الانتخابات التركية … و المسألة الكوردية ..!
د. محمد محمود
في ظل الظروف و الاوضاع التي تعيشها المنطقة بشكل عام التي هي اقرب ما تكون الى اجواء حرب عالمية ثالثة ،، لكن بمعايير اقليمية و دخول الارهاب من كل حدب و صوب في المنطقة بالتنسيق مع المراكز العالمية و تنفيذ الانظمة الاستبدادية. تخوض تركيا عملية انتخابية و هي بحاجة ماسة الى نمط جديد من التفكير لاتخاذ قرارات مصيرية و مفصلية لترتقي الى مستوى التحديات و اللجوء الى الاستقرار و الامن و السلام من خلال تحقيق الحرية و الكرامة و حقوق الانسان لجميع المكونات التي تعيش في تركيا .
في ظل معاناة القسم الاكبر من شعوب الشرق الاوسط بشكل عام من ظلم و قمع الانظمة الاستبدادية التي لا تلجأ الى صناديق الاقتراع الا بما يخدم مصالحها و ممارسة سياسات ممنهجة ان الشعوب مجبرة و ليست مخيرة ، حيث تكون نتائج الانتخابات لصالح الأنظمة و الحكام الذين يحكمون بالحديد و النار و القبضة الامنية . الأمر الذي أدى الى استمرار الاستبداد و تراكم مشاكل الشعوب القومية و الدينية لتدفع الشعوب ثمن هذه المشاكل .
على ما يبدو فان السياسة التركية تعلمت اللعبة الحقيقية ،و بخاصة أسهم متغير الرأي العام التركي في الانتخابات التشريعية التي جرت في الثالث من تشرين الثاني 2002 ، في ازاحة الطبقة السياسية التقليدية عن المشهد السياسي ووصول حزب العدالة و التنمية إلى الحكم ، واضعا ثقته به للخروج بتركيا من أزماتها الداخلية و الخارجية بعد ان اعطائهم اغلبية الاصوات ، لتبدأ مسيرة الاصلاح الداخلي في تركيا من خلال تغير بعض القوانين و الدساتير و البدء بالنهضة الاقتصادية و المعمارية التي شملت كافة المستويات غير المسبوقة في الدولة و المجتمع منذ تولي حزب العدالة و التنمية حتى الآن .
وصف كثير من المراقبون المستقلون وتيرة الاصلاحات هذه بالثورة الصامتة ، و ساهمت تلك الاصلاحات في زيادة الحضور الدبلوماسية التركية في العديد من القضايا المحورية في بيئتها الاقليمية و العالمية ، على الرغم من تلك الاصلاحات التي انجزتها هذه الحكومة ، فلا يزال ثمة مسائل تواجهها و لا بد من ايجاد حلول ملائمة لها ، و لعل من اهمها المسألة الكوردية التي تعد من اكبر المشاكل المعقدة التي ورثتها تركيا بعد تفكك الدولة العثمانية و التي عانت جميع انواع الظلم و الاضطهاد .
الكورد و الانتخابات :
نتيجة الربيع العربي، و مطالبة جميع شعوب بالحرية و الكرامة و الانسحاب الامريكي من العراق تشكلت بيئة أمنية جديدة و ظهرت اعادة اصطفاف للسياسات الكوردية في الشرق الاوسط ، و لا بد للشعب الكوردية ان يتعلم من دروس الماضي و ان يكون صاحب القرار الحقيقي و المستقل لا يخضع للمؤامرات الدولية و الاقليمية كما حصلت من الاتفاقيات السابقة بحقه لأن القضية الكوردية من اكبر قضايا العالقة و بدون الحل في هذه الدول ، و ان الدولة التي تريد الاستقرار و الأمن لبلدها عليها الوصول الى قناعة بدون حلّ قضية حوالي 40 مليون كوردي لا يمكن تحقيق الاستقرار . لذا فان حكومة العدالة و التنمية تبدي منذ فترة سنوات الماضية عبر الحوار المكثف غير المباشر و المستمر مع السيد عبدالله اوجلان لتسوية القضية الكوردية ،و انهاء النزاع المسلح ، و على الرغم من مزاج الشعبي و الرسمي المتفائل من امكانية الوصول الى حل نهائي بعد الاتفاق على خارطة طريق بين الطرفين لكن هناك عوامل كثيرة قد تفجر النزاع المسلح لان التسوية ليست لمصلحة تاجر الدم من الكورد و الترك و كثير من الانظمة الاستبدادية في المنطقة الذين يحاولون بشكل دائم استغلال القضية الكوردية لتحقيق مكاسبهم الشخصية و المافيوية على حساب الشعوب .
لذا فان حكومة رئيس الوزراء و حزب العدالة و التنمية تواجه مرحلة تكاد تكون الاكثر حرجا لانها يجب ان تدار فيه حملة انتخابية ضخمة للحصول على 50 بالمئة من الاصوات للعمل على تعديلات دستورية لتسوية القضية الكوردية من جهة ،و لتطوير الدولة من خلال المؤسسات و العمل المؤسساتي و تحقيق العدالة و حقوق الانسان . و لتصفير مشاكلها الداخلية الملحة لتتفرغ الى أزمتها الكبرى مع ما تطلق عليه الكيان الموزاي ، لذا فان المسألة الكوردية و المصالحة معها على راس قائمة اولوياتها في الفترة الحالية ، و هذا الامر انتج شبه اتفاق مبدئي للمصالحة الداخلية مع حزب العمال الكوردستاني بزعامة السيد اوجلان . و هذا ما نلاحظه من خلال الدعاية الانتخابية للحزب عندما قال رئيس الوزراء السيد داوؤد اغلو : سنسعى للسلام مع الكورد مهما كانت نتائج الانتخابات ، و كما صرح رئيس الجمهورية السيد اردوعان : انه لا يعترض قيام الدولة الكوردية في العراق .
و لكن هناك من احزاب القومية و اليسارية التركية لا تريد لهذه المسالة الحل و يبقى التوتر و عدم الاستقرار في المنطقة بشكل دائم .
تستعد جميع الاحزاب التركية و الكوردية من اليمينية و اليسارية و الدينية و القومية خوض الانتخابات البرلمانية المقررة في 7 حزيران المقبل فيما يرجح المراقبون و استطلاع الرأي العام بان حزب الشعب الديمقراطي ( الكوردي ) يمكن ان يتجاوز حاجز 10 بالمئة في هذه الانتخابات لانه طالما قبل الكورد خوض الانتخابات بصورة الحزبية فانه بحسب القانون عليهم الحصول على 10 بالمئة من اصوات الناخبين كي يتمكنوا من الدخول الى البرلمان ، و هو تحد جديد من نوعه بعد ان كانوا يخوضون الانتخابات السابقة بشكل كورد المستقلين ، لكن اذا تخطوا الحاجز الانتخابي فإن الفرص السانحة امامهم في المشاركة في حكومة ائتلافية مع الحزب الذي سيتمكن من حصد غالبية المقاعد ستكون واردة ، و ستكون لهم مشاركة فاعلة في تعديل الدستور الذي يحضر له حكومة العدالة و التنمية إذا فازت بأغلبية الاصوات .
و كأول خطوة قامت بها الحكومة التركية هي قبول المجتمع التركي بالقضية الكوردية و العمل على ثقافة الحوار و القضاء على الكراهية تجاه المجتمع الكوردي ، و سمحت للكورد باستخدام لغتهم الام و اصبحت مادة تدرس في المدارس و بعض الجامعات في المناطق الكوردية و اعطاء الحق في اطلاق اسماء كوردية على قراهم و مدنهم الخاصة اذا رغبوا في ذلك ، لذا فان القضية الكوردية في هذه الانتخابات احد ابرز الدعاية السياسية من قبل الاحزاب التركية و الكوردية .
السؤال الذي يطرح نفسه : هل حزب الشعب الديمقراطي سيتجاوز الحاجز الانتخابي ؟ إن رؤى المحللين حول تجاوز هذا الحزب هذا الحاجز الانتخابي متضاربة ، فهناك من يرى انه لن يستطيع تجاوز هذه النسبة ، بسبب ضعف برامجه الانتخابية ، التي ركزت على معاداة حزب العدالة و التنمية الحاكم و كذلك معاداة رئيس الجمهورية طيب اردوغان اكثر من تركيزه على مخاطبة الناخب التركي و الكوردي بالبرامج السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية . يرى آخرون ان الحزب سوف يتمكن من تجاوز الحاجز الانتخابي ، حسب اخر الاستطلاعات ، لان الحزب الحاكم -العدالة و التنمية -قد يرى مصلحة في دخول هذا الحزب في البرلمان لاتمام المصالحة الداخلية و تسوية القضية الكوردية ، و بالتالي قد يوعز إلى جهات معينة للتصويت لهذا الحزب لانهم يرون ان نجاح حزب الشعب الديمقراطي مقابل ان يدعم الحزب مشروع حزب العدالة و التنمية لتغيير النظام الرئاسي، و أن يدعم رؤية اردوغان و اوجلان للتوصل الى اتفاق لحل المسألة الكوردية في تركيا .