لقاءات وحوارات

يكيتي تحاور الأستاذ عبد السلام برواري النائب السابق في برلمان كوردستان عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني حول رؤية كوردستانية للوضع العراقي

Yekiti Media

– الانتماء إلى أي هوية ثانوية يضعف الهوية الوطنية ولايمكن الجمع بينهما .

– معظم الذين يدعون إلى تعديل الدستور لديهم نظرة دولة مركزية وعدم استعداد لفهم الفدرالية .

– أتصوّر كلّ العراقيل التي توضع أمام انتخاب رئيس الجمهورية هي في الحقيقة عراقيل أمام انتصار التحالف الثلاثي في تغيير نمط الحكم في العراق إلى حكم الأغلبية .

– الديمقراطي الكوردستاني جاء نتيجة حاجة مرحلية لحزبٍ يقود حركة تحررية وطنية.

وفيما يلي نص الحوار :

السؤال الأول: هل الأوضاع الراهنة في العراق سببها أخطاء للنخبة السیاسیة، أم أنها تعود الی عوامل موضوعیة أخری؟

الجواب : إنّ الانتماء الوطني في العراق هو المعضلة الرئيسية منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة ؛ لأنّ الدولة تأسست حسب رغبة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى، ولم يتمّ النظر الى طبيعة العراق وطبيعة هذه المجاميع الثلاثة المختلفة التي تمّ ضمّها. وکان طبیعیاً، في ظلّ هذا الواقع، أن یزداد التمسك بهويات ثانوية و بالتالي ضعف الانتماء الوطني الذي تمّ إخفاءه بالنظام القمعي والشمولي ولكن بعد ٢٠٠٣، وظهور مجتمع تعددي، كان طبيعياً أن تظهر هذه الظاهرة على السطح ولكنّ الأخطاء التي وقعت فیها الولایات المتحدة الأمریکیة منذ بدایة عملیة تحریر العراق عام ٢٠٠٣، والتي توجّتها بالانسحاب العسکري الفعّال مند ٢٠١٢، أضعف من قدرتها علی لعب دور مؤثر في العراق، و فسحَ المجال أمام تدخلات إقليمية وتحوّل العراق أداةً ربما لحربٍ بديلة یمکن تلمسها من خلال مجاميع مسلحة تعلن بكل صراحة بأنها لا تنتمي ولا تتمسك بقرارات القيادة السياسية العراقية بل تفتخر بأنها موالية لدولة أخرى وجهة أخرى.

إنّ فشل الحكومات المتعاقبة في ترجمة برامجها الانتخابية إلی خطط و ممارسات تصبّ في صالح الشعب، و كلّ هذا التخبط في العراق، منذ تأسیسە، هو انعكاس لمرحلة التطور التي تمرّ بها المجتمعات في العراق والشرق الاوسط بصورةٍ عامة، و هي مرحلة تتمیز بضعفٍ في الانتماء إلى الدولة مع انتماءٍ قوي إلى العشيرة و القبيلة والى المنطقة وبالتأكيد فإنّ الانتماء إلى أي هوية ثانوية يضعف الهوية الوطنية ولا يمكن الجمع بينهما. حتی أنّ معظم الأحزاب السیاسیة التي ظهرت في العراق بعد ٢٠٠٣، لن تغیر شیئا طالما أنّ القيم والمعايير التي تتحكم في طريقة التفكير لدى النخبة السياسية والأكاديمية هي قیم و معاییر المجتمع الزراعي-العشائري-البدوي مع فارق ظاهري هو حوّل التعصب للقبلية الى تعصب للحزب ولتيار داخل الحزب وهذا كله يعرقل عملية التحول الديمقراطي بل يجعل العملية وسيلة لتقوية هذه الجماعات الثانوية سواءً أكانت انتماءات طائفية أو قومية أو دينية ولكنها الآن مغلّفة بأسماء تنتمي إلى مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة كحزب وانتخابات وتعددية ….الخ.

