كم يستغرق ظهور أعراض أوميكرون؟ ولماذا ينتشر أسرع من بقية السلالات؟
يثير متحور أوميكرون المخاوف في مختلف أنحاء العالم، وقد أظهرت البيانات إلى حد الآن أنه أسرع انتشارا من السلالات السابقة، وهو ما يحاول الخبراء تحديد أسبابه رغم صعوبة المهمة.
في تقرير نشرته مجلة “ذا أتلانتك” الأميركية، تقول الكاتبة كاترين جي وو إن النسخة الأولى من فيروس كورونا المستجد كانت بطيئة الانتشار نسبيا، حيث يبقى الفيروس داخل الجسم 5 أو 6 أيام قبل ظهور الأعراض، لكن فترة حضانة السلالات المتحورة أقصر من ذلك.
وحسب بعض التقديرات، فقد بلغت فترة حضانة متحور ألفا نحو 5 أيام، ومتحور دلتا 4 أيام، لكن فترة حضانة أوميكرون قد لا تتجاوز 3 أيام.
ويرى الخبراء أن فترة الحضانة تلعب دورا حاسما في مدى انتشار سلالات فيروس كورونا المتحورة، فكلما كانت فترة الحضانة أقصر، أصبح الشخص معديًا أكثر، وتفشى المرض بشكل أسرع. وتؤكد عالمة الأوبئة في مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي، جينيفر نوزو، أن فترة الحضانة القصيرة “تجعل السيطرة على الفيروس أكثر صعوبة بكثير”.
هذا ما تثبته الأرقام على أرض الواقع، ففي أقل من شهر، انتشر أوميكرون في عشرات الدول، وبلغت معدلات الإصابة بالعدوى مستويات قياسية. ولأن المعركة ضد أوميكرون ما زالت في بدايتها، لا يبدو من السهل جمع البيانات عن فترة الحضانة، أو معرفة طرق تأثير الفيروس على خلايا الجسم، لكن هناك الكثير من المؤشرات التي تنذر بالخطر، وفقا للكاتبة.
ويقول أوماي غارنر، عالم الأحياء الدقيقة السريرية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس في هذا السياق “إذا كانت فترة حضانة أو ميكرون أقصر من غيرها، سيؤدي ذلك إلى فوضى في رصدنا له وطريقة التعامل معه”.
ومنذ أن صنفت منظمة الصحة العالمية أوميكرون متحورا مثيرا للقلق في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، عمل الباحثون على تتبع حالات الإصابة به في المدارس ومراكز رعاية الأطفال والفنادق والجامعات وحفلات الزفاف والمقاهي، وقد اكتشفت إحدى الأبحاث إصابة قرابة 80 شخصا دفعة واحدة في حفل بأحد مطاعم العاصمة النرويجية أوسلو.
وفي ورقة بحثية عن تلك الحادثة، لاحظ الخبراء أن الأعراض بدأت تظهر بسرعة في غضون 3 أيام تقريبًا، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن أغلب من أصيبوا في الحفل أكدوا تلقيهم كامل جرعات اللقاح، وأنهم حصلوا على نتيجة اختبار سلبية خلال اليومين السابقين للحفل.
تتطابق نتائج هذه الدراسة مع بعض الأبحاث التي أُجريت في جنوب أفريقيا، وهي من أوائل الدول التي اكتشفت انتشار متحور أوميكرون وأبلغت عنه. وقد كشفت الأبحاث أن فترات الحضانة الأقصر تؤدي غالبا إلى مزيد من الإصابات في وقت أقل، ويصبح كسر حلقات العدوى أكثر صعوبة.
سرعة انتشار أوميكرون
يؤكد أجاي سيثي، عالم الأوبئة في جامعة ويسكونسن (Wisconsin)، أنه لا يزال هناك حاجة للمزيد من البيانات حول أوميكرون قبل تحديد فترة الحضانة، لكن النتائج الحالية التي تم التوصل إليها منطقية -حسب رأيه- بالنظر لتضاعف معدلات الإصابة في غضون يومين إلى 3 أيام في أغلب الدول التي انتشر فيها أوميكرون.
مع ذلك، يرى الخبراء أن تحديد فترة الحضانة أمر صعب، لأنه يتطلب تعقب بؤر العدوى الكبيرة، ومراعاة العديد من المعطيات، مثل التطعيم والظروف الصحية وتاريخ الإصابة والعمر والحمولة الفيروسية وكيفية انتقال العدوى.
ويملك بروتين سبايك الخاص بمتحور أوميكرون أكثر من 30 طفرة، وهو ما يساعده في التشبث في الخلايا بقوة والاختباء داخلها بكفاءة أكبر.
وتدعم دراستان حديثتان، لم تُنشرا بعد في أي مجلة علمية، هذه الفرضيات حول سرعة انتشار أوميكرون. وأظهرت الدراسة الأولى التي قام بها فريق من جامعة هارفارد (Harvard University)، أن فيروسًا غير ضار شبيها بأوميكرون، استطاع خلال تجارب في المختبر أن يخترق الخلايا البشرية بسهولة. ووجدت دراسة أخرى من جامعة هونغ كونغ أن أوميكرون يتضاعف أسرع بعشرات المرات من دلتا في أنسجة مستخرجة من الجزء العلوي من الجهاز التنفسي.
وترى ليزا غرالينسكي، عالمة الفيروسات بجامعة ولاية كارولينا الشمالية في تشابل هيل، أنه إذا تم إثبات هذه النتائج، “يمكن أن نقطع شوطًا طويلاً في تفسير الانتقال السريع” لمتحور أوميكرون.
ويرى عدد من الخبراء أن الأشخاص غير المحصنين هم الأكثر عرضة للخطر، لكن المتحور الجديد سيؤثر أيضا على من تلقوا التطعيم أو الذين أصيبوا سابقا بكورونا.
ويقول رايان ماكنمارا، عالم الفيروسات في كلية الطب بجامعة هارفارد، إن الجهاز المناعي للشخص الحاصل على اللقاح أو الذي أصيب سابقا بالفيروس، قادر على مقاومة المتحور الجديد، من خلال إنتاج المزيد من الأجسام المضادة وإطلاق جيش من الخلايا التائية القادرة على قمع الفيروس قبل الوصول إلى مرحلة الخطر، لكن هذه الدفاعات المناعية تستغرق بضعة أيام للظهور وقد تتأخر في التعرف على الفيروس والتعامل معه خلال المراحل المبكرة، أي أنه كلما كان أوميكرون أسرع، تقلصت قدرة جهاز المناعة على مقاومته.
فعالية الاختبارات
وتعني فترة الحضانة القصيرة أن هناك وقتًا أقل لاكتشاف العدوى قبل انتشارها، أي أن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم أصيبوا بأوميكرون يجب عليهم إجراء الاختبار بأسرع وقت للحد من انتشاره.
وتوضح ميليسا ميلر، عالمة الأحياء الدقيقة السريرية بجامعة ولاية كارولينا الشمالية، أن ذلك يعني أن نتائج اختبارات الإصابة بعدوى أوميكرون ستكون أقصر عمرا مقارنة بالسلالات السابقة، لأن الاختبارات تقدم لمحة سريعة عن الماضي ولا تتنبأ بالمستقبل، أي أن الفيروس سريع التكاثر قد يظهر بعد ساعات قليلة من الاختبار السلبي.
يعني ذلك أن اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل -التي كانت المعيار الذهبي لتشخيص حالات الإصابة بكورونا منذ تفشي الوباء- لن تكون فعالة بما يكفي في حالة أوميكرون. ويُنظر حاليا إلى اختبارات المستضدات السريعة على أنها الحل الأفضل للتعامل مع الوضع الجديد، حيث تقدم -رغم ثغراتها- نتائج أسرع عما يحدث في الجسم.
لكن بعض الخبراء يرون أن هذه الاختبارات لن تكون فعالة بما يكفي لاكتشاف متحور أوميكرون، خاصة أن لها قدرة أقل من اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل على التقاط الفيروس في حال وجوده بمستويات منخفضة جدًا.
وتختم الكاتبة بأنه في ظل المخاوف من انتشار متحور أوميكرون وصعوبة التعامل معه، تلوح الحاجة ماسة إلى مضاعفة الإجراءات الوقائية مثل التطعيم والتهوية والتقليل من السفر والتواصل الاجتماعي، لأن هذه الفيروسات لا تتحرك من تلقاء نفسها، بل تنتقل بواسطة البشر.
الجزيرة نت