آراء

يوم الأم في كردستان.. تواريخ متعددة وفق اجندات

إدريس شيخي

تعتبر المناسبات الاجتماعية في سوريا نزيلة سجون بروباغندا ثقافية لأهداف سياسية، فهناك العديد من المناسبات والأعياد الاجتماعية التي تغير تاريخها الدولي، وحتى المحلي في سوريا، بقرارٍ من حكومة النظام السوري منذ تسلّم حافظ الأسد للحكم.

حيث عمد النظام في سوريا إلى إحالة كل حدث سياسي أو ثقافي أو اجتماعي إلى دائرة أهدافه الحزبية أو القومية، وتطويع الشعب لتمجيدها والقبول بها بشكل إجباري ضمن الحياة الثقافية الملازمة للعمل السياسي، ولعل عيد الأم إحدى أهم الأعياد التي ربطها النظام بخدمة فكره القائم على التهميش، وإبراز نظام الحزب الواحد الرافض لأي تعدد لا يتلاءم مع أهدافه في الدولة، نتج عن ذلك تحويل الثقافة ومؤسساتها إلى آلات تخدم استبداد عائلة الأسد”، بينما كان من المفترض بهذه المؤسسات أن تحمي الحقائق التاريخية للأحداث التي عاشتها سوريا منذ تأسيسها إلى الآن .

فـبموجب المرسوم رقم 104 لعام 1988، قرر حاظ الأسد تغيير تاريخ موعد الاحتفال بعيد الأم في سوريا من 13 أيار إلى 21 آذار ليكون بذلك عيدًا رسميًا في الدولة، دون ذكر عيد “النوروز” الذي يصادف اليوم نفسه، وهي مناسبة شعبية واسعة بين أكراد سوريا تعني “اليوم الجديد” احتفالًا ببداية الاعتدال الربيعي

ولطالما سعت الحكومات في سوريا للتضييق على كل من يحتفل بعيد “النوروز”، حيث كان النظام في احتفالية كل عام يعتقل العشرات من الناشطين والمدنيين الأكراد لمحاولتهم الاحتفال بهذا العيد في المدن والأحياء الكردية في سوريا

، وبذلك غيّب النظام السوري أفراد المجتمع عن احتفال يعتبر مدخلًا للتعرف إلى ثقافة مكوّن مجتمعي أساسي، وهم كرد سوريا،وتناقش هذه المادة محاولة استثمار النظام في سوريا المناسبات والأعياد لتكريس فكره السياسي والقومي داخل المجتمع السوري..ويعتبر تاريخ تسلّم الحزب العفلقي للسلطة في بداية السبعينيات تاريخ بداية التزوير الصريح والمباشر رسميًا للأحداث التاريخية ليحتفل السوريون خلال نصف قرن بمناسبات وهمية صاغها نظام عائلة الأسد فطُبِعت في ذاكرة السوريين بشكل ممنهج.

و لذلك وخلال الثورة السورية، شهد الحراك المدني والصحف السورية المعارضة تعزيزًا لإبراز الاحتفال باليوم الدولي للمناسبات والأعياد الاجتماعيه فأعادوا الاحتفال بيوم الأم إلى سابق عهده ، حيث كان يصادف الثالث عشر من أيار لكن أسباب الاحتفال بهذا اليوم تحديداً غير معرف لدى السوريين، لأنه من المعروف أن أي مناسبة اجتماعيه يتم إقرارها بموجب تكريس الوعي الثقافي من خلال ربطها بالمناسبات العالمية أو بحدثٍ أو واقعة حدثت لترسيخ هذه المناسبه في اليوم الذي حدثت فيه، ويبدو أن ارتباط يوم الام في سوريا كان بالتقويم الدولي وحصراً الأمريكي بغية الاحتفال بعيد الأم تكريماً لدور الأمهات في تربية الأبناء وتأثيرهن في مجتمعاتهن، و هو احتفال سنوي يقام في تواريخ مختلفة في أنحاء مختلفة من العالم من أجل الامهات ويكون الاحتفال بتقديم بطاقات المعايدة والزهور والهدايا للأمهات والزيارات،

ففي الولايات المتحده الأمريكيه يعود تخصيص يوم للأم إلى المؤلفة الأمريكية (جوليا وورد هاوي) ، التي اقترحت الاحتفال بهذا العيد في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1872، بهدف تمكين الأمهات من المشاركة في مسيرات السلام بعد الحرب الأهليه في أمريكا

وفي عام 1908 نظمت مجموعة من الأمهات تقودهن (آنا جارفيس) حملة للاحتفال بيوم للأم في( ثاني يوم أحد من شهر مايو/أيار) والذي يتزامن مع ذكرى وفاة والدتها، وقد تبنت الدعوة العديد من المدن في الولايات المتحدة، وفي وقت لاحق من عام 1914 أقر الرئيس الأمريكي( ويلسون) هذا التاريخ عيداً للأم، ويعد عيد الأم عطلة عامة في الولايات المتحدة، وقد تبنت العديد من الدول هذا التاريخ وفقا للتقويم الأمريكي،

و يتم الاحتفال بعيد الأم في ألمانيا في يوم الأحد الثاني من شهر ايار/ مايو.

وتحتفل بريطانيا بعيد الأم في الأحد الأخير من شهر مارس/آذار من كل عام ويعرف( بأحد) الأمهات، أما عن الخلفية التاريخية للاحتفال فإنه ليس لها علاقة بالأمهات وتعود إلى القرن السادس عشر وارتبطت بزيارة المسيحيين للكنيسة الأم في عيد الفصح.

والنرويج هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتفل بعيد الأم في فبراير/شباط وتحديدا في (ثاني أحد من فبراير،) وهو تقليد ديني في الأساس، في ما تحتفل السويد بعيد الأم في (آخر يوم أحد من يونيو/حزيران) ، وتحتفل فرنسا به في( أول يوم أحد من يونيو/حزيران) سنويا

وفي الماضي كان الموظفون يحصلون على عطلة للعودة إلى مساقط رؤوسهم للصلاة مع أسرهم وخلال طريق العودة كان هؤلاء الموظفون الشباب يحملون الزهور لأمهاتهم..

لعل المنطقه الوحيدة التي بقيت مشتتة بين تواريخ الأنظمة التي تقتسم أراضيها في إحياء عيد الأم هي كردستان، فلا يوجد يوم خاص بهم بالرغم من المساحة الشاسعه لأراضيها والعدد الكبير لسكانها والأحداث الكثيره التي تستحق أن تُخَصَصْ لإحياء هذا اليوم العظيم للأم

ففي جنوب كردستان الجزء الملحق بالعراق يحتفلون بعيد الأم في( 21 آذار) متأثرين بأغلب الدول العربية مثل مصر .

و كانت مصر هي أول دولة تحتفل بعيد الأم في 21 مارس/آذار، وكانت البداية عام 1956 عندما قامت إحدى الأمهات بزيارة الصحفي الراحل مصطفى أمين في مكتبه في صحيفة أخبار اليوم المصرية وقصت عليه قصتها وكيف أنها صارت أرملة وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرست حياتها من أجلهم حتى تخرّجوا في الجامعة وتزوجوا واستقلوا بحياتهم وانصرفوا عنها تماما، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير “فكرة” يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل .

اما في شمال كردستان، الجزء الملحق بتركيا فيحتفلون في( 13 أيار) أما في شمال شرق كردستان، الجزء الملحق بإيران فيحتفلون في( 23يناير كانون الثاني) وفي جنوب غرب كردستان، الجزء الملحق بسوريا يحتفلون به في( 21 آذار) و لاحقاً غيرت الإدارة الذاتية هذا التاريخ إلى 13 أيار وفق الأجندة الدولية وهذا يثبت انه لا يوم محدد لشعوب كردستان للاحتفال بعيد الأم. وبناء على هذا، على شعب كردستان تخصيص مناسبة تليق بالأم وتكون ذات معنى يدل ويمثل ويخص جميع الشعوب التي تعيش على هذه الأرض ويكون مقبولاً من الجميع ، حيث أن الأم الكردستانية عانت الويلات في ظل هذه الانظمةالعاتية فكان همها الوحيد كيف تصنع أبطالاً يحمون شعب كردستان على أسس انسانية بحتة لا انتقامية،

لذا كان على الكردستانيين تخصيص يوم خاصا للأم، ولعل أفضل تاريخ لهذه المناسبة العظيمة هو اليوم الذي حُرِمت منه الأم الكردستانيه من وطنها إلى الأبد على يد امرأةٍ بريطانية .

فقد اعتمدت بريطانيا على الحدود التي رسمتها عالمة الآثار والمستكشفة البريطانية ( Girît rod او الملقبه ب(Bêl)والتي كانت تعرف ب (خاتون)بصفتها موظفةً غير رسمية في جهاز المخابرات البريطانية، وفي وقت لاحق ضابط ارتباط سياسي برتبة رائد ومستشارة لشؤون الشرق، التي لعبت دوراً حاسما في تقسيم كردستان وتوزيعها على أربع دول.

حدود( بل )ساهمت لأتاتورك الانقلاب على اتفاقية سيفر حول الأكراد عام 1920وبذلك تكون الحدود التي رسمتها( بيل)والحامل لتوقيعها عائقاً أمام قيام دولة كردستان للصعوبة القصوى في انتزاعها من يد الآلة العسكرية والقمعية لأربع دول هي في الحقيقة أشرس وأكبر دول موغلة في انتهاك حقوق الإنسان، دول لا تعرف الرحمة او الشفقة في قمع جميع مكونات كردستان كردا وعربا وسريانا وغيرهم، وليعرف الشعب البريطاني والفرنسي و غيرهم من الشعوب الاوربية قاطبةً مدى الجريمه التي ارتكبتها دولهم بمساهمة فعلية من المرأه التي احتضنتها شعوب كردستان بكل حب ووفاء.

لابد أن يتم تخصيص هذا التاريخ لمناسبة كردستانيو مهمة كنوع من الاحتجاج على ما تم من مأساة بحق الكرد وهو حرمانهم من وطنهم الذي ربما يكون ضرب من الخيال استقلاله إلا إذا عرف الغرب هذا الخطأ الجسيم وبدأوا بالتصحيح، فآلاف الأمهات في كردستان فقدوا فلذات اكبادهم وهم يناضلون من أجل الوطن وآلاف الأمهات الكرد دفنوا أحياء وهم يحملون في احشائهم أطفالاً، وآلاف الأمهات استشهدن الحياة تحت التعذيب في سجون هذه الانظمة الغاصبة لكردستان كعقاب لأولادهم المشاركين في محاربة هذه الانظمة.

ينابيع من الدموع ذرفتها الأمهات وهن يشاهدن أولادهن معلقين على مشانق الانظمة التي وزعتنا جريمة تلك المرأة، عليهم،

لإظهار حقيقة المأساة التي ارتكبتها تلك المرأه بحق الأمهات الكردستانيات تحديداً. يجب اتخاذ يوم وفاة تلك المرأة، الذي يصادف الثاني عشر من شهر تموز/يوليو في عام 1926يوماً احتفالياً بوفاة من تسببت بمعاناة الأم الكردستانيه محتجةً على ما اقترفته يد المرأه البريطانيه على أنها كانت أماً، وحرمت آلاف الأمهات من التمتع بوطنهن أسوةً بباقي الأمم، او السادس عشر من شهر أيَّار/مايو 1916 اليوم الذي أعلنت بريطانيا وفرنسا عن تقسيم كردستان بموجب الخرائط المقدمة من هذه المرأه التي اختتمت مهمتها الكبيره بهذه الكلمات: “قضيت صباحا مفيدا في المكتب لرسم الحدود” وكانت خرائط توزيع كردستان على أربع دول التي سميت فيما بعد اتفاقية سايكس بيكو، أو في اليوم المشؤوم الذي وصلتها برقية، وهو أحد أيام نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1915 مفادها: الإمبراطورية البريطانية بحاجتك.

المخطط الذي دار في أروقة الدبلوماسية السرية الذي تم بموجبه تقرير مصير كردستان والتمهيد لإزالتها بالتقسيم .

وعلى هذا يكون التاريخ قد أنصف أمهات الكردستانيين بنفس التاريخ الذي قضت فيها هذه المرأه على أحلامهم المشروعة. سيتم فيها إعادة فلذات اكبادهم أحياء.

المصادر:

Goodman, Susan – Gertrude Bell (1985)Howell, Georgina – Gertrude Bell: Queen of the Desert, Shaper of Nations (Farrar, Straus and Giroux, 2007) ISBN 0374161623.Wallach, Janet – Desert Queen (1999)Winstone, H.V.F. – Gertrude Bell (Barzan Publishing, England, 2004) ISBN 0-9547728-0-

إيريس موستيغل(صحفيه المانيه)

الدكتوره بلقيس محمد جواد (دكتوراه في العلوم السياسيه) في جامعه بغداد

الكتاب: (صناع الملوك) اختراع الشرق الأوسط الحديث

المؤلف ;كارل اي، ماير وشارين بلير بريزاك

الناشر: نورتون وشركاه، نيويورك، لندن.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “308”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى