في الرهان الخاسر لـ pkk على الإدارة الأمريكية الجديدة
شاهين أحمد
منذ الـ 3 من نوفمبر / تشرين الثاني 2020 ، وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية ، وما تلاها من سيطرةٍ ديمقراطية واضحة على الكونغرس بمجلسيه ( النواب والشيوخ ) ، نتيجة القيادة الفاشلة للرئيس الخاسر والمنتهية ولايته دونالد ترامب وسياساته الخاطئة التي دفعت بشريحةٍ مؤثّرة من مناصري الحزب الجمهوري أن تغيّر رأيها وتصوّت لصالح مرشّحي الحزب الديمقراطي لمنصبي الرئاسة ومجلس الشيوخ ، والتي أدّت إلى سيطرةٍ ديمقراطية على مؤسسات القرار الرئيسية الثلاث ( الرئاسة – مجلس النواب – مجلس الشيوخ ) . ويجمع غالبية المراقبين للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على عودة الإدارة الديمقراطية إلى التقليدية المتبعة والمعروفة تجاه ملفات المنطقة من حلّ الدولتين بالنسبة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ، وتغييراً لمسار العلاقة مع إيران باتجاه إعادتها إلى الاتفاق النووي بعد تحسين شروط الاتفاق لصالح واشنطن ، وفرض شروطٍ جديدة عليها من إدراج مشروع الصواريخ البالستية والسلوك العدواني والتدخلات الإقليمية في سوريا واليمن ولبنان والعراق ، وإجبار إيران على الامتثال الكامل للشروط المذكورة . وربما نرى اهتماماً أكثر من قبل الإدارة الجديدة في مجال حقوق الإنسان في المنطقة ، وهذا الجانب قد تستفيد منه شعوب المنطقة ومن بينها الشعب السوري بشكلٍ عام والكُردي بصورةٍ خاصة . ومن الأهمية بمكانٍ هنا الإشارة إلى تكليف شخصين معروفين من قبل أوساطٍ سياسية واسعة في الشرق الأوسط بملف المنطقة وهما بريت ماكغورك وزهرة بيللي ، حيث أعلن فريق الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن تعيين زهرة بيللي رئيسةً لمكتب سوريا في مجلس الأمن القومي ، مما يفسّره البعض بأنّ خطوة تعيين بيللي تعني تخفيض مستوى الاهتمام بالملفّ السوري والتذكير بحقبة أوباما . والسيدة بيللي ستكون المسؤولة الرئيسية عن ملفّ سوريا في البيت الأبيض ، لرفع التقارير حول سوريا إلى بريت ماكغورك المنسّق الجديد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي ، مايعني سحب الملفّ السوري من وزارة الخارجية وإلحاقه بشكلٍ كامل بالبيت الأبيض . هذه التعيينات مع البدء بعمليات نقل السلطة ، وتعيين الرئيس بايدن لأعضاء فريقه الحكومي ، وكذلك مسؤولي الملفات الخارجية المذكورين أمثال ماكغورك و بيللي وغيرهما ، وكذلك التغيرات المرتقبة لمسؤولي اللجان الخاصة بالأمن والدفاع والخارجية في مجلس الشيوخ ، دفع البعض من كوادر وقيادات الفرع السوري لمنظومة pkk إلى الاعتقاد بأنّ الإدارة الأمريكية الجديدة سوف تدعم توجّهات المنظومة ، لدرجة أنّ البعض من هذه القيادات بدأت تفقد توازنها وتحاول التنصّل والتنكّر لما تمّ التوصّل إليه من تفاهماتٍ بين المجلس الوطني الكُردي ENKS وأحزاب الوحدة الوطنية الكُردية PYNK ، وتحاول عبثاً – كوادر وقيادات pyd – دفع الأمور نحو آفاق مسدودة من خلال إلقاء التهم والتوصيفات التي لاتليق بآداب الحوار لدفع المجلس الوطني الكُردي إلى الردّ بالمثل لأخذه ذريعةً وإنهاء المفاوضات ونسف كلّ ماتمّ التوافق عليه طوال عشرة أشهر من المفاوضات !.
وهنا لابدّ من التذكير ببعض المسلّمات التي يجب أن يعرفها الجميع وخاصةً قيادات pyd ومنها :
1 – الرئيس جو بايدن لم يأتِ إلى الحكم من خلال انقلابٍ عسكري كما يحصل في شرقنا المريض ، وبالتالي السياسة الأمريكية في خطوطها العامة لن تتغيّر . والتفاؤل المبالَغ به والطاغي على مسؤولي pkk وتوابعه يأتي من فرضية أنّ الإدارة الديمقراطية الجديدة التي ستتسلّم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية في الـ 20 من كانون الثاني الجاري سوف ترخي الحبل على النظام الإيراني ، وتعود للأوبامية من جديد مايعني أنّ كافة الأذرع التابعة للنظام الإيراني وحلفائه سوف يتنفّسون الصعداء ، وبما أنّ منظومة العمال الكُردستاني ترى نفسها في خندق النظام الإيراني وحلفائه يتوقّعون بأن تشملهم مساحة الراحة والتنفّس !.
