )) ، (( فيسبوك )) و غيرهما من طرق التواصل و اأضا الاعلام المرئي و المسموع و المقروء تضم عشرات من المقالات و التغريدات العنفية و العنصرية و التكفيرية و تحريض أفراد و مكونات المجتمع بعضهم ضد البعض ، أليس كل المكونات من المذاهب و الطوائف و القوميات منذ زمن طويل موجودين و متعايشين ؟ فلماذا يحاولون اقصاء بعضهم و أظهار الحقد علنا ؟ و نحن بأمس الحاجة الى لم الشمل و الوحدة الوطنية و التي خرجت الجماهير الى الشوارع منذ بداية الثورة و نادوا (( واحد واحد ، الشعب السوري واحد )) ، و كانت ثورتنا من أجل الحرية و الكرامة و أحقاق الحق للجميع من مختلف المكونات و الاطياف من خلال دستور ديمقراطي تعددي ، الا يدرك هؤلاء خطورة ما يقومون به من زرع الفتن بين الناس و انهم يخدمون النظام و رموزه و مخططاته بشكل مباشر أو غير مباشر ، لان سياسة النظام ينيت على سياسة (( فرق تسد )) ، و زرع الاحقاد و الكراهية و جر المكونات المجتمعية الى حرب أهلية ؟ الا يعلم هؤلاء أن أول من يتجرع هذا الجرح هم أنفسهم و سيشربون من الكأس نفسها ؟لا بد ان يرتد السحر على الساحر و لو بعد حين .
يا ليت التزم هؤلاء ما تحوى قلوبهم من حقد ، لكن ظلام القلب و الشر قد طغى فلا يستطيعون الصمت او السكوت فيزيدون الافراد كل معاني العنصرية البغيضة و الحقد ، و هذا ما شاهدناه و نشاهده ، هناك من يؤيد هذا الارهاب او ذاك بصورة مبطنة أو خفية ، و هناك من يتحدث بتطرف واضح و صريحا، و هناك من التزم الصمت و اخفى حرمة القتل و خطورة التأليب و سكت عن زرع الفتن . هل يعني أن قلوب هؤلاء الصامتين عن أظهار الحق تفيض بما هو اسوء من ذلك ؟ بل يؤيدون ذلك .أم هم يدعون أن تكون النّار بردا و سلاما على سوريا ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى