12 آذار الإيقاع بين المكونات السورية
عبدالله كدو
12آذار كانت حلقة أخرى من حلقات سعي النظام لتأليب مكونات المجتمع السوري ضد بعضها البعض ، كان المطلوب زرع الحقد لدى مجموعات سورية ضد أخرى حتى تتسع دائرة الكراهية بين أبناء الشعب السوري الذي طالما عملت السلطات المتعاقبة على دست الحكم في البلاد منذ أكثر من نصف قرن ، على بناء جدران الفصل بينها وبين الجماهير ، فالمواطن الذي كان يعيش تحت خط الفقر ويعاني البطالة والحرمان المادي والمعنوي ، حكم عليه بالصمت أيضاً ،كان الكلام ممنوعاً إلا إذا كان مديحاً للنظام مع الهتاف والتصفيق ، ما يذكرنا بوضع ذلك الجندي المتدرب الذي كان يئن ويصرخ من خلع مفصل قدمه ، عندما جاءه المدرب الضابط ورفسه في موضع الألم ليسأله بنزق ، مريض أنت أم بطل ؟ فرد بصوت متقطع أقرب إلى البكاء : أنا بطل .
إحياء ذكرى 12 آذار يعني إحياء آلام الكرد السوريين الذين توالت عليهم عصور الاستعباد ، فقد استُبدِل الاحتلال العثماني لأرضهم بالاحتلال الفرنسي وإلحاقها بالكيان الجديد – سوريا – الذي أفرزته اتفاقية سايكس بيكو ، ثم استبدل الاحتلال الأخير بسيطرة أنظمة شمولية أتت على كل التقاليد والمكتسبات الديمقراطية للجماهير السورية التي ناضلت من أجل ترسيخها في المرحلة السابقة للحكم الشمولي الذي بدأ مع الوحدة القسرية – السورية المصرية – وما زال مستمراً .
اختار الكرد طريق النضال الديمقراطي السلمي لتأمين حقوقهم القومية كشعب يعيش على أرض أسلافه، لكن النظام ظل مستمراً في الحجر على حريته والإبقاء على القضية الكردية دون حل للاحتفاظ بها كورقة سياسية تؤمن له انقسام المجتمع السوري ،الذي هو بيت القصيد للنظام ، ذلك في سياق سعيه الدؤوب للحيلولة دون تمتع الجماهير السورية بالحرية التي ستفضي إلى التلاحم بين مكوناته القومية والدينية ، أصحاب المصلحة الحقيقية في ازدهار المجتمع السوري ، لأنه يرى في ما سبق بداية كسر حجب الجماهير عن المشاركة في صنع القرار السياسي وبالتالي كسر احتكار السلطة والثروة ، ورغم أن حتمية التغيير أضحت واحدة من أهم مسلمات العصر وخاصة بعد انهيار قلاع الأنظمة الشمولية في المنطقة وخاصة تلك التي كانت تتغنى بالاشتراكية في ظل ربيع الثورات ، فإن النظام السوري ما زال مصرا على عدم إشراك الجماهير في صنع القرار، مراهناً على إمكانية بعثرة المعارضة السياسية الوطنية وزرع الفرقة بين القوميات والطوائف السورية المختلفة واستعدائها وذلك باعتماد وسائل الترهيب والترغيب
فهو مستمر في ترهيب أية شخصية أو قوة سياسية عربية تتعاطف مع الكرد وتتفهم قضيتهم فتعتبرها قضية وطنية ليتهمها بالسعي لانجاز ما عجز عنه الاستعمار، وهو فصل جزء من الوطن ، ومن جهة أخرى فإن النظام لا يفوت فرصة تخويف الطوائف من بعضها البعض ويكفيه هنا قدرته على ترسيخ انطباع لدى الكثير من السوريين وخاصة العامة منهم بأن النظام البديل عنه سيكون نظاماً دينياً ظلامياً حتى يجعل من شعار التغيير الديمقراطي المطروح من قبل المعارضة السورية مقترناً بالظلامية في ذاكرة الإنسان السوري و بالتالي يبقى شعار التغيير مردود عليه ومرفوض و ما على السوريين إلا القبول والتمسك بما هم عليه .
وهنا يجب القول بأنه عندما أمّ ممثلو القوى السياسية العربية المعارضة مدينة قامشلو بعيد ارتكاب النظام المجزرة فيها ، وخرجوا ببيان تاريخي أكد على ( أن القضية الكردية في سوريا قضية وطنية بامتياز) وندد البيان بطريقة تعامل النظام مع المواطنين الكرد حيث ( استسهل إسالة دماء المواطنين ) ، لقد شكل البيان منعطفاً تاريخياً للقضية الكردية في سوريا بشكل خاص والقضية الوطنية بشكل عام حيث المطالبة بحقوق السوريين كل السوريين من درعا إلى قامشلو .
هنا يجدر الذكر بأن النظام قد أطلق يد بعض أعضاء مجلس الشعب، قبيل انطلاق الثورة السورية ، لصياغة مشروع قانون الأحوال الشخصية بصيغة بدائية تسلب المرأة السورية وأتباع الديانات الأخرى غير الإسلامية الكثير من حقوقها المكتسبة ، ثم أمر – النظام – بوقف مناقشة المشروع متظاهراً بأنه هو المخلص الأوحد لهؤلاء الضحايا من بين ” مخالب المتشددين “، لتذهب المرأة وأتباع الديانات المستاءين من المشروع المذكور ويتضرعوا إلى الله ليديم لهم ظل النظام المخلص ، وتمتلئ صدورهم – المرأة وأتباع الديانات – بالحقد وعدم الثقة والرغبة في الانتقام من هذا المكون السوري أو تلك المجموعة التي كانت تسعى لتمرير المشروع المذكور
إن هذه المسرحيات الهزلية هي جزء من ثقافة وتراث الأنظمة الاستبدادية في منطقتنا وذاكرة شعوبها مثقلة بمشاهد كثيرة عن حالات قيام الأنظمة بتأليب المكونات الوطنية ضد بعضها البعض، ومثقلة بمناظر أسواقها التي طالما تُخلى من البضائع حتى يأتي الزعيم فيأمر بإيصالها ، ليرسخ في ذاكرة الناس بأنه وحده هو المخلص الأوحد ، هكذا تعمل الأنظمة الشمولية إزاء شعوبها بالاعتماد على حفنة من العناصر الأمنية فتمنع جمع شمل الجماهير الواسعة.
في هذه الذكرى الأليمة نرى أن خير وفاء لذكرى الشهداء أن تبادر القوى السياسية السورية المعارضة إلى تعزيز التلاحم النضالي بينها لقطع الطريق على محاولات أجهزة النظام لتشتيت القوى الوطنية التي عليها الجلوس إلى طاولة الحوار المسؤول ، ذلك بعد اعتراف الكل بالكل ، حيث الحوار بين القوميات والطوائف السورية هو الخطوة الأولى الصحيحة في مسيرة المشروع الوطني السوري الذي سيفضي إلى انجاز دستور وطني عنوانه سوريا لكل أبنائها وبناتها دون تمييز .
11/ 3 / 2015