أخبار - كُردستان

7 أعوام على مذابح سنجار.. برلين “وحدها” تنصف ضحايا الإيزيديين

بعد سبع سنوات من الإبادة الجماعية التي أودت بحياة ما يقدر بعشرة آلاف إيزيدي في شمال العراق، فإن العديد من الدول الأوروبية لا تزال عاجزة عن محاكمة المتسببين عن إحدى أسوأ الفظائع في القرن الحالي، وذلك وفقا لتقرير نشره موقع “يورو نيوز”.

وكان مسلحو داعش قد اجتاحو إقليم سنجار شمالي العراق، وارتكبوا جرائم قتل وبح راح ضحيتها آلاف الرجال والنساء، فيما جرى استعباد الفتيات وتجنيد الأطفال كمقاتلين لصالح التنظيم الإرهابي.

وقد جرى استرقاق نحو 7 آلاف امرأة وفتاة إيزيدية، وبعضهن لم يتجاوز التاسعة من العمر وقتها، قبل أن ينقلن قسراً إلى مواقع في العراق وشرق سوريا، بينما أفادت بعض الناجيات من اللواتي تعرضن للاسترقاق الجنسي أنهن  كن ضحايا لعمليات بيع أو إهداء أو تناقل بين مقاتلي داعش بشكل متكرر.

أدلة واضحة.. ولكن

وعلى الرغم من الأدلة الواضحة على دور داعش في تلك الفظائع، إلا أن عملية مقاضاة المسؤولين عنها لم تجري بشكل واضح حتى الآن، إذ لم تنشئ أي محكمة دولية أو إقليمية، ولا يزال أعضاء داعش السابقون المسؤولون عن جرائم ضد الإيزيديين محتجزين في العراق وسوريا.

ونظرًا لأن سوريا لا تزال ممزقة بالحرب وتحت سيطرة نظام بشار الأسد إلى حد كبير، فإن هناك احتمال ضئيل لتحقيق العدالة من خلال المحاكم هناك، في حين وقف  الآلاف من مقاتلي داعش السابقين أمام المحاكم العراقية بتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية وليس على الجرائم التي ارتكبت ضد الإيزيديين.

ويقول، عابد شمدين، مدير مبادرة ناديا، وهي منظمة غير حكومية أسستها الحائزة على جائزة نوبل، نادية مراد، والتي تدافع عن الناجيات من العنف الجنسي، إن العملية القانونية في العراق “غير شفافة و لايعلم الناجون حتى ما فيما إذا كان أعضاء داعش يحاكمون أم لا”.

وأضاف شمدين: “كان هناك أيضًا العديد من المواطنين الأوروبيين والأميركيين الذين شاركوا بدرجة معينة في الهجمات ضد الإيزيديين، ولا توجد طرق واضحة لمقاضاتهم أمام المحاكم العراقية”.

إجراءات غير كافية

وحتى الآن، جرى اتخاذ إجراءات في فرنسا وألمانيا ولاتفيا وهولندا ضد داعش أو غيرهم من المتشددين المتطرفين بتهم الإرهاب، فيما كانت برلين رائدة في محاكمة أعضاء داعش على جرائم محددة ارتكبت ضد الإيزيديين.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 1200 ألماني انضموا إلى داعش، بما في ذلك “سارة. و” التي سافرت إلى سوريا في عام 2013 للالتحاق بالجماعة الإرهابية.في سوريا،  حيث تزوجت من “إسماعيل. س”، وهو مواطن ألماني آخر لا يزال مطلوبًا لدى السلطات في بلاده.

وعلى مدار عامين من 2015-2017، أقدمت سارة وزوجها على شراء واستعباد سبع نساء وفتيات إيزيديات، حيث لقيت إحداهن مصرعها قبل أن تتم الخامسة عشرة من عمرها.

قصة سارة

وفي يونيو الماضي، أدانت محكمة ألمانية سارة بالانتماء إلى منظمة إرهابية أجنبية والمساعدة والتحريض على الاغتصاب والاستعباد والاضطهاد الديني بما يشكل جرائم ضد الإنسانية.

وفي هذا السياق ترى، ألكسندرا ليلي كاثر، مستشارة العدالة الجنائية الدولية والزميلة الزائرة في جامعة غولدسميث في لندن، أن الإدانة بالاضطهاد الديني والقائم على نوع الجنس “أمر بالغ الأهمية لأن الأيزيديين غالبًا ما يُنظر إليهم على أنهم مجموعة واحدة متجانسة في هذه القضايا”.

وتابعت: “دأب مسلحو داعش على فصل الإيزيديين حسب العمر والجنس، قبل أن يطلقوا النار على الرجال والنساء المسنات، فيما وقعت الشابات تحت طائلة الاستعباد الجنسي والعبودية المنزلية، كما جرى استعباد الذكور القاصرين وتجنيدهم قسراً للقتال”.

ومع ذلك، وحتى الآن، ركزت معظم محاكمات مسلحي داعش على عضويتهم في داعش، بدلاً من جرائم حرب محددة، وهنا توضح نيرما يلاتشيتش، مديرة العلاقات الخارجية في لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CJIA ) أن منظمتها غير الحكومية الدولية تعمل على جمع الأدلة في مناطق النزاع بغية تحقيق الملاحقات القضائية في المحاكم الجنائية المحلية والدولية.

وقالت نادية مراد في بيان عقب إدانة امراة تدعى ” أميمة. أ” بتهمة المساعدة والتحريض على الجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الإقليمية العليا في هامبورغ في 26 يوليو الماضي: “في سياق الجرائم التي ارتكبها داعش بحق الإيزيديين، يجب أن تكون هذه إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، إلى جانب تهم الإرهاب، لأن مثل هذه المحاكمات ستسهم في نهاية المطاف في السجل التاريخي وتكون مرجعاً للناجين في دعاويهم بشأن التعويضات المادية والمعنوية”.

أسباب ريادة ألمانيا

وكانت ألمانيا قد قادت حملة  رائدة في ملاحقة جرائم داعش بحق الإيزيديين لعدة أسباب، أبرزها أن المدعي العام الاتحادي الألماني وقوات الشرطة الفيدرالية يملكون وحدات متخصصة للتحقيق في جرائم الحرب ومقاضاة مرتكبيها، بالإضافة إلى وجود دعم سياسي للمجتمع الإيزيدي على المستوى الإقليمي مع ظهور تقارير عن فظائع داعش في عام 2014.

وفي مارس 2015، بدأت ولاية بادن فورتمبيرغ برنامجًا لإعادة توطين النساء والفتيات المستضعفات في شمال العراق شملت أكثر من ألف امرأة وفتاة في وقت قصير نسبيا، وفي هذا الصدد تقول كارثر: ” “الكثير من الناجيات كن على مقربة شديدة من مكتب المدعي العام الألماني، والذي كان قادرًا على مقابلة أكثر من مائة ناجٍ وتسجيل شهادتهم”.

كما أن ألمانيا هي واحدة من الدول القليلة التي لديها ولاية قضائية عالمية حقيقية لمقاضاة الجرائم الدولية بما في ذلك الإبادة الجماعية والتعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والاختفاء القسري، إذ يسمح القانون الألماني للسلطات الألمانية بالتحقيق والمقاضاة في الحالات التي لا يكون فيها الضحية أو الجاني ألمانيًا وحتى إن جرى اقتراف تلك الجرائم خارج البلاد.

تحديات رئيسية

ويكمن التحدي الرئيسي لمحاكمات الولاية القضائية العالمية في جمع الأدلة الميدانية والحفاظ عليها، وتحديداً من سنجار في العراق حيث ارتكبت الإبادة الجماعية للإيزيديين في الغالب.

منذ عام 2016، قدمت لجنة العدالة والمساءلة الدولية، أدلة  بخصوص تلك الانتهاكات إلى دول الاتحاد الأوروبي، ودول ديمقراطية أخرى لا توجد فيها عقوبة الإعدام، لمحاكمة أعضاء داعش والنظام السوري في محاكمها الوطنية بتهم اقتراف جرائم ضد الإنسانية.

كان جمع الأدلة على الجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين، لا سيما ضد النساء، يمثل تحديًا. يقول جيلاسيتش إنه كان من الصعب العثور على ضحايا يمكنهم الإدلاء بشهادتهم في قاعة المحكمة، حيث أجرى صحفيون ومنظمات غير حكومية مقابلات مع العديد منهم، علما أن اللجنة لا تأخذ تصريحات الضحايا الذين تحدثوا بالفعل إلى وسائل الإعلام.

وتقول جيلاتشيتش: “لا نريد إعادة صدمتهم من خلال مطالبتهم بإعادة سرد قصتهم، لكننا نريد أيضًا حماية شهادتهم”، متابعة: “في كل مرة يروي فيها الشخص قصته، ستبدأ اختلافات صغيرة في التسلل. وبعد ذلك، عندما يكونون في قاعة المحكمة، سوف يسلط الدفاع الضوء عليهم ، وبالتالي فأنت لا تريد وضع أحد الناجين  في هكذا مواقف”.

الحاجة إلى إطار شامل

وفي حين أن الملاحقات القضائية الأوروبية لأعضاء داعش قد وفرت العدالة لعدد قليل من الناجين وشكلت سابقة للقضايا المستقبلية، فإن القضايا تشمل في النهاية نسبة ضئيلة من الضحايا والجناة المتورطين في فظائع داعش، إذ يرى شمدين انه : “لا يوجد إطار شامل للجمع بين كل هذه الحالات معًا ووجود نظام لتتبعها والتأكد من مشاركة الناجين”.

ومن وجهة نظر  جيلاسيتش من غير المرجح أن يتم تشكيل محكمة دولية للتركيز بشكل خاص على جرائم داعش، قائلة: “لا أرى وجود الإرادة السياسية لإنشاء هيئة مخصصة للتعامل مع هذه الجرائم”.

وبينما كانت ألمانيا استباقية فيما يتعلق بمحاكمة جرائم داعش، اتخذت دول أوروبية أخرى نهجًا مختلفًا تمامًا، سمحت فرنسا لمواطنيها الذين انضموا إلى داعش والمعتقلين في العراق وسوريا أن يحاكموا أمام المحاكم العراقية،  وذلك على الرغم من انتقاد المنظمات غير الحكومية الدولية افتقار المحاكم إلى الضمانات الإجرائية وإقرار عقوبة الإعدام.

الحرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى