عقلية التسويف ومنهجية التبرير
وليد حاج عبدالقادر / دبي
في واحدةٍ من أكثر الأمور صراحةً، ومنذ سنتين وربما أكثر ،صرح الجنرال الأمريكي العتيد جوزيف فوتيل القائد العام للجيوش الأمريكية في الشرق الأوسط، أن أمريكا بصدد تطوير برنامج تدريب موسع لحرس الحدود في سوريا وقوامه عناصر من حلفائنا هناك ، وحينها تنمر كثيرون من صناديد المدرسة المخلوفية المتجددة – نسبةً للضابط سيء الصيت علي مخلوف – لمجرد إشارتنا إلى ذلك، وبأن مجاميع من وحداتهم تخضع فعلاً لدورات تدريبية مكثفة ، وانفتحت قريحتهم على ما هب ودب من تهم وشتائم !، وما أن تبلور الخبر وبانت الأهداف ، وظهرت للعلن أخبار بعض اللقاءات الحدودية الخاصة بذلك، وتوضح بأن الخبر صحيح والإنتشار سيكون في أضيق نطاقٍ بحيث لا تتماس مطلقاً مع المناطق الكُردية في سوريا ! الأمر الذي أدى إلى زيادة – جعير – بعضهم رغم نقل كثير من وسائل الإعلام العالمية حينها تصريحات الجنرال فوتيل في مقابلته الهاتفية تلك والتي أجراها مع وكالة اسوشييتدبرس . وليتحول ذات الجعير بين ليلةٍ وضحاها وليتها تبرير فقط، بقدر تحولها إلى دفاعٍ ومباركةٍ وفرض قوةٍ، هذه البدعة المرياعية الغبية والتي تمارَس كثيراً ، على الرغم من الإنكشاف الذريع، إلا أن المنطق الجمودي يظل يراوح في عين ذات الدائرة ويصمم على تجديد ذات المزاعم! نعم في الانعطافات الكبيرة الخاصة بالأنظمة وانهياراتها ولحظات انكشاف الأوراق الصفراء المحنطة ضمن أطر ملفات ياما نالت من أناس أبرياء ودمرت عائلات ومصالح، وفي لحظة انكشاف تلك الأوراق الصفراء ومواجهتها!! ترى هل فكر أولئك التافهون مما خلفوه ؟! …
وثائق ومخططات وسندات، لن تستطيع أقوى كاسحات المسح والتدمير من إزالتها سوى العابثين في كل شيء ولكنهم يتجاهلون / يتناسون بأن خلط الأوراق هي غير تخالطها والأحداث لاتزال محكمة الطوق وان كل التمددات بما فيها الإقليمية – كالتركية / الإيرانية – ليست منفلتة بقدر ماهي ٱولويات ومن جديدٍ محكمة يُراد لها عدم انفلاج الفالق بقوةٍ اهتزازية عنيفة فتخرج من نطاق التحكم وتؤدي فعلاً إلى فوضى غير خلاقة حسب ما تم الرسم لها، والملاحظ بأنه حتى الدول الإقليمية مثل تركيا وايران باتت تتحسس المسألة وأخذت تتوجس، لابل تصرح وبوضوحٍ في وجود مخططات تستهدفهما كنتاجٍ عملي لسعر تكلفة الصراع السوري، بالرغم مما وفرتها لهم طبيعة الصراع من أريحية أمنية، وبتصوري: إن تضارب المصالح البينية تركياً و إيرانياً ستتّسع كاستهدافٍ وجودي، وسيتماس مع إعادتهما استراتيجياً إلى حجمهما الحقيقي وإن كان المشهد كله يوحي بأنّ الأمر سيتمّ بالبدء من الأخطر وهذا ما نلحظه في التمدد الإيراني والتوجه الصارم للتصدي له.
وكُردستانياً وإن استطاعت إيران فتح ثغرةٍ في الخاصرة الرخوة وسط تجاهل أو غضّ نظرٍ عسكري أمريكي واضح إلا أنها / برأيي /، بانت وبوضوحٍ بأنها جزء هام من خطة الاستدراج الممنهج لهما، وما أسباب إطالتها سوى زيادة في الاستنزاف من جهة، والمسبّبات التي توفّرها للدولتين مجاميع توغّلت فيها أيادي الدولتين الغميقة، وماكينة الضخ التسويفي في استيلاد شعارات مبهمة من جهة ومتضخمة كما ذات السايكولوجيات التي تعوّدت – النفخ الذاتوي – في إنتاج ٍ مقرف وفقط للانغلاق العقلي والفكري ، هذه النزعة التي تعدّ بحدّ ذاتها من أخطر الأمور في حياة المجتمعات والشعوب ، والتي تشتهر بصناعة الأوهام واللعب على الذاكرة الجمعية، والتركيز عليها كواحدةٍ من أهم برامج التسويق اليومي، دون التفكير ولو للحظةٍ بأنّ الانكسار سيكون شديداً ومؤلماً في البنية القاعدية المجتمعية !! ولنا في تجربة العرب وحرب حزيران ١٩٦٧ والبيانات والبلاغات المتتالية عن آلاف الطائرات العدوة التي ٱسقِطت وحصار تل أبيب !! فيما الواقع كان أن ّ عواصم عربية هي التي كانت محاصَرة ! وذات الأمر بحرب تشرين ١٩٧٣ وإن كانت بوتيرةٍ أخفّ نسبياً !!
وكَردياً: علينا ألا ننسى سلسلة الطوباويات التي أزيحت من الوعي الجمعي وباتت حتى الذاكرة الجمعية لهم تلفظها ، لابل تدينها وتطوّقها بمفاهيم لإرثٍ جمعي تسيء بها حتى إلى دماء الرعيل الأول من شهدائها ، ولتمتدّ ذات النزعة وكزهايمر – يقحط من قاع الذاكرة – مرشد تلك – التغريبة – والعودة منها ، من دون الجرأة – في المسّ بقداسوية المرحلة بنقدها وأسباب إلغائها – حتى ولو ظاهرياً ! لذلك الشطب من جهة ، وأيضاً ذلك التمزق البنيوي وجغرافيات وصلت إلى حد التطويب المقدٌس .
أجل ! إن الجمود العقائدي هو من أسوأ مفرزات الجمود التنظيمي ، بعقليتها العسكرتارية والتي تأخذ بمنطق التراتبيات ترهنها بالسنين داخل الهيكل لا الشهادة وآفاق الوعي المكتسب ، والحالة هذه هي من أهم عوامل تشكّل الطبقات المترهلة في الهرم العلوي والتخبّص في الرؤية كما خلق الحلقيات التابعة للتابع والمتبوع.
إن ّ العمر الحزبي وكتجربةٍ شخصية مررنا بها منذ السبعينيات أضرّت وما نفعت وان كان لابدّ لبعضٍ من الحالات الخاصة ! وكأنموذجٌ: كنا خمسة اعضاء فرقة في البارتي صيف عام١٩٧٤ وأتذكّر منهم الراحل سهيل دياب ميرو – كان طالباً في كلية العلوم – وأنا طالب بالآداب وعزيز شيخو معي بذات الكلية والاجتماع كان ببيت عزيز وفي نهاية ال – جفين – الذي لم يدم لنصف ساعة طلب منا مسؤولنا عضو المحلية كتابة التقرير .. التنظيمي.. المالي… السياسي: لا شيء ! هنا تطلّعنا نحن الاعضاء بوجه بعض، وقلنا: هفال ؟ كيف لا شيء ؟ وضع كُردستان العراق هناك خطورة كبيرة.. تركيا غزت قبرص.. قضية ووترغيت تراكمت ونيكسون بح.. ردّ بالحرف وبنرفزةٍ : هفال مسؤولنا من اللجنة الفرعية لم يطلعنا على أي جديدٍ عن الوضع السياسي وكلام الجرائد وأخبار الراديو خلوها لكم
يا رعاكم الله .. ومع يقيني التام بأنه عمره ما كانت الشهادات العلمية هي الوحيدة في آليات تأسيس الوعي وتصقيله . أمر آخر وفي سياقية ذات النمط الآيديولوجي ، نرى بأنّ المبدئية حينما تكون حقيقية وغير شعاراتية ، فإنها تستطيع وببساطةٍ أن تظهر ذلك وكمثالٍ حي على ذلك تجربة الحزب الشيوعي
العراقي، فمنذ الستينيات وانطلاقة الثورة الكُردية في كُردستان العراق، لابل ومنذ تأسيسه – وكأنموذج – كان الحزب الشيوعي العراقي من المؤمنين بالقضية القومية الكُردية على قاعدة حق تقرير المصير، وكان له منظمة خاصة بكُردستان الأمر الذي فرض حينها وإلى الآن ذات التساؤل لماذا كانت لها وجودها وأهميتها ولم تزل في المحطات والتحالفات والجبهات الكُردستانية عكس الأحزاب الشيوعية في الأجزاء الأخرى!! والتي فرضت حتى لغات دولتها القومية في اجتماعات فرقها الحزبية وإن كانوا جميعهم كُرداً؟ ! والسؤال هنا: أيجوز لمن لا يؤمن بالخيارات القومية فيزعم بأنه يقودها حتى وإن كان يقوم بتفريغها ايديولوجياً ومن معاييرها ؟!
