القيادة الأمنية بين أداء الواجب والخوف من التغيير
عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
عند وضع السياسة العامة تجد السياسة الأمنية من أولويات العمل الحكومي والركيزة الأساسية في استراتيجية الأمن القومي للدولة، والتي تتطلّب مؤسساتٍ قوية وآلية عملٍ معدّّة بصورةٍ جيدة و تنفيذ عالي الدقة ، ينطبق عليه شعار “لا مجال للخطأ ‘
المعيار النهائي لتحديد نجاح العمل الأمني هو مدى شعور المواطن بالأمن والأمان ، بالإضافة إلى المعايير الأخرى المتمثّلة بالبيانات الدقيقة حول الجريمة المنظّمة والتحديات والتهديدات والمخاطر الأمنية التي تواجه المصالح الحيوية للدولة.
العمل الأمني يتطلّب وجود مجموعةٍ من القدرات التي تشكّل دعائم النجاح ، ومنها القدرة على جمع المعلومات وتحليلها وهي بحاجةٍ إلى كفاءة رجل الأمن وحكمة القيادة الأمنية والقدرة للوصول إلى قراراتٍ صحيحة.
هذه القدرات تمنح المؤسسةَ الحيويةَ في الحركة والأداء وديناميكيةً في اكتشاف التحديات المستقبلية والتهديدات والمخاطر الأمنية الحالية.هذه القدرات (التحليل،الكفاءة، القيادة ) تولّد إمكانياتٍ أخرى ،وهي مناعة الأجهزة الأمنية من الاختراق مع الاحتفاظ بعلاقات متميزة.
العمل الامني شوق وإخلاص وحب ورغبة في العمل لأنه ذو أهداف إنسانية و واقعية وسرية و وضوح وموضوعية وعقلانية يُضاف إليها المرونة والمرحلية.
إنّ نجاح أيّ عملٍ ليس مطلقاً في تحقيق أهدافه المرسومة له وفق الأساليب والوسائل والإمكانيات المتاحة، ولكنّ النجاح نسبي ،يتأرحج بين الأرقام والأعدادالمختلفة زيادةً ونقصاناً، لذا فإنّ تحقيق هدف العمل الأمني بتوفير الحياة الآمنة وحماية الممتلكات العامة والخاصة من قبل الأجهزة الأمنية المعنية وبالتعاون مع المواطنين ليس مطلقاً ولكنه نسبيٌ، شأنه شأن الأعمال الأخرى، فأحياناً ما يتعرّض أمن الدول الى الاختراق من قبل الإرهابيين والعصابات وتنفيذ مخططاتهم بتعكير صفوة الحياة وقتلهم وتدمير المنشآت الحكومية وغير الحكومية رغم اتّخاذ الإجراءات الأمنية، فالصراع قائمٌ بين الأجهزة الأمنية والذين يحاولون العبث بالحياة ونشر الرعب والخوف بين الأبرياء .
القائد الأمني هو القادر على السيطرة على المواقف الأمنية المختلفة من خلال الإدراك الجيد لأبعادها ومواجهتها بالقدر المناسب في ضوء ممارساته وقدرته على الاتصال الفعّال بأطراف الموقف. فالقائد الأمني هو القائد الذي يتميّز بصفات قيادية ومهارات تميّزه عن غيره من القادة الآخرين، ممّا يجعله يتولّى قيادة المجموعة بكفاءةٍ واقتدارٍ والوصول بها إلى الهدف المنشود، والسيطرة على ما ينشأ من ظروف وأزمات أمنية، وتكون هذه السيطرة باتّخاذ قرارات رشيدة تعيد الوضع الأمني على ما كان عليه سابقاً.
ولا شكّ أنّ المهارات بصفةٍ عامة، والمهارات الأمنية والحس الأمني بصفةٍ خاصة لها أهمية كبرى لدى القائد الأمني، لأنّ توفّر هذه المهارات أمرٌ ضروري لتمكين القائد من مواجهة الظروف الطارئة التي تتطلّب سرعة اتخاذ القرار وتنفيذه بغرض تحقيق أقصى درجةٍ من النجاح، تكفل القضاء على الخطر الناشئ عن الأزمة الطارئة بأقلّ قدرةٍ من الخسائر وبأقصى سرعةٍ حتى لا ينتج عن هذا الموقف تداعيات أمنية تؤثّر سلباً على الأمن، وهذا بالطبع يعتمد على درجة رشد القرار المتّخذ، لأنه كلّما كان القرار الأمني المتّخذ رشيداً كلّما تميّز بالفاعلية في مواجهة الأزمات الطارئة وغير الطارئة على حدٍّ سواء.
