هل التاريخ يعيد نفسه؟
زهير علي
باتت خريطة الشرق الأوسط قريبة أو تكاد تكون مطابقة لما قبل 1400 عام، و هي ذات المجتمعات بتحالفاتها و تصادماتها، إنما تغيّرت الأسماء و العقائد، و في علم الاجتماع الأسماء والعقائد هي مجرّد ظواهر لبنىً إجتماعيةٍ تميّز المجتمعات نفسها بها.
التحالف الجديد الذي بدأ يتشكّل و ترتسم ملامحه هو تحالف عربي – يهودي ( أبناء ابراهيم)
الهدف منه في هذه المرحلة هو تحجيم – القوة الفارسية المتنامية – وأداتها الشيعية السياسية. – القوة التركية المتنامية – وأداتها السنية السياسية.
قبل 1400 عام بنى اليهود تحالفاً مع العرب النصارى( هؤلاء غير المسيحيين) باعتبارهما كليهما أبناء إبراهيم من إسحاق وإسماعيل و توافقوا معاً لاستعادة أرض كنعان من بيزنطة المسيحية باعتبارهما كليهما ورثة ابراهيم. وقتها كان المجتمعان العبراني وبعقيدته اليهودية والعربي بعقيدة النصارى يتمّ التضييق عليهم من الزرادشتية الساسانية ومن المسيحية البيزنطية التي كان بولس الرسول قد أسّسها عبر دمج حركة إصلاح عيسى في اليهودية بالميثرائية لتكون في صيغةٍ مقبولة أممياً. بولس الرسول الذي انتزع صليب عيسى من الإبراهيمية وأطرها بالشمس الميثرائية وترك قصة الخلق الإبراهيمية في نواتها، وبنى منهما كنيسته التي أعلى بنيانها لاحقاً القديس بطرس على أنقاض معبد ميثرا الروماني وصارت الفاتيكان.
ذلك التحالف العربي – اليهودي الذي انسحب منه العرب النصارى بعدها و تحوّلوا لمسلمين أدّى لانهيار ساسان الزرادشتية و لاحقاً على مدى 900 عام أدّى لانهيار بيزنطة المسيحية ولكن هذه انهارت على يد الترك المسلمين وليس العرب المسلمين. الترك الذين استجلبهم الخليفة العباسي القائم بأمر الله ليقضى بهم على الدولة المروانية الكُردية التي كانت في كُردستان وعلى البوهيين الشيعة وكانوا يحكمون بغداد وجنوب العراق.
الكُرد قبل 1400 سنة كانوا أيضاً منقسمين :
1- قسم من الكُرد كانوا ضمن الأمبراطورية البيزنطية وهؤلاء كانوا ممالك الجراجمة والتوبال وكوما جين وصفونا وكابودوكيا …
2- قسم كانوا بتنسيقٍ مع الفرس في الدولة الساسانية التي كانت جامعة لهما.
3- قسم لم يكونوا لا مع ساسان ولا مع بيزنطة وهؤلاء كانوا في سوريا متحالفين مع الآراميين بتحالفٍ بقي مستمراًمنذ تحالف كي خسرو ونبوخذ نصر وكانوا على عقيدة الآفيستا وهذه توجد مؤشّرات كثيرة في المراجع التاريخية تدلّ على ذلك و الموروث المجتمعي للسوريين عموماً وكذلك اللهجة السورية والكورمنجية تحمل إرث ذلك التحالف. هؤلاء معاً كانوا في واحدٍ ربّما من أكثر المجتمعات تقدّماً في العالم ككلٍّ وقتها، وأهمّ مدنهم كانت قنسرين والشام و الجزيرة والرها … البعض يذكر قنسرين كان اسمها قان زيرين qenzêrîn الجوهرة الذهبية؛ . كلمة qene تعني الجوهرة بالآرامية فنصف الاسم آرامي والنصف الثاني كُردي هكذا كان التعايش ألمشترك بين الكُرد والآراميين في سوريا في كلّ الجغرافيا السورية وأسماء الجغرافيا تشهد على ذلك وحتى اسم سوريا ذاتها التي تعني الشمس.
قبل نهاية الألفيةالاولى هدم الحمدانيون مدينة الدعامة الذهبية قان زيرين ( التي لم يجد المؤرّخون العرب ولغويوهم لها معنىً فركّبوا لها معنىً هو قن النسور و تناسوا أنّ القنّ هو للدجاج وليس للنسور وأنّ كلمة قن ذاتها ليست عربية. المهم أنّ قنسرين تمّ تسويتها بالأرض لينسى تاريخها وإرثها الحضاري وبنوا بحجارتها وأعمدتها مدينة حلب.
اليوم الكُرد منقسمون أيضاً
وهذا الذي يجري إن لم يعوه ويعرفوا أين يصطفون؟ وكيف يحمون نفسهم؟ سيفقدون هذه المرة الجغرافيا بعد أن فقدوا أول مرةٍ التاريخ.
هكذا تقول المعطيات.
مهمٌّ جداً اليوم أن يفكّر الكُرد بالأوضاع التي تستجد، وهذه المرة التحالفات لن ترسم لمئة عامٍ كما تمّ في مدينة بال بسويسرا بل ستغيّر الشرق الأوسط ربّما للأبد.
السؤال هل سيستطيع الكُرد وخاصةً المثقفون بالدرجة الأولى الاستجابة لتحديات المرحلة و سيقومون بالدراسات الاستراتيجية للتوجّه الجديد الذي ينشأ في الشرق الأوسط.
العرب واليهود انتهوا من الدراسات وبدأوا التنفيذ
و التحالف العربي – الإسرائيلي لن يواجه الفارسي والتركي معاً.