آراء

المرأة وعقلية التغليف .. نساء افغانستان نموذجاً

ليلى قمر

مع سقوط النظام الأفغاني ، ودخول قوات طالبان التجمعات السكانية ، وسيطرتها على كامل مساحة الدولة ، بدأ واضحاً بأنّ كلّ هذا الحسم العسكري لم يكن ذا أهمية عند العالم، ولا ينظر إليها البتة بتلك الخطورة الكبيرة ، بقدر ما انعكست سلبياً مواقف أولئك الرجال بلحاهم الكثيفة وعنجهيتهم الفظة في مواقفهم وتعاملهم مع الإناث في مختلف سوية العمر ، وقد تمّ ملاحظة ذلك مع تتالي مشاهد اقتحامات المدن والقرى ، وتتالت تلك المظاهر في تكرارها بما يشبه فيلماً شوهد لمراتٍ عديدة من جهة وتوثّق لعملية تبادل لقوات صديقة غير متصارعة من جهة ثانية ، هذا الأمر الذي يبدو وكأنه أريد به أن يهيمن فقط وكمشهدٍ عسكري ظاهري ! ولكن ؟ في الواقع العملي وما رافق تلك الاقتحامات وشروط فرض القوة والهيمنة وبعنفها ومظاهر التنمر الغرائزي الذكوري وبوحشيةٍ غير معقولة ، والتي تجسّدت أثناء عمليات المداهمات والاعتقالات ، ومن ثم فرض القيود التعسفية تحت بند ، لابل استغلال فظ – للضوابط الدينية – تلك المظاهر التي عجزت غالبية الوسائل الإعلامية التغطية عليها ، أو أن تزيح من مشاهدها أشكال العسف التي طغت ، وبمظاهر تشي بالعودة القهقرى إلى ذلك المزيج من تراكم العادات والتقاليد القبلية والمغلّفة بمفاهيم دينية ، غالبيتها نتاج وعيٍ جيني مشوّه بعيدة حتى عن كثير من تلك المفاهيم الدينية ، وعليه فلم يكن غريباً أن يتصدّر المشهد النسوي الأفغاني على كلّ الأمور الأخرى ، حيث دقّ جرس الإنذار وانفتح قمقم المردة الذكورية واستشعرت النسوة الخطر الكبير ، وكان لمغادرة / هروب الفتيات والنسوة من مدارسهن أو كلياتهن أو وظائفهن ، مع خطوات تقدم عسكر طالبان صوب التجمعات ، ولترتفع معها وتيرة العودة إلى الدثار الكلي والمتنوع سواءً من العباءات وأغطية الرؤوس والوجوه وإلى ما تتسمّى بمظاهر – الحشمة – المفرطة كما يتصوّرها الغلاة والمتطرفون ، وأزدادت الطلبات على تلك الملابس لدرجةٍ مغالية حتى اكثر من الأدوية والمواد الغذائية ، وباتت الأرض بحفرياتها من جديد مقبرة لآلاف الوثائق والصور وشهادات التحصيل العلمي أو حتى أيّ مؤشرٍ يستدل منه دخول أية طفلة مركزاً تعليمياً كان مصيرها الحرق أو الإخفاء في باطن الأرض ، وتتالت مئات الشهادات عن حالات مشابهة من خطف للفتيات في سن الثمانية وما فوق واعتبارهن سبايا ، هي بالفعل مظاهر ومشاهد تتالت وتساوت مع جرائم داعش في شنكال وريف نينوى بحق أخوتنا الإيزيديين ، وباختصارٍ وعلى الرغم من فظاعة الممارسات ، أودّ هنا أن نستذكر جميعاً اموراً أساسية ، وكإمرأة أيضاً سأضيف فيما يتعلّق بالموقف منها ، حيث لوحظ وخاصةً في شرقنا بدولها ومجتمعاتها المتعددة وبتوجهات أنظمتها المختلفة وبالأخص منها التي تدّعي الليبرالية ، حيث نرى أن مفهوم الإنفتاح عندها لم ترتقِ مطلقاً ولم تنتج أيّ وعيٍ مجتمعي في الموقف من المرأة سوى في الشكل الظاهري ، هذه الشكلية في المفهوم وآلية ممارسة الإنفتاح او ما يسمّى بتحرر المراة ، والتي ظلّت و – تفرملت – في الانشراح من ناحية اللباس أو دخول المدارس والجامعات والعمل ، لابل حتى المجال السياسي ، ولكنها للأسف ظلّت – المرأة – بمصيرها رهينة لقرارات تدوّن فتتحوط بها ، وتتقونن وتنقاد وفقها كونها – تلك القوانين – هي نتاجات وكقرارات تستوجب من السلطات ووفق آيديولوجياتها المتعاقبة أن تُحترم وتنفّذ باسم القانون سواها الأعراف والتقاليد الموروثة والتي تُعدّ وتُمارس بقوةٍ جبرية تحت بند مافوق القانون ، وعليه فإنّ كلّ ما يُسنّ من قوانين طنّانة ورنّانة تبقى مجرد ديكورٍ للتزيين ، ومن دون أية فعالية أو قاعدة وعي قد تساهم وتؤسّس بالفعل للارتقاء بالتعامل مع المرأة كإنسان وند للرجل ، لا فقط قوانين جامدة توضع ولكن من دون تلك الأرضية الرئيس ، ولهذا فقد أثبتت تجارب شعوب عديدة بأنّ كلّ المنجزات المكتسبة لهكذا نماذج مجرد خطوط نظرية بحتة ، وبقيت محنّطة وبقساوةٍ في طور الكمون الديكوري وبنكهةٍ وطغيانٍ ذكوري ، لابل ويطغى بها على غالبية تلك المفاهيم التي تنفي وتستنكر لابل وتلغي كثيراً من تلك المفاهيم المنغلقة خاصةً في مفهوم العقائد والشرف ، وهذا ما يستحضر في ذاكرتنا من جديدٍ فظائع الجرائم التي ارتكبتها مجاميع داعش المجرمة وبشكلٍ منظّم ، وكصدىً متكرّرٍ لذات ذلك اللهاث الغريزي تجاه النساء ، وصراخهم في وجوههن بأنهنّ خلقن للزواج والمتعة ، لابل واقتحامهم للبيوت وأخذهم – حسب مصادر عدة – الفتيات في عمر الثمانية وما فوق والتصريحات المتتالية وفي مناطق عديدة بأحقية – كلّ مجاهد – أن يتّخذ أربع زوجاتٍ منهن ..