السؤال الثاني : و ماذا عن الذین یعزّون هذە الاوضاع الی دستور العراق الذي تمّ تبنیە عام ٢٠٠٥؟

الجواب:  کثیرون یعزّون فشل الدولة العراقیة إلی الدستور، الذي یری البعض أنە قد کتب تلبیة لرغبة الکورد و دول التحالف الدولي، لذلك ترتفع الأصوات بضرورة تعدیل هذا الدستور . و من المؤسف ملاحظة أنّ معظم الذين يدعون الى تعديل الدستور لديهم نظرة دولة مركزية وعدم استعداد لفهم الفدرالية وعدم تقبّل التعددية والاختلاف في نمط الحياة الموجود في اقلیم كُردستان. بصورةٍ عامة الدستور العراقي دستور جيد ولكن العقلية السائدة لدى القوى العراقية ليست مهيأة لتقبل المبادئ الرئيسية الواردة في الدستور وشكل الدولة لذلك أنا شخصياً أنظر بشك الى كل محاولات تغيير الدستور لأنّ معظمها، كما ظهر في بعض المسودات التي تسربت، ترمي الى تقليل صلاحيات وحقوق المحافظات والاقليم وحتى التراجع عن بعض المبادئ المعاصرة لمسألة الحريات والتعامل مع الأقليات والمكونات.

السؤال الثالث:  ما الذي دفع الحزب الدیمقراطي الکوردستاني إلی الدخول في تحالف ثلاثي مع التیار الصدري و القوی السنیة؟

الجواب : بالنسبة لتشكيل الحكومة العراقية المرتقبة فإنّ موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني کان واضحاً حتى قبل الانتخابات عندما أعلن بأنّ له رؤية متقاربة مع رؤية التيار الصدري. کما أثمرت اللقاءات المتعددة لوفود الحزب مع مختلف القوی السیاسیة الشیعیة و السنیة، تمخّض عنها تشكيل التحالف الذي نجح في انتخاب رئاسة مجلس النواب في الجلسة الأولى، کما هو وارد في الدستور، وهو الأمر الذي كان في الدورات السابقة معاكساً کان یتمّ الإبقاء عل الجلسة الأولی مفتوحة لحین الاتفاق على كلّ المناصب السیادیة (رئاسة مجلس النواب، رئیس الجمهوریة و نوّابە، و رئاسة مجلس الوزراء و توزیع الحقائب الوزاریة).

في المرحلة المقبلة يجب أن نتعامل مع نتائج الانتخابات أولاً ومع الإفرازات التي أتت بها حركة تشرين والمظاهرات الصاخبة لذلك حكومة الأغلبية الوطنية التي تضمّ المنتصرين أو القوائم التي حصلت على عدد أكبر من الأصوات من بين المكونات الرئيسية العرب السنة العرب الشيعة والكوردستانيين حكومة تحالف بما أنه لم يكن بمقدور اي جهة أن تحصل على 50 % من عدد كراسي مجلس النواب قبل ذلك هناك ضرورة إلى تحالف وهذا التحالف الثلاثي يعكس نتيجة الانتخابات ورغبة الناخب أولاً وثانياً يخرج العراق من الأسلوب الخاطئ الذي تمت به ادارة العراق خلال الوزارات الاربعة او الخمسة الماضية بمعنى أن يشترك الكلّ في الحكم ويتملص الكلّ من مسؤولياتهم وهو ما يدعو إليه الآن الإطار التنسيقي والذي انضمّ اليه الاتحاد الوطني لذلك أنا أتصور أنّ كل هذه العراقيل التي توضع أمام عملية انتخاب رئيس الجمهورية هي في الحقيقة عراقيل أمام انتصار التحالف الثلاثي في تغيير نمط الحكم في العراق إلى حكم الأغلبية ، حكومة تستند على كتلة كبيرة قوية داخل مجلس النواب في مقابلها توجد معارضة قوية أيضاً هذا سينقل العراق خطوة أخرى باتجاه الديمقراطية الحقيقية وقد يكون بداية لإيقاف كلّ هذا الفساد المتردي ، بالمقابل الذين يدعون الى ما يسمونه بالحكومة التوافقية أي الكلّ يشترك أي استمرار النمط السابق بمعنى التستر على الفساد وعلى سرقة الأموال واستمرار فقدان الخدمات الأساسية لأبناء الشعب العراقي وهو السبب الرئيسي لرفض وعدم تقبل فكرة حكومة الأغلبية الوطنية التي ينادي به التحالف الثلاثي.

