العراق يتحرك لتصفية ملف معتقلي “داعش” في سجون “قسد”
بعد مرور أيام على انتهاء هجوم “داعش” على سجن غويران في مدينة الحسكة السورية، بدأت حكومة تصريف الأعمال العراقية، برئاسة مصطفى الكاظمي، حراكاً أمنياً جديداً تجاه التحالف الدولي.
ويأتي الحراك تحديداً لبحث خطورة ما وصفه أحد المسؤولين العراقيين، لـ”العربي الجديد”، بـ”وجود إمارة متطرفة كاملة على مقربة من العراق”، في إشارة إلى سجن الحسكة المركزي، الذي يقبع فيه الآلاف من أعضاء تنظيم “داعش”، ويخضع لسيطرة مسلحي “قوات سورية الديمقراطية” (قسد).
“قسد” غير مؤهلة للتعامل مع مساجين “داعش”
الحراك العراقي يأتي بعد أيام قليلة من إعلان مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي أن “قسد غير مؤهلة للتعامل مع الملف”، في إشارة إلى السجون التي يقبع فيها عناصر تنظيم “داعش”، شمال شرقي سورية، ضمن محافظة الحسكة.
وأضاف، خلال استقباله عدداً من سفراء الدول الأوروبية في بغداد، أن “الخطر الذي يمثله الإرهابيون الموجودون حالياً في سجون قوات سورية الديمقراطية كبير، خصوصاً أن هناك أكثر من عشرة آلاف إرهابي داعشي”، واعتبر أن “تلك القوات غير مؤهلة للتعامل مع هذا الملف”.
وأعقبت هذا الحديث تصريحات أخرى للأعرجي، قال فيها إن “هناك أكثر من 10 آلاف إرهابي، تابعين لأكثر من 50 دولة، في سجون قسد بالحسكة، وهم يشكلون تهديداً حقيقياً للمنطقة والعالم”.
وكشف مسؤول عراقي رفيع في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، أمس الأول الخميس، أن حراكاً واسعاً لوزارة الخارجية العراقية ومستشارية الأمن الوطني بدأ منذ أيام “لبحث تصفية سجون داعش الخاضعة لسيطرة قسد”.
العراق يريد تسلم مواطنيه المنتمين لـ”داعش”
وأضاف أن العراق “فتح قنوات تواصل مع قسد عبر التحالف الدولي، من أجل تسلم مواطنيه الموجودين في هذه السجون. وهناك تحضيرات داخل العراق لتهيئة أماكن محصنة لهم. في المقابل، فإنه بحث مع الدول، التي يوجد أكبر عدد من مواطنيها في هذه السجون، عملية تسلمهم بسرعة ومحاكمتهم على أراضيها”.
وأكد أن بلاده “تخشى من سيناريو هروب كبير آخر، يسفر عنه فكاك المئات أو الآلاف منهم، ستكون وجهتهم الرئيسية العراق. وهذا يعني تهديداً مباشراً لحياة العراقيين وأمنهم”.
وتحدث المسؤول عن أن “عملية تسلم العراق مواطنيه ومحاكمتهم يجب أن تكون بادرة، لتُقدم باقي الدول على خطوة مماثلة. لكن حتى الآن، هناك مماطلة وتهرب من دول كثيرة، أبرزها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ودول أخرى من أوروبا الشرقية في هذا الملف، إضافة إلى دول عربية لها مواطنون في سجون قسد أيضاً”.
هذه المعلومات أكدها مسؤول عراقي آخر، قال لـ”العربي الجديد”، إن بلاده لم تتبلغ حتى الآن موقفاً واضحاً من التحالف الدولي بشأن أهمية حل أزمة الآلاف من معتقلي تنظيم “داعش” في الحسكة.
وأضاف أن “وجودهم خطر حقيقي على العراق تحديداً، والتحالف طوال السنوات الماضية لم يشيد سجناً محكماً يمكن اعتباره آمناً وفرص فرار المعتقلين منه معدمة”.
وأكد أن “العراق يمتلك قاعدة بيانات مهمة بأسماء الموجودين في تلك السجون من العراقيين، وهناك إمكانية لنقلهم ومحاكمتهم. لكن يبقى التحدي الأكبر المتمثل بالمعتقلين من باقي الجنسيات الذين تتنصل دولهم من استلامهم”.
ولفت إلى أن أحد أسباب الحملة الأمنية التي نفذها جهاز مكافحة الإرهاب، قبل أيام، في عدد من السجون العراقية، من تفتيش وتحصين، يأتي ضمن الاستعدادات الأمنية والاحترازية لتسلم أفراد تنظيم “داعش” من سجون “قسد” في سورية.
