الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية…… إلى أين ؟
عبدالصمد داوود
بعد انطلاقة الثورة السورية في 15- 3 -2011 بمدة طالت إلى حد ما، تشكل ا الائتلاف الوطني من أكثر القوى السياسية التي كانت تعمل في حينها على الساحة السورية ، بالإضافة إلى شخصيات وتيارات فاعلة ، وبعد انضمام المجلس الوطني الكردي إليها في آب 2013 انتعش آمال كافة مكونات الشعب السوري بهذا الوليد الجديد، الذي وضع أمامه أولويات ثلاث: إسقاط النظام بكافة رموزه – ردم الفجوة ما بينه وبين الشعب – الوصول إلى دولة سوريا جديدة تعددية وديموقراطية.
وفي مساره النضالي والذي امتاز بفاعلية مشهودة بعيد تشكيله، ليكتسب اعترافا دوليا و إقليميا و عربيا، ودعما ماديا ومعنويا، واحتراما لائقا بمستوى مسؤولي دولة ……كل ذلك وفي زمن قياسي…..لكن ربيع ا الائتلاف لم يطل فسرعان ما دب الوهن في أوصاله ، وبخاصة بعد اجتماعات جنيف ، وليتعرض وما يزال إلى جملة معقدة من التدخلات الدولية والإقليمية والعربية ، حتى أصبح وضعه وفاعليته ودعمه المادي والمعنوي والعسكري ، رهين الصراعات والصفقات والمساومات والاشتراطات لتلك الدول ، حتى بات استقلالية قراره السياسي ، وبرامجه وفعله وتفاعله في مهب رياح الغير .
لا شك أن النظام السوري فعل فعله الخبيث، وكان له الدور الكبير في زعزعة الثورة وإفراغها ، عبر تجنيد وإيواء ودعم قوى متطرفة، إرهابية بالأساس، لتتمدد وبسرعة وتهيمن على مساحات واسعة وفي عدة محافظات ولتنفث سمومها وتمارس إرهابها الفظيع يمينا وشمالا ، إجهازا على الثورة واستحقاقاتها من جهة و خدمة للنظام في تنظيراته أمام المحافل الدولية : أنه لا ثورة على الساحة السورية بل إرهاب فاختاروا إما أنا أو الإرهاب.
وبالرغم من أن أغلبية الدول وكل من مارس ويمارس السياسة، يعرف تماما أن النظام السوري هو الإرهاب بعينه ، وهو الأب الشرعي لداعش وأخواتها ، فكيف تنطلي ذلك على تلك الدول وعلى رأسها أمريكا بالتركيز على مسميات الإرهاب لا الفاعل الحقيقي ، على النتيجة لا السبب ؟ ؟ ، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو : أليس خلخلة ا الائتلاف وعدم جدارته وأهليته ومستواه هو الذي مهد الطريق لامتدادات داعش وأخواتها و { لانتصارات } النظام ؟ ولهذا فإنه وبالإضافة إلى تلك العوامل الموضوعية والتي لن نخوض في تفاصيلها أكثر ، هناك العوامل الذاتية التي لعبت وتلعب دورا حاسما في جملة العوامل التي أدت وتؤدي إلى الانحسار والفشل ، وما واكبت المسار النضالي ل الائتلاف من الارتباكات والتخبطات والتراجعات إلا تجليات ذلك الانحسار ، حتى أفقدته إمكانية تحقيق أولوياته الثلاث ، فلا النظام أسقط والفجوة استفحلت والإتيان بسوريا جديدة صار من المحال في هكذا حال .
لا بد من الاعتراف بغلبة وتفوق العوامل الموضوعية على العوامل الذاتية في أزمات العصر الحالي ولكننا نكاد أن نجزم بأن ضعف العامل الذاتي هو الذي أثار ويثير سعار العامل الموضوعي، فهو الذي يهيئ الأرضية الخصبة للتغلغل والاستثمار والاستغلال ، ولا يمكن للجراثيم أن تعشعش إلا في الجسم الهزيل ، و لا يمكن صعود قمة الجبل بدون وجود حفر تؤدي إليه .
إن الائتلاف ـ كما هو حال جميع الأحزاب والمنظمات ـ هي وسيلة بحد ذاتها وليست هدفا ، وتصبح هذه الوسيلة أو ذلك الوجود غير مبرر إذا عجز عن تحقيق الهدف أو غدا عائقا أمامه ، ومع الأسف الشديد فإن الائتلاف الآن هو أقرب ما يكون إلى هذا المنظور ، إن تحقيق الأولويات الثلاث لا تتأتى بالشعارات ولا بالخطابات و…… إنها تأتي من خلال لزوميات خمس هي كنه صلابة العامل الذاتي وهي :
1_ وضع برنامج سياسي واضح وشفاف ومتفق عليه ، بحيث يعرف الجميع …. الأعداء والأصدقاء ، القاصي والداني …. ما نريده بالضبط وكيف سنحققه ، ونظاما للعمل والتعامل وقوانين محدده وضوابط راشدة ومقيدة ، نحترمه ونتقيد به ، بصرامة الجسد الواحد والعقل الواحد دون أية مراضاة أو التفافات .
2 _ استقطاب كافة شرائح الشعب السوري وبكافة مكوناته : عربا كردا آثوريين تركمان …. والإلتحام معهم نهجا وسلوكا بآلامهم وآمالهم بمآسيهم وتطلعاتهم ، وبحيث يحس الجميع بأن ا الائتلاف منه وإليه لا أن تصرف ملايين الدولارات على الرواتب ونفقات المراضاة وجبر الخواطر في ظرف وصل فيه القتل والتشريد والدمار والجوع والحصار إلى أقصى درجاته وشملت كل السوريين .
3 _ استغلال العطف والدعم الدولي والعربي ، وجعله يصب كلها في مصلحة الثورة والقضية والشعب ، لاجئين ونازحين ومقيمين ، والمحاسبة الصارمة لكل المتلاعبين ولصوص النهار والمرتزقة والمتسلقين وعملاء النظام وتجار الحروب والأزمات .
4 _ إيجاد قيادة كارزمية محنكة ومتمكنة ومخلصة ، هاجسها الأوحد والوحيد تحقيق الأهداف المرسومة ، و إن تموضعها تكليف وليس تشريف ، وأن لا ولاءات إلا لمن يقدم الأفضل .
5 _ حيث أن الإعلام هو محرك العصر فلا بد من إعلام قوي موحد وشفاف ، يعكس بصدق روح الشعب السوري ، إعلام يجمِع لايفرق يوثق ويعبِر يدخل كل البيوت ويستثمر كل العقول .
إن غياب أو تغييب هذه المحاور أدت وستؤدي إلى هشاشة العامل الذاتي ، بالإضافة إلى ما نتلمسه من إنحلالات في القول والتصاريح وغياب تام لإعلام يمكن الارتكاز عليه ، وانعدام للحس الوطني ، وعدم الانسجام وانفراط اللحمة وانغماس الأكثرية في الحسابات والمناكفات الشخصية ، وظهر كمٍ هائل من أشكال الصراعات الداخلية والجانبية والمنافسات الحزبية والفئوية ، حتى غدا الانتصار الأهم هو غلبة فئة على أخرى ، أما الأهداف المحددة والمرسومة فتنكفئ وتنحسر ، وهذه كلها أدت إلى التغييب المتعمد ل الائتلاف من حضور الاجتماعات الدولية أو العربية ذات الصلة بالشأن السوري في الآونة الأخيرة ، إن تجليات تلك الصراعات تتمظهر بوضوح في كثرة الوعود والاجتماعات وقلة النتائج أو هزالة ما يتمخض عنها، أو المراوحة في المكان أو خطوة إلى الأمام وخطوات إلى الوراء ، ولم تفد حتى الآن كل محاولات ا الائتلاف الترقيعية بل زادت الأزمة تفاقما رغم تغيير الوجوه المسؤولة ، فقد وصلت المناكفات الآن إلى مراحل { متقدمة } من التضاد والتحدي ، ورغم كل هذا السواد ، فإننا نفلسف ونسوِف ونضخ مئات الحجج والمبررات ، ونعلق فشلنا على شماعة الآخرين ، ولكن من دون ذكر أي قصور أو نقد أو محاسبة للذات ، ولم نسمع بإقالة أو استقالة أحد ، ولم يعلن أحد علنا وصراحة بأن القيِمين غير جديرين وغير مؤهلين وليسو بمستوى مسؤولي و مسؤولية إنشاء دولة جديدة ، وفي غياب هذه الجرأة وهذا الاعتراف ……… يكمن أهم أسباب الفشل .