السؤال الرابع: هل اختلاف الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني علی مرشح رئاسة الجمهوریة متعلّق بالمرشحین أم أنّ لە جذور أعمق؟

الجواب : في البدایة لابدّ من الإشارة إلی أنّ مسألة الصراع على أصوات الناخبين أو حتى على مكاسب في بغداد أو كُردستان هي حالة طبيعية وواحدة من إفرازات التعددية الحزبية شريطة أن لا تؤدّي إلى التضحية بالمصالح العامة لكلّ شعب كوردستان أو القضايا الرئيسية التي تهمّ الكلّ هذا هو الإطار الذي یجري فیە التنافس علی منصب رئیس الجمهوریة
ولکنّ یمکن، من ناحیة أخری، أم ننظر إلى الخلفية التاريخية ونشوء الحزبين.
الديمقراطي الكوردستاني جاء نتيجة حاجة مرحلية لحزب يقود حركة تحررية وطنية وجاء بملامح مدنية وديمقراطية لكنّ الرؤية الصائبة للرئيس الراحل مصطفى البارزاني لواقع كُردستان وواقع الحياة السياسية لم تكن قد نضجت لدى فئة صغيرة من البرجوازيين أو كما نسمّيهم أفندية المدن هذا كان سبباً في انشقاق سنة 1964 الذي قاده جلال الطالباني وابراهيم أحمد. بعد اتفاقية آذار سنة 1975 وتوقف العمل العسكري، ظهرت مجموعة من الأحزاب في كوردستان العراق من ضمنها الاتحاد الوطني الذي لم یخفِ منذ ولادتە هدفە في إزاحة الحزب الديمقراطي الكوردستاني والبارزاني من الساحة السياسية، وهو ما أفصح عنە علانیة في أول کراس أصدرە بعنوان (الاتحاد الوطني لماذا ؟). و هو موقف، ترسّخ خلال ثلاثين سنة من صراع يشتد أحياناً ويخفّ أحياناً وصولاً الى الانتفاضة بعدها فرض الواقع علينا أن نتعامل مع بعض ونتحمّل مسؤولية إدارة الأقليم. في المراحل الأخيرة من حياة المرحوم جلال الطالباني توصل الى قناعة بأنّ الطريق الوحيد والقويم لحزبه هو التعاون مع الرئيس البارزاني وكانت تلك الفترة ذهبية.

یُضاف إلی ذلك أننا في کوردستان جزء من منطقة الشرق الأوسط والمعايير الاجتماعية في التقييم والعمل والتعامل هي السائدة أكثر، فهناك تعصب للمنطقة و تعصب للهجة هناك عدم قبول للآخر مازال مترسخاً، هذه كلها هي ظواهر ترافق آلية عملنا سوية.

بالتأكيد الاتحاد الوطني، بعد وفاة المرحوم جلال الطالباني، يعيش أزمة، وشهد انشقاقات متعددة و يفقد موقعه المنفرد بالسلطة في منطقة نفوذه يوماً بعد يوم والناخب في المنطقة ينتخب جهات أخرى، وهذا الامر مصدر قلق للحزب الدیمقراطي الكوردستاني ایضاً، لأننا نحتاج الى شريك قوي و مستقر داخليا لکي یکون بإمکاننا أن نضع سويةً برنامجاً للتغلب على المعضلات والمشاكل التي تواجه المواطنين.

اللقــاء منشور فــي جريدة يكيتي العـــدد 295

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى