إيران وارتباطها العضوي مع الأزمة السورية
فرحان مرعي
تُعتبر إيران العنصر الثابت في الأزمة السورية، لم تجد نفسها غريبة أو غير معنية في الشأن السوري، مع اندلاع الثورة السورية ضد النظام، بل رأت نفسها من أهل البيت، وما يقع على دمشق يقع على طهران ، ويجمعهما مجال أيديولوجي وجغرافي حيوي، ينطلق من طهران إلى دمشق وبيروت، مروراً بالمنطقة الخضراء في بغداد و امتداداتها ، وتؤكّد إيران في كلّ مرة على عمق ترابط الأمن القومي بين البلدين، وتعتبر إيران سوريا حدودها الغربية، و من المعروف أنّ إيران و النظام السوري استدعيا، معاً، روسيا للتدخل العسكري في سوريا لإنقاذ النظام من السقوط في عام ٢٠١٥.
التدخل الإيراني في سوريا هو بخلاف تدخل جميع القوى الدولية الأخرى المتداخلة في الصراع ، فهو ليس تغلغلاً جزئياً محدوداً ، بل هو تغلغل عام وشامل من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والإجتماعية والعسكرية، إيران تعمل من أجل تغيير معالم سوريا وديمغرافيتها، تشتري عقارات وتسكِن الغرباء الموالين لها فيها، تضع يدها على المنشآت الصناعية والمطارات ، تفتتح معابد دينية شيعية، فبدأ يتداول بين المواطنين للتندر مصطلح الضاحية الجنوبية، بدلاً من جنوب دمشق، ذلك على غرار الضاحية الجنوبية في بيروت، وحقيقةً لاشيء يقلق الغرب من التدخل الإيراني وتوسع نفوذها في سوريا، أكثر من الخشية على الأمن القومي الإسرائيلي، الذي هو خط أحمر لدى الغرب، ممنوعٌ تجاوزه، لذا فإنّ المطلب الغربي والروسي الأساسي من إيران، هو الإبتعاد عن الحدود الجنوبية من سوريا، حيث إسرائيل، لتبقى حدودها الشمالية آمنة.
أما الموضوع الثاني الذي يثيره الغرب مع إيران ، منذ السبعينيات من القرن الماضي، هو ملفها النووي، عبر مفاوضاتٍ لا تنتهي، و هنا الخشية من أن تقوم أمريكا، بالتساوم مع إيران وروسيا في هذا الملف، و المقايضة مع ملفات دولية أخرى ، و منها ما قد تكون على حساب الأزمة السورية، فإيران قد تتنازل عن بعض تفاصيل مشروعها النووي ، مقابل تمكين نفوذها في سوريا، أو استلامها الملف السوري كاملاً ، كما استولت على العراق ، على مرأى و مسمع أمريكا ، بعد سقوط الطاغية صدام حسين ٢٠٠٣ م.
أعتقد أنّ إيران هي بوابة الغرب للتغيير الديمغرافي الطائفي في الشرق الأوسط ، وليس التغيير الجغرافي والتلاعب بالحدود الدولية، كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى ، عن طريق إضعاف الإسلام السياسي السنّي، لأنّ الغرب يجد فيه أساس التهديد لأمن إسرائيل، و منبع التيارات الأصولية، والجماعات الإرهابية المسلحة، من القاعدة وداعش وميليشيات متطرفة أخرى، منتشرة على معظم جغرافية الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وعملياً نجحت إيران، في العراق وسوريا و لبنان، في تنفيذ مشروعها، حيث لم يعد للسنّة الثقل السياسي والعسكري هناك.
أما في سوريا تحديداً، فإنّ إيران تتمركز في سوريا وتتوسع بشكلٍ أخطبوطي في كلّ مفاصل الدولة والمجتمع، ورغم الشحن و الصدام الإعلامي بين أمريكا و إيران و الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع عسكرية إيرانية في سوريا، حسب الرواية الإسرائيلية، ورغم أنّ أمريكا كانت تصرّح باستمرار بأنّ سياستها في سوريا هي لمحاربة الإرهاب، وبقايا داعش، وتحجيم النفوذ إلايراني ومنعه من الوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، إلا أنها -أمريكا – في موقفها الأخير من الأزمة السورية عبر الكونغرس، لم تشر إلى العمل على تحجيم النفوذ الإيراني، ومواجهته في سوريا ، وهذه رسالة جديدة، ستفهمها إيران بأنها مهادنة أمريكية إزاء التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة.
المقالة تم نشرها في جريدة يكيتي / عدد 293