2 – يتناسى pkk ورغم تقديمه لدماء آلاف الشباب من أبناء شعبنا في حروبه العبثية بأنه لم يتمكّن من إقناع أحد من شطب اسمه من قائمة الإرهاب لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
3 – أيّ مسؤولٍ أمريكي يتمّ تكليفه بمهمة ملفٍ معين لايعني أبداً بأنّ المكلّف مفوّض بالعمل وفق مزاجه ، ولن يخرج من توجّهات وتعليمات الرئيس والإدارة ، وخاصةً أنّ الولايات المتحدة الأمريكية معروفٌ عنها بأنها دولة مؤسسات، والقرارات فيها تتمّ صناعتها وصياغتها بمنتهى الدقة في تلك المؤسسات ، ومن يخرج من الخط العام المرسوم مصيره سيكون نفس مصير ترامب .
4 – لايمكن لأية إدارةٍ أمريكية أن تجعل من تركيا عدوةً لمصالحها وذلك كون تركيا دولة اقليمية كبيرة وعضو في حلف الناتو ، ولها وزن ودور في المنطقة ، وفي الصراع بين الغرب بقيادة أمريكا والقطب الاخر الذي بدأ يتشكّل بخطواتٍ متسارعة والمكوّن من الصين وروسيا وإيران …إلخ . لأنّ الرئيس بايدن سيحتاج إلى استعادة ثقة الحلفاء ومواجهة التمدّد الروسي ، وكذلك احتواء إيران وكلّ ذلك يعني الحاجة لدورٍ تركي فاعل ، بمعنى لايمكن أن تكون هناك مفاضلة بين دولةٍ بحجم تركيا وحزبٍ مصنّفٍ على قائمة الإرهاب .
5 – ماحصل في عفرين ومناطق الشهباء وكري سبي / تل أبيض وسري كانييه / رأس العين خير تأكيد على أنّ التوافق بين الدول غالب على المراهنة من قبل pkk على أيّ طرفٍ .
6 – الرهان على الإدارة الأمريكية الجديدة ، والاعتقاد بانتهاء الحاجة لأيّ اتفاقٍ مع المجلس الوطني الكُردي هو دربٌ من دروب الوهم والخيال وخير تأكيدٍ على مانقول هو مانُشِر مؤخّراً على موقع السفارة الأمريكية بدمشق حيث ورد حرفياً وبثلاث لغاتٍ ( كُردية وعربية وإنكليزية ) مايلي : ” تدعم الولايات المتحدة الحوار الكُردي – الكُردي ، وتتطلّع إلى استمرار تقدّمه . هذه المناقشات – المقصود المفاوضات بين ENKS و PYNK – تدعم وتكمل العملية السياسية الأوسع بموجب قرار مجلس الأمن 2254 نحو تأمين مستقبلٍ أكثر إشراقاً لجميع السوريين ” .
7 – ربما خيار الاتفاق بين المجلس الوطني الكُردي من جهةٍ و pyd وحلفائه من جهةٍ أخرى هو خيار ” اللاخيار ” بالنسبة للطرفين ، وخاصةً أنّ كلّ ما تمّ الاتفاق عليه بين الجانبين في الماضي غير مشجّع للمضي قدماً نحو نسخه وتكراره في الحاضر أو المستقبل ، ولكن بنفس الوقت هو الخيار ” الوحيد ” أمام الطرفين ، وقد يكون المسار الوحيد الذي ينقذ pyd من الهلاك ، لأنّ الاتفاق سيكون غطاءً وقناةً وشرعنة للمشاركة في مسار العملية السياسية الجارية منذ أعوامٍ بغرض إيجاد حلٍّ سياسي للمعضلة السورية .
8 – على قيادات pyd أن تدرك جيداً بأنّ المجلس الوطني الكُردي في سوريا ENKS هو إطار سياسي كبير انبثق من المؤتمر الكُردي الذي عُقِد في الـ 26 من اكتوبر 2011 ويمثّل أوسع شريحة من الفعاليات الحزبية والمستقلّة المدنية والاجتماعية والشبابية والنسوية لشعبنا الكُردي في سوريا،يحمل مشروعاً قومياً كُردياً واضحاً في إطار سوريا،ينطلق من حقيقة بقاء جزءٍ من الشعب الكُردي وجغرافية كُردستان داخل الحدود الإدارية والسياسية للدولة السورية بنتيجة الاتفاقيات الدولية التي حصلت خلال الحرب العالمية الأولى وبعد إنتهائها وخاصةً سايكس – بيكو لعام 1916 ولوزان لعام 1923 ، ويناضل المجلس بالوسائل السلمية المتاحة للتعبير عن طموحات الشعب الكُردي، ويعتمد الواقعية في طروحاته، ويعتبر القضية القومية الكُردية إحدى أهمّ القضايا الوطنية السورية ، وحلّها واجب ومهمّة جميع الوطنيين السوريين، وعلى هذا الأساس ينخرط المجلس في الأطر والمؤسسات السياسية للمعارضة السورية، ولايتعامل المجلس مع الأحداث بردّات الأفعال ، ويعي أسباب التهجّم عليه ، ويؤكّد المجلس بأنّ المتربّصين بمشروعه لن ينجحوا في جرّه إلى حقول المهاترات ، ولن يتخلّى المجلس عن الثوابت القومية والوطنية في أيّ تحرّكٍ أو حوارٍ .
9 – على قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي ومسؤولي إدارته الذاتية ومن خلفهم قيادة قنديل أن يدركوا بأنهم وسط بحرٍ من الأمواج العاتية ، بدءاً بعودة القصف على جبهات عين عيسى وتل تمر وغيرها في الآونة الأخيرة ، وضغوطات النظام والتغييرالواضح في لهجته تجاه قسد حيث جاء في رسالة وزارة خارجية النظام للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن احتجاجاً على القصف الإسرائيلي الأربعاء الماضي لدير الزور، وصف وزير خارجية النظام في رسالته المذكورة ” قسد ” بـ الميليشيات الإرهابية الانفصالية . كذلك ازدياد نشاط داعش بشكلٍ ملحوظ على طرفي الفرات ، ورسائل أكثر من مسؤول أمريكي وغربي لمسؤولي pyd وإدارته ومسلّحيه على ضرورة الالتزام بعدة أمورٍ منها : فكّ الارتباط عن قيادة قنديل لحزب العمال الكُردستاني pkk ، إنجاز وحدة الصف مع المجلس الوطني الكُردي ENKS ، تصحيح مسار العلاقة مع المعارضة السورية ، إنجاز الشراكة الحقيقية مع ممثّلي مكوّنات المنطقة ، تجنّب استفزاز تركيا ، عدم الاستسلام للنظام وروسيا ….إلخ .
خلاصة القول : على قيادات pyd أن تقرأ اللوحة بمنتهى الواقعية بعيداً عن الغرور والأوهام ، بأنه علينا جميعاً أن ندرك بأنّ شعبنا الكُردي في سوريا أمام لحظةٍ تاريخية حاسمة ربما هي الأصعب من مراحل الصراع في سوريا والمنطقة ، ويمرّ بمنعطفٍ خطير،و بات وجوده التاريخي على أرضه مهدّداً، لذلك علينا أن نستمرّ في تحمّل مسؤولياتنا بالشكل المطلوب، وأن نواجه الحقيقة كما هي، ومن هذا المنطلق يواصل المجلس الوطني الكُردي الحوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفائه مدركاً تماماً علاقات الأخير وتحالفاته وارتباطاته ، أملاً في التوصّل إلى تفاهماتٍ وتوافقاتٍ من شأنها إنقاذ ماتبقّى، وعلى الحريصين أن يقفوا إلى جانب المجلس في هذه المهمة الوطنية والقومية النبيلة، كي يتمكّن المجلس من بناء أرضيةٍ سليمة من شأنها التأسيس عليها مع شركائها في الوطن ومن مختلف المكوّنات القومية والدينية والمذهبية، لمرحلةٍ جديدة في حياة السوريين، ولن يكون هناك ” قفز ” على الثوابت الوطنية والقومية في أية تفاهماتٍ أو اتفاقياتٍ قد تنبثق من هذه اللقاءات، ونريد التأكيد وبدون أدنى شكٍّ أنّ أيّ اتفاقٍ بين المجلس الوطني الكُردي ENKS، وحزب الإتحاد الديمقراطي pyd، سيكون شاملاً من النواحي السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية والاقتصادية … إلخ. وسيشكّل الأساس والأرضية لبناء مرجعيةٍ كُردية سورية شاملة لكافة الأطراف والفعاليات المختلفة، ومن ثم توسيع الإطار ليشمل كافة مكوّنات المنطقة من عرب وسريان – وآشور وتركمان …إلخ ، ووفق نسبها وعلى قاعدة الشراكة الوطنية والتوافق والتوازن، والإقرار بحقّ الجميع ، وحسن الجوار، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول ، والخصوصية الكُردية السورية، ولبنةً أساسية في المشروع الوطني السوري التغييري الشامل والهادف لإعادة إنتاج جمهوريةٍ سورية اتحادية ونظام ديمقراطي على مسافةٍ واحدة من جميع تلك المكوّنات ، لأنّ النظام الوطني الديمقراطي التشاركي هو الضمانة الأساسية للحفاظ على أيّ مكسبٍ محلي يتمُّ تحقيقه .