إنّ الملفت للنظر هو ما أن يتعرّض أمن مدينةٍ أو دولةٍ إلى اختراقٍ واهتزازٍ من قِبل الإرهابيين والعصابات الخارجة عن القانون باغتيالٍ أو تفجيرٍ أو تدميرٍ لمنشأتٍ معيّنة، سواءً خلّفت وراءها الضحايا أم لا والغالب الأعمّ ما تترك هذه الأحداث ضحايا و آثار تمتدّ لفترةٍ طويلة، إلّا وتبدأ السلطات العليا (مجلس الوزراء مثلاً) بدراسة أسباب هذا الانفلات الأمني وإقرار الحلول والمعالجات المناسبة للوضع الأمني المتأزّم،أحد هذه الحلول يكمن في إجراء التغييرات في القيادات الأمنية بأشخاص آخرين وسط ردود أفعالٍ متباينة بين التأييد والرفض ،ولكلّ طرفٍ ما يبرّر توجّهه.
من المعلوم أنّ الصراع قائمٌ ودائمٌ بين الأجهزة الأمنية والعصابات الإرهابية، وقد تمكّنت هذه الأجهزة من إحباط العديد من محاولات هؤلاء بتعكير صفوة حياة المواطنين ، وأفشلوا مخططاتهم ،وألقوا القبض على عناصرهم ومحرّضي هذه الأعمال ،ويعمل أفراد الأجهزة الأمنية ليلَ نهارَ دون كللٍ أو ملل ويقدّم نفسه ضحية، والمواطن يتلمّس نتائج خدمتهم المستمرّة، وما أن تتمكّن هذه العصابات من إيجاد ثغرة معينة، وتنفذ جرائمهم الوحشية دون رحمةٍ وتسيل دماء الأبرياء في الطرقات، وتمطر السماء أشلاء أجسادهم وأغراضهم، تبدأ سهام الاتّهام بالتوجّه نحو القيادة الأمنية وتتّهمها بالإهمال والتقصير في أداء واجبها وعدم قيامها بما يقع عليها من مسؤوليةٍ وتعقد الاجتماعات بأسرع وقتٍ لتنتهي بقرار إجراء التغيير في تلك القيادة التي كانت مبعث الفخر والاعتزاز لدى لجميع قبل صدورها بساعاتٍ، وكأنّ الأمر مسلّم به والقرار جاهز للتوقيع تنتظر الفرصة لإصدارها، وتصبح هذه القيادة محلّ الانتقاد والسخرية وضرب كلّ ما قدّمه عرض الحائط ،وقد يكون أسلوباً من لدن القيادات العليا في سبيل تهدئة الأوضاع وامتصاص غضب الشارع الملتهب نتيجة حجم الدمار وعدد الضحايا، وإظهار مدى تعاطف القيادة مع الشعب والوقوف إلى جانبهم والتخفيف من حجم الصدمة الموجعة، وبيان قوتها وسرعتها في وضع الحلول للأزمات، هذا الإجراء وإن كان مناسباً ولكنه لا يخلو من السلبيات حيث يجعل القيادات الأمنية دائمة التفكير بمصيرها ولحظة إصدار قرارٍ باقالتها عند أدنى انفلاتٍ أمني أكثر من التفكير بتطوير اساليب عملها والبحث عن العصابات والخارجين عن القانون ويطفئ الحماسة ويقتل الروح المعنوية لأفراد الأجهزة الأمنية، وإنّ هذه القيادة هي الوحيدة التي تتحمّل هذه المسؤولية دون غيرها من المؤسسات الحكومية.
برأينا المتواضع أنّ هذا الإجراء والقرارات الخاصة بتغيير القيادات الأمنية بهذه السرعة ليست في محلّها وكان الأجدر التريث قليلاً لحين توصّل اللجان المشكّلة لهذا الغرض إلى نتائج ويبيّن الجهة المقصّرة واستناداً إلى توصيات هذه اللجان يتمّ إصدار القرار المناسب لمعالجة الوضع الأمني المنفلت.
الله يكون في عون الأجهزة الأمنية عندما يعملون بين مطرقة العمل اليومي الشاق وسندان التفكير في تغييرهم عند أدنى حادثة..