وأشار إلى أن الأيام المقبلة ستشهد حملات جديدة مماثلة، إضافة إلى نقل وتفريق بعض قادة “داعش” بين السجون العراقية، وهذا الأمر سيتم بشكل دوري، لمنع أي تواصل مستمر بين هؤلاء القادة.
العراق تسلم 1600 “داعشي” من “قسد”
من جهته، قال الخبير الأمني العراقي المقرب من أجهزة الاستخبارات العراقية فاضل أبو رغيف، لـ”العربي الجديد”، إن “العراق هو الدولة الوحيدة التي كانت جادة في مقاضاة ومحاكمة القيادات البارزة في تنظيم داعش، وحتى غير القيادات البارزة”.
وأشار إلى أن العراق “تسلم في الفترة الماضية أكثر من 1600 من معتقلي داعش كانوا لدى قوات قسد، وأغلب هؤلاء أصدر القضاء العراقي بحقهم أحكاماً تراوح ما بين المؤبد والإعدام”.
وبيّن أبو رغيف أن “العراق يمتلك معلومات كاملة عن قيادات تنظيم داعش في سجون قسد. والتحرك العراقي نحو استلام هؤلاء من مواطنيه جاء بعد التأكد من خطورة وضع السجون، وإمكانية الفرار منها”. وأضاف “أيضاً هناك عدم جدية من الدول الأخرى في تسلم مواطنيها من قادة داعش في سجون قسد، رغم أن هؤلاء يمثلون قنابل موقوتة تنتظر الانفجار بأي لحظة”.
وأضاف أن “كل الدول تحاول أن تتنصل من مسؤولياتها تجاه مواطنيها، خصوصاً أن هناك دولاً خولت العراق التعامل مع مواطنيها من قيادات تنظيم داعش دون الرجوع إليها. فهذه الدول تخشى على بيئتها وأمنها الداخلي من إدخال هؤلاء” إليها.
بدوره، قال القيادي في تحالف “الفتح” كريم عليوي، لـ”العربي الجديد”، إن “الهجوم الذي شهده سجن الحسكة في سورية كان هدفه تهريب قيادات تنظيم داعش من تلك السجون وإدخالهم إلى العراق من جديد، حتى يعيد التنظيم نشاطه، خصوصاً بعد قتل أغلب القيادات داخل العراق”.
وبين عليوي أن “العراق يملك كل الإمكانيات لتسلم قيادات داعش من العراقيين في سجون قسد في سورية. لكن تسلم هؤلاء الإرهابيين يجب أن يكون وفق خطط أمنية لمنع أي محاولة لهروبهم”.
وأضاف: “يجب الإسراع في محاكمتهم وتنفيذ العقوبات بحقهم، وليس وضعهم في السجون من دون تنفيذ أي عقوبات بحقهم، كما يجري الآن مع غالبية الإرهابيين، الذين تصرف عليهم الأموال في السجون، من دون أن تطبق بحقهم العقوبات من الإعدام”.
وأضاف أن “العراق عليه رفض تسلم أي من قيادات داعش من الأصول غير العراقية، فهو ملزم بتسلم العراقيين حصراً، ولا يمكن القبول باستلامه أياً منهم من الجنسيات الأخرى، خصوصاً أن هناك دولاً تريد تحويل العراق إلى سجن كبير للإرهابيين”.
واعتبر أن “وجود هؤلاء الإرهابيين في السجون يشكل خطورة أيضاً على أمن العراق، ولهذا سنراقب هذا الملف بشكل جيد لمنع أي خروقات قد تحصل فيه، من خلال عمل اللجان البرلمانية المختصة بهذا الشأن”.
وعززت القوات العراقية وجودها على حدودها الشمالية الغربية المحاذية لمناطق دير الزور والحسكة السورية، وذلك بالتزامن مع هروب العشرات من مسلحي تنظيم “داعش” من سجن في مدينة الحسكة.
وخلال الفترات الماضية، أجرت القوات العراقية عمليات عسكرية متتابعة لضبط أمن الحدود مع سورية، ضمن محافظتي الأنبار ونينوى، وتضمنت نشر وحدات عسكرية واستبدال أخرى، ونصب أبراج وكاميرات مراقبة، وغير ذلك من الإجراءات، كما نفذت عمليات عسكرية، بإسناد من الطيران العراقي، لمنع عمليات التسلل.
ويُعدّ ملف الحدود العراقية مع سورية، التي تمتد لأكثر من 600 كيلومتر، أحد أبرز الملفات الأمنية التي تواجهها البلاد، إذ تسبب كثيراً في عمليات تسلّل لمسلحي التنظيم لشنّ عمليات واعتداءات إرهابية يذهب ضحيتها مدنيون وأفراد أمن.
العربي الجديد