آراء

الاستفتائيون ينتصرون مرّة ثانية في كوردستان

بقلم: عنايت ديكو

ما بعد الانتخابات النيابية العراقية لن يكون مثل ما قبلها، ففي العراق وخاصة في اقليم كوردستان، شكلت الانتخابات الأخيرة صدمة كبيرة وغير متوقعة للعديد من الأطراف والدول والأحزاب، إذْ نزل الشعب الكوردستاني الى الشارع، وبدأ بالمعاقبة الشعبية لتلك التيارات والأحزاب والقوى التي ارتهنت وسلَّمَت قرارها الحزبي والسياسي والقومي الكوردي للخارج، ومُنيت في الأخير بخسارةٍ كبيرة وغير متوقعة.

وفي المقابل صَعَدَ نجم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مجدداً وكأنه يُمارس صوته في النسخة الثانية من الاستفتاء العظيم، والذي شكَّل انعطافاً كبيراً في الوعي الجمعي الكوردستاني.

أجل … هذا الحزب الديمقراطي العريق، شكَّلَ فوزه مفاجئة من العيار الثقيل على مستوى العراق والمنطقة، وخلق استحقاقات وتوازنات قوية وجديدة على الأرض. وعليه انطلق المارد الكوردي الذي احتمىٰ بالجبل مجدداً، وحصد كل المفاصل والفواصل في المدن والقصبات والقرى الكوردستانية واحدة تلو الأخرىٰ، وتصدَّرَ المشهد الأول والعنوان الأوحد والأبرز في كلٍّ من كركوك وشنگال، في إشارة وترجمةٍ واضحة الى أن الانتخابات هذه، هي بمثابة النسخة الثانية من الاستفتاء الكوردستاني العظيم. وشكَّلَ هذا الانتصار أيضاً صدمة قوية لأولئك المارقين الذين كانوا يراهنون على التبعات والارتدادات السلبية للاستفتاء الكوردستاني، لقد أثبت الشعب الكوردستاني وبجدارة أنه قد تجاوز مرحلة الصبا وردود الأفعال والتناقضات الحزبية والسياسية، وأثبت أنه بات يمتلك أدوات البلوغ والنضج السياسي الكبير والسليم، وهذا ما تجلّى فعله في الانتخابات الأخيرة التي جرت فصول معاركها في العراق وكوردستان طولاً وعرضاً، وأظهرت مدىٰ أهميتها الداخلية والخارجية وخاصة قبل التموضعات الجديدة للفرقاء السياسيين واللاعبين في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط برمتها.

فالانتخابات هذه المرّة اختلفت وبشكل كبيرعن سابقاتها في الشكل والمضمون والنتائج، كما علّقت عنها وعليها الصحافة العالمية والمراقبين الدوليين، بأن الكورد هم رقمٌ ولاعبٌ أساسي في رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد، وإن الاستقرار في العراق مرهون بتحقيق المواد الدستورية دون القفز عليها والتلاعب بها. هنا نستطيع القول بأن الشعب الكوردستاني ومن خلال هذه الانتخابات النيابية، عاقب كل من كان له دور في مساعدة الحشد الشعبي والقدوم به لاحتلال الاراضي الكوردستانية. وأثبت الاستفتائيون مرّة ثانية بأنهم يقودون معارك المستقبل والحدود والوجود في السياسة الكوردستانية، وبأنهم ما زالوا يقظين ومؤمنين بالخط الكوردستاني في الحرية والاستقلال، وأن التاريخ أثبت للقاصي وللداني بصعوبة التعايش مع الارهاب والتطرفين الشيعي والسنّي، اللذان أفرزا الدواعش والحشد الشعبي، واللذان أوصلا العراق والمنطقة الى هذا الدرك من الرعب والقتل والاجرام واللا استقرار.

لقد حملت الانتخابات في كوردستان رسائلاً جدّ مهمة للداخل وللخارج :

-الرسالة الأولى : كانت للمجتمع الدولي ومفادها هو أن كوردستان هي القاعدة الرئيسية والأساسية في محاربة التنظيمات الارهابية الاسلاموية وعلى رأسها تنظيم داعش … وكوردستان ما زالت واحة كبيرة ومستقرة للحرية والديموقراطية والأمن والسلام لكل المسيحيين والهاربين من آتون الحروب والقتل والدمار في الشرق الأوسط.

-الرسالة الثانية: كانت موجهة وبشكلٍ كبير الى تلك التيارات والأحزاب الكوردستانية التي غرَّدَت وتغرّدُ خارج السرب الكوردي، وأثبتت بأن البيت الذي سيحميهم من الضياع والهلاك، هو البيت الكوردستاني العتيق … بيت الملا مصطفى البارزاني الخالد.

– الرسالة الثالثة: كانت للدول الاقليمية ومفادها هو أن تدميركم وقصفكم اليومي والمستمر للأراضي الكوردستانية، يدفعنا ويجعلنا ويُقربنا أكثر فأكثر من العالم الغربي الديمقراطي الحرّ، وما زيارة البابا والحبر الأعظم والرئيس الفرنسي وآخرون غيرهم لكوردستان، إلا تأكيداً منهم على حماية هذه الواحة الجميلة في منطقة الشرق الأوسط المليئة بالحروب والقتل والاجرام.

-الرسالة الرابعة: كانت بمثابة صفعة قوية في وجه الحزب العمال التركي في سهول نينوىٰ ومنطقة شنگال، وخاصة بعدما أثبتت وصوَّتت الجماهير هناك لصالح النهج الكوردستاني في حمايتهم بالمنطقة، والتي حوَّلها هذا الحزب الى قاعدة خلفية لضرب مكاسب اقليم كوردستان وتعامله المخزي مع الحشد الشعبي ضد كوردستان ومصالحها وبرعاية النظامين الايراني والسوري.

-الرسالة الخامسة: كانت لبغداد وبإمتياز … ومفادها، بأن الاستفتائيون قادمون اليكِ يا بغداد … وسيُذكّرونكِ بالأيام الأولى لسقوط طاغية العصر صدام حسين … وسيأخذون حقهم القومي بقوةِ القلم والدستور.

– هنيئاً لكم أيها الاستفتائيون .!

– هنيئاً لكم أيها الكوردستانيون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى