المرأة الكُردية والخزّان المعرفي
ليلى قمر
كنا قد استعرضنا سابقاً وعلى صفحة جريدتنا وبعدة مقالات جوانب تأسيسية هامة ، تناولت الدور المحوري والأساس التي لعبته المرأة تاريخياً في تطور الفهم الاجتماعي، وتنظيم العلاقات في أطر التجمعات بدءاً من الأسرة والقبيلة ومن ثم المجتمعات الأوسع ، وكيف لعبت ، لابل وضعت أسس الارتقاء بالمعلومة الأولى في أية جانب مكتشف أو موثّق ، وكذلك الادوات وكلّ سبل تحسين معيشة جماعتها ورفاهيتهم بما يشمل المسكن والملبس والحماية والأهم الأكل ومتتبعاتها ، وهنا ودرءاً لأي تشابكٍ أو تداخل وتكرار ، سأحاول وبالإستناد على الإرث والفلوكلور الكُردي ، التركيز ولفت الأنتباه إلى ظاهرة التناقل – التوارث المعرفي بين الأجيال وكيفية استخلاص العبر والنتائج ، ومعها تأسيس ما يمكن تسميته بعلم المأثورات، هذا المجال الذي استخدم كنمطٍ ، لابل وكنوعٍ من الترمبز القاسي لتكثيف وتغليف القيم المقدّسة البائرة منها إن صح التعبير، والتي تفقد بالتدرج مصداقيتها ، ويقابلها تلك المستجدة، والتي تسعى لنبذ القديم والدعوة تحت رهاب وسطوة القديم في اللجوء إلى الرمزي والملغز واستخدام الفهم المتداول في تعريف السهل الممنتع حتى يتمكّن.
وهنا وفي العودة إلى الدور الذي لعبته المرأة في هذا المجال ، فسنلاحظ، لأنها قد استندت على تراكم كثير من المأثورات والحكم ، واتخذت أيضاً من كثيرٍ من القصص والملاحم ركائز تعتصر منها عناوين بارزة ومكثفة تبسط لتستسهل تمرير الغاية والهدف ، وهنا سأستعرض أنموذجاً بسيطاً وان كان متكرراً في التراث الكُردي وشكل ظاهرة وكنمط يعون به ثقافته ، وهو الغناء القداسوي والعابر للطرب، وسأستذكر أنموذجاً غنائياً مشبعاً بحنينة طاغية تتلمس مصدلقيتها مع كلّ تأويهة ، وهي غير مفتعلة ، والأغنية تُعرف باغنية مالامن – سريلي مقام بهي زوك – والتي تبتدئ كظاهرة تعريفية في مقدمته الصريحة والواضحة عن المفاهيم الدينية ، هذه المفاهيم التي قد لا يقف كثيرون عندها ومدلولاتها ، بقدر مانفهمها نحن الكوجر لابل كلّ ال – هريم – ، والتي ترتبط حتماً بشكل المعيشة والتنقل والعلاقة بين المطر وكلّ أشكال الحياة.
تقول مقدمة الأغنية ( هيي مالامن .. سري قرآني أليف وبي يا .. وسري كلامي سين و تي يا .. نيشانا باراني با يا او يا مرني تايا ) وهنا ، لن أتوسّع في كلّ الأغنية وسأركّز فقط كإمراة على المغزى الكبير جداً والذي يختزل تناقضات الفهم الميثولوجي – الديني بين القناعات البشرية التي تراكمت حيث ان : ألف وباء تعني القراءة من فعل إقرأ ؟ أما سين و ت فهما تعنيان سر – برودة وثلوج اما تي فهي تيهن أي جفاف أو فصل الصيف وهذه تعود بنا إلى العبادات الفصلية في العصر القديم .. وهنا أرى لزاماً عليً أن اذكّر بأنّ هذه الأغنية كانت النساء الكوجريات تنشدنها بأنين وحنينية وحزن شديدين وهي إضافةً الى ما ذكر أعلاه تذكر أيضاً وبلغز مكثف أيضاً الى ظاهرة تعدد الزوجات ، والمآسي الناجمة عنها مهما كان الزوج غنياً أو ذات سطوة ، ومنهن هنا كمثال : زواج أحد الملوك العديد من النساء من بينهنّ ( شكر ونبات ژ هندي و كجك عزيزي بر دلي باڤينا .. ما تكسي ديتيا ماصيين دبن حفت بحرا بمري ژ تيهنا ) هذا المثال المكثف لتجليات رائعة تختزل مفهومية السعادة الحقيقية من جهة وشدة ارتباط الفتاة الكُردية بحنينة خاصة بوالدها ، والأهمّ هو الإحاطة وبدقة بالمتناقضات الدينية وشكل الوعي وعبور الممتنع بسهولة في استخدام الرمزية حتى وان كانت بشكلٍ قاسي جدا ..
…..
للموصوع تتمة في الأعداد القادمة من خلال دراسة مشتركة ومفصلة لمحتوى ومغزى أغنية – مالامن من مقام بهيظوك – كواحدة من أرقى التجليات الغنائية وضوحاً ميثولوجياً
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 292