إنّ العودة إلى واقع افغانستان منذ بدايات القرن العشرين ، وتتبع واقع المرأة في العهد الملكي ومن ثم سقوط الملكية وصولاً إلى العهد الشيوعي ، سنرى بأنّ المرأة الأفغانية كانت تمارس حريتها الشخصية بشكلٍ متقدّم عن المجتمعات المجاورة لها ، وذلك من حيث التعليم وحرية اختيار وارتداء اللباس والتوظيف وكانت منخرطة في الحياة المجتمعية ، واستمرّت هكذا مع سقوط الشيوعية ، ومع سيطرة طالبان والقاعدة على الحكم ، اختفت كلّ تلك المظاهر ، وأعيدت المرأة الى دهاليز ظلمات الأقنعة والخمار والسجن البيتي ، وكذلك الزواج المبكر والمتعدّد ، وكأني بها كانت وبقيت حبيسة كهوف تورا بورا وقمم جبال قندهار ، ومع القضاء على حكم القاعدة ، والعودة البطيئة لحكوماتٍ زعمت الاعتدال ، بدأ المشهد يتغيّر ولكن ببطئٍ شديد ، وإن ظهرت مجموعات نسوية تجرّأت وتحدّت العادات والتقاليد البالية ، إلا أنها ما استطاعت التأسيس لبنيةٍ مستقبلية تنمّي وتقوّي إرادة النسوة من جهة وتخلق آفاقاً لوعيٍ تستند عليه – ذات النسوة – للحفاظ على مكتسباتهن من جهة وتطويرها من جهة ثانية ، وعلى ذلك الأساس ولهشاشة البنى التأسيسة ، رأينا كيف تتالت وضع المرأة والمواقف منها والتي لم ترتقِ مطلقاً إلى آفاق العدالة المجتمعية المساوية للجنسين ورافقها باستمرار مع تغيير شكل النظم ، بأنّ شكل المرأة وهيئتها الخارجية وطرائق تغليفها تحدّد نمط النظم وتوجهاتها ، وأنّ ما حدث مؤخراً من فرض حركة طالبان هيمنتها وبسط نفوذها على كامل أراضي الدولة الأفغانية مؤخراً ، إن تلك الحدود والممارسات والإجراءات التي ستطبّق على النساء ، ستبنى عليها مواقف وردّات فعل منظمات المجتمع المدني العالمية وكذلك تعاطي ومواقف دول العالم ، والتي يبدو بأنّ باكورة استعدادات العالم أخذت فعلاً تتبلور وستشهد أياماً وشهوراً ساخنة . وباختصارٍ شديد وفي نظرة عمليةٍ لواقع المرأة عامةً وبالأخص في شرقنا ، سنلاحظ وبالرغم من كلّ النصوص والقوانين التي صيغت بزعم دعم وتقوية وصون حقوقها هي مجرد نصوص وصفٍّ لكلمات لم ترتقِ مطلقاً أو تؤسّس لوعي مجتمعي تساند وتحافظ على ذلك ، ولهذا بقيت تتلولح مع هبوب أية رياح تغييرية ، هذا الواقع الذي تتالى انكشافه لأكثر من مرة في أفغانستان مع تغيير شكل النظام الحاكم ، وحدث أيضاً في دول عدة ولذات الأسباب.

المقال من الجريدة…العدد 289

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى