حاويات القمامة تعيل الفقراء في مدينة الحسكة
ازدادت معاناة سكان مدينة الحسكة مع غلاء الأسعار وارتفاع معدّلات الفقر وزيادة تدفّق النازحين إلى المدينة وانتشار البطالة، فلجأ العديد من النساء والأطفال إلى مكبّات النفايات، يبحثون عن المخلّفات القابلة لإعادة التدوير لبيعها، أو عن طعامٍ يأكلونه أو لباسٍ يلبسونه، غير آبهين للمخاطر الصحيّة.
*القمامة تعيل الفقراء في الحسكة:
تفاقمت ظاهرة البحث في القمامة بعد ارتفاع معدّلات الفقر وزيادة تدفّق النازحين من مناطق الداخل السوري ومناطق (عفرين، كري سبي، وسري كانييه) إلى مدينة الحسكة.
محمد.ع طفلٌ من حي النشوة الغربية يقول ليكيتي ميديا: “عمري 12 عاماً ولديّ 3 أخوة وأختين، وأنا أكبرهم، والداي متوفيان منذ أربعة أعوام، ولا يوجد عمل أقوم به، فاضطررت إلى اللجوء لمكبّات النفايات للبحث عن أي شيءٍ يمكن بيعه”.
من جانبها تؤكّد (ش.ن) وهي نازحة وتسكن في حي الليليّة “أنّ الفقر ينخر أجساد أولادها الذين باتوا يتامى، بعد أن توفّي والدهم بمرض السرطان، دون أن يترك لهم أي شيءٍ يعيلهم”.
وتضيف: “منذ أن توفّي زوجي في عام 2019 وأنا أبحث بين النفايات عن علب بلاستيكيّة لبيعها، أو بقايا طعام آخذه لأطفالي”.
*إهمال المنظمات الإنسانيّة لأهالي المنطقة
توجد في مدينة الحسكة العشرات من المنظمات الإنسانيّة الدوليّة والمحليّة، ولكن أغلب عملها الإنساني يقتصر في ريف الحسكة الجنوبي وريف دير الزور الشرقي وريف الرقة.
تقول المواطنة (ش.ن) لموقعنا: “لم نرَ أيّ مساعداتٍ أو إعاناتٍ من منظماتٍ دوليّة أو محليّة، باستثناء حصة غذائيّة واحدة منذ أكثر من عامين”.
وقال الناشط المدني دليل محمد: “إنّ سياسة المنظمات الدوليّة هي العمل في مناطق ريف الحسكة الجنوبي وريفي دير الزور والرقة”، موضّحاً “أنّ المشاريع المقدّمة للعمل في مدينة الحسكة أغلبها لا يتمّ الموافقة عليها”.
كما أضاف “ويوجد توجيه من قوات التحالف الدولي للاهتمام بالمناطق التي كانت حاضنة لتنظيم داعش الإرهابي”، مشيراً إلى “أنّ المنظمات المحليّة تتوجّه للعمل في الأرياف المذكورة تلبيةً لرغبة التحالف والمنظمات الدوليّة”.
من جانبه قال الناشط باسل.ح: “إنّ المنظمات المحليّة هدفها الأول جمع المال، وليس العمل الإنساني، لأنهم يرون بأعينهم ما يمرّ به أبناء مناطقهم، ومع ذلك يتوجّهون للعمل في مناطق بعيدة تلبيةً لرغبة المنظمات الدوليّة والتحالف”.
وتابع المصدر قائلاً: “إذا كان موقف المنظمات المحليّة موحّداً ورافضاً للعمل في مناطق بعيدة، لاضطرّت قوات التحالف والمنظمات الدوليّة إلى التراجع عن هذه السياسة ولو بنسبة قليلة، لأنّ المنظمات الدوليّة تعتمد على شركاء محليين في العمل ، ولا تعمل بكوادرها في المناطق الساخنة”.
واختتم بالقول: “ولكن وللأسف هدف المنظمات التي تدّعي أنّها غير ربحيّة، وإنسانيّة، هو جمع المال، وباتت أغلب المنظمات المحليّة كشركاتٍ تجاريّة تتاجر بالكلمات الرنّانة، كالإنسانيّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان”.
*إهمال إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD
من جانبها لم تقدّم إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، حلولاً لهذه الظاهرة المنتشرة بشكلٍ واسع في مدينة الحسكة.
وقال الناشط ريدي أوسو: “إنّ إدارة PYD، لا تقدم على أيّ خطوةٍ فيها خدمة للمواطنين في مناطق سيطرتها وخاصةً مناطق كُردستان سوريا”.
أوسو أضاف :”هذه الإدارة تعزّز مكانة الفاسدين واللصوص، وتتيح لهم المجال، ولا تقوم بأيّ رقابةٍ على التجّار الذين يتلاعبون بأسعار المواد الأساسيّة والغذائيّة، ما أدّى إلى تفاقم الوضع المعيشي من سيءٍ لأسوأ في مناطق سيطرتها”.
واختتم أوسو :”إنّ انتشار ظاهرة البحث بين القمامة من الجوع، شيء مخزي جداً، من غير المعقول أن يبحث مواطن عن لقمة عيش أولاده بين القمامة، في مدينةٍ توجد فيها عشرات المنظمات الإنسانيّة، ومحافظةٍ تنتج كمياتٍ كبيرة من النفط والقمح”.
*مخاطر صحيّة
يحذّر خبراء الصحة من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة، وبالأخص الأمراض التنفسيّة والجلدية مع انتشار ظاهرة البحث في القمامة.
الدكتور (م.ع) استشاري الأمراض الصدريّة، قال في تصريحٍ ليكيتي ميديا: “إنّ القمامة تتفاعل مع بعضها البعض ، وينتج عنها إصدار غازات وروائح كريهة، ممّا يسبّب أمراضاً صدريّةً، مثل الانسداد الرئوي المزمن، وهو مرض ينتج عن التلوث البيئي أو التدخين ويُصاب به الكبار والصغار”.
كما أوضح استشاري الأمراض الصدريّة “أنّ أعراض الإصابة بالانسداد الرئوي المزمن، هي الشعور بضيقٍ في التنفس، سعال، بلغم، الشعور بالتعب، قشعريرة، ارتفاع درجة حرارة الجسم، صدور صوت أزيز عند التنفس ،ويمكن أن تتقدّم مراحل هذا المرض لتمتدّ للإصابة بالتهابات الشعب الهوائيّة مع الشعور بصعوبةٍ في الحركة، وقد تسبّب مضاعفاتٍ صحيّة خطيرة كالإصابة بفشلٍ في التنفس”.
من جانبه أكّد الدكتور إدريس خلف (طبيب عام) بقوله : “لأنّ البحث بين القمامة يعرّض الإنسان للعديد من المخاطر منها :
1-التهاب الجلد. 2-التعرض لبكتيريا الكزاز. 3-الهباء الحيوي Bioaerosol، وهي كائنات دقيقة تتحرّك في الهواء، وترتبط عادةً مع النفايات التي تُخزّن في بيئةٍ رطبة ودافئة، إذ تتكاثر هذه الكائنات الدقيقة بشكلٍ كبير، وقد يؤدّي استنشاقها بكمياتٍ كبيرة لفترةٍ زمنيّة طويلة لإحداث حساسيّة. 4-التعرّض للجراثيم من البراز، مثل بكتيريا “إي كولاي” و”السالمونيلا”، وفيروسات قد تؤدّي لالتهاب الأمعاء، وأيضاً التعرض لفيروس التهاب الكبد “إيه” الذي ينتقل عبر تناول طعامٍ ملوّث ببراز شخصٍ مُصاب. 5-الطفيليات التي ترتبط مع فضلات الحيوانات، مثل (toxoplasma) الذي يوجد في براز القطط بشكلٍ خاص، ويؤدّي للإصابة بداء المقوسات، والذي إذا أصيبت به الحامل ؛فإنه قد ينتقل للجنين ويؤدّي لمضاعفاتٍ خطيرة. 6-الفيروسات التي تنتقل عبر الدم، مثل التهاب الكبد الفيروسي “بي” و”سي”، وفيروس “إتش آي في” المسبّب لمتلازمة نقص المناعة المكتسب “إيدز” وهذا يحدث عبر وخز الشخص بإبر ملوثة بالفيروسات، وهي مشكلة تواجه خاصةً مَن يتعاملون مع النفايات الطبيّة)”.
واختتم الدكتور خلف حديثه بالقول : “إنّ المخاطر الصحيّة قد يكون من الصعب حصرها، وذلك نتيجةً لجذب هذه النفايات للذباب والحشرات والفئران، والتي جميعها قد تنقل الجراثيم للإنسان”.
وتشهد سوريا منذ عام 2011 أسوأ أزماتها الاقتصاديّة والمعيشيّة التي تترافق مع انهيارٍ في قيمة الليرة وتآكل القدرة الشرائيّة للسوريين الذين بات الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر.
ويعاني سكّان مدينة الحسكة بكُردستان سوريا، من تدهورٍ كبير في الوضع المعيشي بسبب ارتفاع أسعار مختلف المواد بشكلٍ كبير، واحتكار بعض التجّار الكبار للمواد الأساسيّة واستغلالها بدون أيّ رقابةٍ من قِبل إدارة PYD، أو النظام السوري.