إقليم كُردستان العراق… إدارتان في دولة واحدة
جوان سوز
بمجرّد دخولك إلى معبر إبراهيم الخليل الحدودي الذي يربط بين إقليم كُردستان العراق والأراضي التركية، سترى رايتين من بعيد، إحداهما لجمهوريّة العراق والأخرى لكردستان، إلى جانب صورتين كبيرتين داخل مبنى الهجرة والجوازات لرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني ووالده الزعيم الكردي الملّا مصطفى بارزاني دون وجود صور وأعلام أخرى لجماعات كردية أو لرؤسائها، حتى تصل إلى مدينة زاخو القريبة من المعبر، أو تمّر من مدينة دهوك، لترى الأمر ذاته في القرى والبلدات الكردستانية المجاورة على الطريق الدولي وأنت تواصلَ سفركَ نحوّ مدينة أربيل ( هولير بالكرديّة) عاصمة إقليم كُردستان، لتكتشف إن هاتين المدينتين تتمتعان بشعبية كبيرة للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده أيضاً الرئيس مسعود بارزاني، ذلك أن غالبية سكان تلك المناطق هم من الأكراد البادينيين الذين يتكلمون اللهجة «الكرمانجية « وهم نفسهم الذين تنتمي إليهم عشيرة الرئيس بارزاني، على العكس تماماً من عائلة الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني فهم من الأكراد الصورانيين نسبة إلى اللهجة الصورانية وهي لهجة كردية أخرى تختلف عن الكرمانجية تماماً، يتحدث بها معظم سكان مدينة السليمانية وضواحيها في إقليم كردستان، وفي هذه الحالة نصل إلى حقيقة دامغة وهي إن الحياة الاجتماعية في إقليم كُردستان تمتاز بعلاقة وطيدة مع الأحزاب السياسية، في ظل وجود طرفين أساسيين هم أكراد بادينيون غالبيتهم موالون للرئيس مسعود بارزاني، وأكراد صورانيون معظمهم موالون للرئيس جلال الطالباني، وذلك بسبب انتمائهم إلى اللهجة ذاتها، لتجد انقساماً بارزاً في صفوف الأكراد الصورانيين أنفسهم والمقيمين في العاصمة أربيل ومدينة السليمانية التي تُعد العاصمة الثقافية في كُردستان العراق، حتى وصل الأمر ببعض الصورانيين الذين يعيشون في السليمانية القول عن أنفسهم إنهم «الصورانيون الحقيقيون» في إشارة منهم إلى الصورانيين المقيمين في أربيل والذين تخلّوا عن هذا الانتماء لمجرّد موالاتهم للرئيس مسعود بارزاني على حد زعمهم.
كلّ هذه الأمور، توحي لك بطرف سياسي واحد يحكم إقليم كُردستان في تلك المناطق، إلا أنك ستجد نفسك مخطئاً حين تدخل إلى العاصمة أربيل وتجد فيها عشرات المكاتب والمقرّات الحزبية لأحزاب وجماعات سياسية كردية، بعضها يشارك في الحكومة والبرلمان، وبعضها الآخر يسعى إلى ذلك، ومن الأحزاب الرئيسية في إقليم كُردستان العراق التي تشارك في الحكومة والبرلمان إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني، هي: حركة التغيير بزعامة نيشروان مصطفى الذي انشقَّ عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والذي يقوده الرئيس العراقي الأسبق جلال الطالباني، والاتحاد الإسلامي الكردستاني بزعامة محمد فرج، إضافة إلى الجماعة الإسلامية بزعامة الأمير علي بابير.
وتختلف هذه الأحزاب الرئيسية في الوقت الحالي على كيفية انتخاب رئيس الإقليم لولاية رئاسية جديدة، فحزب الاتحاد الوطني الكردستاني يطالب بانتخاب الرئيس من قبل الشعب، بحيث تكون صلاحيات الرئيس محددة أو أن يكون الرئيس منتخباً من قبل برلمان كُردستان وتكون صلاحياته واسعة، في حين يطالب الحزب الديمقراطي الكُردستاني بالعكس، بحيث يجب أن تكون صلاحيات الرئيس مطلقة فيما لو اُنتخِبَ من قبل الشعب وتكون صلاحياته مقيدة لو كان ذلك من قبل البرلمــان، فيما تقف الأحزاب الثلاثة المتبقيّة على مسافة قريبة من الاتحاد الوطني الكردستاني.
وبذلك يكون هناك حزبان فاعلان فقط من بين هذه الأحزاب الرئيسية الخمسة في إقليم كُردستان العراق، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني وهو حزب علماني ليبرالي، يعد من أحد أكبر الأحزاب الكردية من ناحية القاعدة الجماهيرية في الإقليم، أسّسه الزعيم الكردي الراحل الملّا مصطفى بارزاني، وتسلّم رئاسته نجله مسعود بارزاني الذي يترأس الإقليم من عام 1979 حتى الوقت الحالي، وكان اسمه في البداية (الحزب الديمقراطي الكُردي) قبل أن يتغير إلى الديمقراطي الكردستاني في المؤتمر الثالث الذي انعقد في مدينة كركوك عام 1953.
وكان هذا الحزب منذ نشوئه عام 1946 إلى تسعينيات القرن الماضي، يدعو إلى الحكم الذاتي لأكراد العراق والديمقراطية للعراق ولكنه منذ منتصف التسعينيات، بدأ يأخذ منحى آخر، إذ يطالب بدولة مستقلة لأكراد العراق، ولكنه رضي بالفيدرالية كحلٍ مؤقت بناءً على مقترح أمريكي لحين تهيئة الظروف المناسبة لإقامة دولة كردية.
كما كان للحزب ذاته دور ضئيل على الساحة السياسية العراقية لكن بعد حرب الخليج الثانية اغتنم الأكراد فرصة إعلان التحالف الغربي عن منطقة حظر الطيران والتي أصبحت ملاذاً آمنا لهم، فقام الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمشاركة في الانتخابات هناك، حيث حاز على 51٪ من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية، وتشكلت في عام 1992 حكومة مشتركة للحزب الديمقراطي الكردستاني مع الاتحاد الوطني الكردستاني لإدارة إقليم كردستان قبل أن يظهر التوتر على علاقة الحزبين بسبب تدخلات دول الجوار والنظام في بغداد لإفشال أي تحرر للأكراد، مما أدى إلى نشوبِ حرب أهلية في عام 1994 إلى أن عقد الطرفان اتفاقية سلام في واشنطن عام 1998 برعاية أمريكية.
أما الحزب الثاني، فهو الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو أيضاً حزبٌ علماني ليبرالي، تأسس منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حملَ شعار حق تقرير المصير والديمقراطية وحقوق الشعب الكردي في العراق، يتزعمه جلال طالباني منذ نشوئه، حيث يسيطر هذا الحزب حالياً على مدينة السليمانية ونواحيها، إضافة إلى سيطرته الشبه كليّة على مدينة كركوك بالاشتراك مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتظهر نقاط التفتيش التابعة له على الطريق الدولي الواصل بين مدينتي أربيل والسليمانية بالقرب من مدينة «كويّة» الواقعة تحت سيطرته والتي تبعد حوالي 50 كيلومتراً عن العاصمة أربيل، إذ يشترك الحزبان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني بشكلِ فعلي على إدارة الإقليم دون وجود ثقلٍ سيــاسي أو عســكري لأحزاب كردستانية أخرى، حتى يجد زائر الإقليم نفسه أمام إدارتين في دولةٍ واحدة.
وما بين هذين الحزبين أو الإدارتين، يعيش غالبية سكان الإقليم جنباً إلى جنب بين موالٍ لهذا الحزب أو ذلك، فنجد التعايش المشترك بين الأكراد أنفسهم، إذ يسكن الأكراد الصورانيون والبادينيون في مناطق مختلطة في أربيل أو السليمانية، وهم مسلمون سنّة نراهم أيضاً يسكنون في مناطق الإيزيديين (وهم الأكراد الذي يعتنقون الديانة الكردية القديمة)، إضافة إلى المسيحيين الذي يتخذون من بلدة «عين كاوا» القريبة من أربيل مركزاً لهم، كما نرى التعايش السلمي أيضاً بين الأكراد والعرب أيضاً بعد نزوح عددٍ كبير من العرب العراقيين إلى الإقليم نتيجة هجمات تنظيم الدولة الإسلامية على مناطقهم، كما إن مختلف الأديان والأعراق هذه والتي تعيش في الإقليم لديها ممثلون في الحكومة والبرلمان ويدرس بعضهم بلغته كما هو الحال لدى التركمان والعرب على حد سواء.
عن القدس العربي