هذا الأمر بحد ذاته والذي سيقودنا إلى مفهوم التمثلية القومية كخيارٍ حقيقي لا لبوسٍ تكتيكي، ومع ذلك فإنّ الحوار مع وجود بصيص أملٌ لأيّ اختراقٍ ومهما كان بسيطاً حتى لمجرد تثبيت حروف الكلمة لا معاييرها أمر جوهري، ولكن شريطة أن تكون من اولوياتها الإقرار المتبادل بوجود الآخر وإمكانية التحاور ومن دون المسّ واستهداف الآخر بخطواتٍ تجاهلية، على قاعدة النفي المزاجي البنيوي كما فعلوها وكإلغاءٍ ذاتي وبجرة قلم الأسس المركزية التي أسّسوا عليها انطلاقتهم، هذا الأمر الذي سيدفعنا في التدقيق في كلّ حرفٍ أو علامة ترقيمٍ ذي مدلولية ، والكلام هنا موجه بالدرجة الأولى للذين يلومون المجلس الوطني الكُردي، يريدون منه اتباع ذات البصمة التي مارسها غيرهم! في الرد السريع!! فهل فكّر أولئك أو قرأوا مفردات كلمات السيد آلدار خليل ؟! وعندما / يقول بأنهم حتى لو سامحوا مَن تظاهر ضدهم فإنّ الشعب لن يسامحهم !! / وشعب السيد آلدار خليل أو ليست هي تف – دم !! وتف – دم هي الشعب… إنّ مَن يرفض الحوار على أسس سليمة، وعلى قاعدة تبني قضية الشعب الكُردي وحقوقه في إطارٌ ديمقراطي شامل لكلّ سوريا لابل وكنتاجٍ لها، سيكون كما أثبتت الوقائع هو المساهم الأول في ضياع تلك الحقوق.
إنّ السعي المتجدّد لتطويق الحوار وحصره في نطاقية أدلجته، هي ذات العقلية الإلغائية والممارسة لسياسة التكفير أو التخوين، وبالتالي المطالبة من الآخرين بدخول بيوتات الطاعة الجبرية! وهنا ماذا علينا أن نسمّي هكذا شروط ؟ أو ليس تسخيفاً وتدليساً لمعنى كلمة الحوار ؟ وبالتالي ألا يذكّرنا هكذا محاولات بما تسعى إليه مقررات – سوتشي – روسيا وايران / وربما تركيا ايضاً / في تمريره داخل الجغرافيا السياسية لسوريا ؟! …
بتصوري: إنّ الحسم العسكري شاء من شاء أو ابى!! سيكون في صالح النضال السلمي وهذه بالضبط ستكون محاور ما بعد الإعلان عن ايصال داعش إلى أدنى حالات ضعفها واستجفاف الطابع العسكرتاري العملي لها… ولكن حينها: ماذا ستكون تركيا وايران قد فعلتاه ؟! .. هو السؤال المتوجّب طرحه على السيد آلدار ؟! ومدى فهمه ومنظومته لسياقية الاستدراج الممنهج بطابعه المزدوج وبالتالي: هل إنً – الحوار – الذي يبتغيه هو للعب على الوقت ؟ أم أنه يبتغيها على شاكلة المصالحات المحلية ؟! ..
إنّ التصميم على مبدأ صناعة ردات الفعل والارتكاز عليها لن تخلق إلا أفعالاً مرتدة أعنف، وبالتالي السباحة في الرمال المتحركة!! وهنا علينا الإنصاف في التوصيف العملي لقوتين واحدة لاتزال تمارس العمل بمنطق فوهة الرشاش والقيد والطماشة وماكنة إعلام تضخّ ما هبّ ودبّ، والأخرى: إلى اللحظة لاتزال تمارس دور الدريئة وسلاحها فقط هي الكلمة! وعليه أو ليس الأجدر فيمن يفترض به الضامن لإنجاح أية قضيةٍ تكن؟ العمل البدئي في ايقاف هيجان الكثبان الرملية المتحركة؟! .. أجل ياسادة ! وهنا يبرز السؤال الأهم لماذا الإصرار في الضحك على عقول ماينيف عن ثلاثة ملايين من الرعية – الشعب ؟! . ولو أنّ تف – دم احترمت كيانها السياسي ! أقول – لو – واعلم ماهي وأضيف لو أنها تحترم خصوصيتها لرمت الحقيقة في وجه غالبية المهربجين لها !! وطالبتهم بالكف عن عبثية – التقية – وتلك التعويذة البلهاء – وهذه عامة – : وهل يخطئ الرفاق ؟ أكيد لأ ؟ ويستحيل للحزب ألا يمارس سوى الأصح ؟ .