العراق: سباق سياسي نحو أربيل لتأمين تحالفات مبدئية
وكان أول الزائرين لأربيل، زعيم تيار “الحكمة” عمّار الحكيم في أواخر شهر فبراير/شباط الماضي، الذي سارع في الحديث عن الفجوات المصطنعة بين العرب والأكراد بسبب الضغوطات والتحديات التي “يجب أن تتبدد وتزول”. وبعد ذلك، زار رئيس البرلمان محمد الحلبوسي أربيل، في 3 مايو/أيار الماضي، بعدها زار وفد كبير من “التيار الصدري”، برئاسة نصار الربيعي، المدينة الأسبوع الماضي، مجرياً سلسلة اجتماعات سياسية مع ممثلي الحزب الديمقراطي، والتقى بارزاني أيضاً. وأفادت بيانات مشتركة عن إقرار تفاهمات سياسية بين الجانبين، في وقت كشفت فيه وسائل إعلام محلية عراقية، نقلاً عن مصادر سياسية مطلعة، استعداد المالكي للتوجه إلى أربيل ولقاء المسؤولين هناك.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن زيارة أربيل من قبل المالكي تأتي لتحقيق “حكومة الأغلبية”، كما نقلت عن عضو ائتلافه عبود العيساوي معلومات عن هذه الزيارة. وقال العيساوي إن “الكتل تتسابق من أجل إبرام اتفاقيات أولية قبل نتائج الانتخابات لرسم خارطة تشكيل الحكومة، والتنافس الآن لكسب الكتل الكردية، اعتباراً لثقلها، كما أنها بعيدة عن المنصبين المهمين، وهما رئاستا الوزراء والبرلمان”.
وحول هذه التطورات، يكشف قيادي في “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، وجود حراك للقوى السياسية في بغداد، لحسم موقف الكتل الكردية بشأن التحالف المقبل لتشكيل الحكومة، واصفاً الحراك بأنه “تنافس بين القوى الشيعية الرئيسية للظفر بالأصوات الكردية”. ويشير إلى أن الزيارات “مرتبطة بالانتخابات المبكرة والبحث عن تحالفات تضعهم بمكان أقوى من منافسيهم”، معتبراً أن القوى الكردية منقسمة هي الأخرى، ولن تدخل بتحالف واحد في الانتخابات كما كان سابقاً، من خلال بيت سياسي كردي يجمع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” وحزب “التغيير” و”الجماعة الإسلامية الكردستانية”، لذلك فإن الذين يصلون إلى أربيل، يتوجهون بعدها إلى السليمانية (مقرّ الاتحاد الوطني الكردستاني) بطبيعة الحال.
ويضيف القيادي أن “معظم القوى السياسية في بغداد تدرك أن الحكومة لا تتشكل إلا عبر الأحزاب الكردية، التي تمثل بيضة القبان في تغليب هذه الكفة أو تلك لهذا الزيارات لعقد تحالفات مبدئية”. ويتحدث عن تقارب كبير بين “التيار الصدري” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”، يقابله تقارب بين “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”تحالف الفتح”، مؤكداً أن “حالة التشرذم لدى القوى الكردية داخل كردستان، مكنت أحزاب بغداد من اقتحام الإقليم وبدء حالة من التداخل السياسي، بناءً على المصالح العامة، لا الفئوية والحزبية”.
لكن من المبكر الحديث عن تحالفات مستقبلية، إذ يعتبر القيادي في حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” غياث السورجي، أنه “مهما كانت التفاهمات السياسية الحالية على درجة عالية من الإيجابية بين الأحزاب، فهي لا تعني الاتفاق على تحالف ما”، موضحاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “نتائج الانتخابات المقبلة هي التي ستُحدد شكل وطبيعة التحالفات السياسية للمرحلة المقبلة، سواءً على مستوى الأحزاب الكردستانية أو الأحزاب في بغداد، أو حتى الكيانات السياسية الجديدة”.
بدوره، يضع عضو “التيار المدني العراقي” أحمد فرحان العبيدي، الزيارات المتكررة إلى أربيل، في سياق علامات احتدام التنافس الانتخابي بين القوى الرئيسية. ويقول في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إن “كل القوى التقليدية ستدخل متفرقة من دون تحالفات موحّدة لدى الأكراد والشيعة والسنة. ويمكن اعتبار ذلك مؤشرا على مشهد سياسي جديد في العراق، فرضه قانون الانتخابات الجديد، وأيضاً على تراجع شعبية معظم تلك القوى في الشارع واتساع الخلافات بينها”.
بدوره، يرى المحلل السياسي محمد التميمي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الزيارات التي تجري حالياً سواءً من وفود بغداد إلى أربيل، أو وفود حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية إلى بغداد، ليست أكثر من زيارات سياسية تهدف إلى إبداء نية إيجابية تجاه أحزاب السلطة فيما بينهما، بعد تدهور العلاقات التي وقعت خلال السنوات الماضية”. ويضعها في سياق “المحاولات الإعلامية لتقوية هذه الأحزاب والكيانات أمام ما تبقى من جماهيرها، بعد الهزّات التي أضرت بها بفعل تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، التي عبّرت عن عدم رضا شعبي كبير لهذه الأحزاب”. ويشدّد على أن “الأكراد هم بيضة القبان في العملية السياسية العراقية دائماً، وبالتالي لا يمكن تشكيل حكومة إلا عبر توافق شيعي ـ كردي. وبما أن الشيعة بعد انهيار التحالف الوطني باتوا بلا خيمة جامعة، فقد أصبحوا يزورون أربيل للحصول على الدعم، مقابل التنازلات التي عادة ما تكون بالمناصب الوزارية والهيئات وغيرها”.
العربي الجديد