كردستان سوريا و عقدة الأخت الصغرى
نعمان عثمان
منذ أن تبلور الوعي القومي الكردي في بدايات القرن المنصرم ,انصب الاهتمام كردياً بأجزاء كردستان الثلاثة الملحقة بتركيا و العراق و إيران. ومرد ذلك قيام العديد من الثورات الكردية التحررية التي باءت جميعها بالفشل بحكم عوامل ذاتية لا تخلو من الخلل البنيوي المجتمعي الذي كان يسوده الجهل و التخلف اللذان يخلقان بيئة خصبة وممهدة للاختراق من قبل الأنظمة الغاصبة لكردستان, المتمرسة في إدارة الأزمات و استغلال التناقضات العشائرية و تغذيتها سلباً. إضافة إلى استغلال الدين وحيث الكردي ضعيف أمام الله .
وبذلك تمكنت من وأدها و خنقها ولكن العامل الأشد فتكاً كان العامل الموضوعي الذي ارتكز على مقومين أساسيين : فأما أولهما فهي المصالح الدولية المتداخلة مع مصالح الدول الغاصبة لكردستان ,وأما ثانيهما فهو الموقع الجغرافي للأجزاء الثلاثة المذكورة المحاطة بالطوق الإيراني التركي العراقي السوري الخانق لأي طموح بالتحرر و الانعتاق. وما مثال جمهورية مهاباد بالأمس ومصير مهاباد اليوم ببعيد. و بالرغم من أن انطلاقة الحركة التحررية في كردستان سوريا لم تسجل فارقاً زمنياً كبيراً مع مثيلاتها في الأجزاء الأخرى, بدءاً من جمعية خويبون و تأسيس أول حزب قومي كوردي – الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا- فإنها لم تبقَ في معزل عن تأثير الحراك في الأجزاء الثلاثة المذكورة بل ظلت أسيرة الاستقطاب نحو المركز المتمثل بكردستان الجنوبية. تلا ذلك استقطاب آخر نحو الشمال بعد انطلاقة الـ PKK في بداية الثمانينات. و بالنتيجة تمّ تهميش الجزء الأهم و الذي يعتبر مفتاح الاستقلال ,سيّما و أنه يشرف على البوابة البحرية الوحيدة التي تسمح لكردستان بالتواصل مع العالم الخارجي بعيداً عن الوصاية التركية السورية الإيرانية العراقية. و كثيراً ما عانى هذا الجزء من كردستان مصير الأخت الأصغر في البازار السياسي, وظل ممارسو السياسة هنا في الداخل مسيّرين من قبل قطبين تبلورا جلياً– هولير و قنديل- لا مخيرين و في منأى عن البوصلة الحقيقية التي تؤمن استقلالية القرار السياسي, متذرعين بالواقع الجغرافي الذي لا يسمح بأي صيغة نضالية غير السياسية منها و بأن مصير كوردستان سوريا مرتبط بما سيؤول إليه الوضع في الأجزاء الأخرى وهنا الطامة الكبرى التي أفقدت هذا الجزء شخصيته و أهميته و خصوصيته. و لا ريب أن ما يحدث الآن في كردستان سوريا عرّى الكثير من المفاهيم الخاطئة و خاصة لجهة الكفاح المسلح الممارس الآن بغض النظر عن موقفنا منه .و بات جلياً أيضا أن الصراع في و على كردستان سوريا قد تجاوز الكرد السوريين .و بلغ أشُدّه بين القطبين الكرديين الباحثين عن فرض مناطق النفوذ في كردستان الغربية الآن و لاحقا في كردستان الشرقية, فبينما تسعى قيادة كردستان العراق جاهدة إلى الحصول على تضامن دولي لإعلان الدولة القومية الكردية , فهي تسعى في الآن ذاته إلى ضمان ديمومة الوليد الجديد ولن يتم هذا إلا عبر كردستان سوريا. ولهذا رأيناها سباقة في تقديم الدعم اللوجستي للمقاتلين الكرد في كوباني و زجّ قوات البيشمركة في المعركة الفاصلة لما لكوباني و كردستان الغربية من عمق حيوي لدولة كردستان القادمة.وعلى النقيض من ذلك يتمثل محور قنديل الذي تجاوز مفهوم الدولة القومية, لا لعيب فيه -أي في مفهوم الدولة القومية- بل ليتخذ لنفسه سبيلاً آخر يختلف شكلاً و مضموناً مع خصمه محور هولير وكلا المحوران يتفقان دون اتفاق على أن من يستحوذ على كردستان سوريا يستحوذ على كردستان كلها.